ميشيل لافال: هنري برغسون في زمانه

2023-01-18

رغم أن الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون قضى النصف الأوّل من حياته في القرن التاسع عشر، والنصف الآخر خلال العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين، إلّا أن فكر صاحب "التطوّر المبدِع" (1907) لا يزال مُعاصراً لنا، ولعلّ أبرز دليل على ذلك هو حضوره القويّ ــ بعكس كثير من أبناء زمانه من مفكّري فرنسا ــ في المكتبات، وفي مناهج الجامعات الغربية وحتى العربية، وكذلك صدور العديد من الأعمال سنوياً حول تجربته.

ويُحال هذا، بلا شكّ، إلى أن برغسون وضع مدوّنةً فلسفية مجدِّدة إلى حدٍّ بعيد، حتى أن عدداً كبيراً من مفاهيمه لا يزال فعّالاً وقابلاً لتفكيك الكثير من مسائل عالمنا الراهن، إن كان في نقاشه لمسألة الزمان وتمييزه للمدّة عن هذا الأخير، أو في فهمه الحيويّ للطبيعة البشرية، أو حتى في مناقشته لمسائل المادّة والذاكرة والأخلاق.

ومن بين الأعمال التي تستعيد فكر الفيلسوف وتجربته، صدر حديثاً، عن منشورات "لي بل ليتر" في باريس، كتابٌ للباحث ميشيل لافال، حمل عنوان "إنها الساعة الخامسة، لقد انتهى هذا الدرس: برغسون، مسار"، الذي يجمع فيه بين السيرة الذاتية والتوطئة إلى فكر صاحب "الضحِك" (1900).

عنوان الكتاب استعادةٌ لواحدة من أشهر الجمل التي تُنقَل عن برغسون، حيث كان يقولها، في نهاية كلّ درس، أمام الجمهور الواسع الذي كان يأتي للاستماع إلى محاضراته في "كولّج دو فرانس" مطلع القرن الماضي. جملةٌ قيلت فيها تفسيراتٌ كثيرة، كما يذكّرنا المؤلّف، فهي تُحيل من ناحية إلى صرامة برغسون ودقّته، شخصاً ومفكّراً، كما تشكّل مدخلاً إلى فلسفته حول الوقت، إلى جانب تذكيرها إيّانا بأن الفيلسوف كان من أبرز من علّموا الفلسفة في زمانه، حيث تتلمذ على يديه عشرات المفكّرين الذين سيشغلون الحياة الفكرية في فرنسا خلال القرن العشرين.

يقسّم لافال كتابه إلى ثمانية أجزاء يمنحها عناوين سردية، أو أدبية، بما يحيل في كلّ مرّة إلى ملمح من مسيرة برغسون أو أعماله، حيث يتحدّث تارةً عن "الفائز الفرنسي" (حاز برغسون، منذ سنيّ المراهقة، عدداً كبيراً من الجوائز، إن كان في تحصيله بالرياضيات والفلسفة، أو "جائزة نوبل للأدب" التي مُنحها عام 1927)، وتارة عن "تكريس المدّة" كمفهوم فلسفي جديد، قبل أن يتناول في فصول لاحقة "إغراءات الجسد" أو "نفَس الخلود"، اللذين يستعيدان أيضاً وجوهاً من سيرته وفكره، اللذين انشغلا بمسألة المادة/الجسد والروح/ الفكر ونقلاها إلى أراضٍ نظرية جديدة.

ورغم أن كتاب لافال لا يدّعي تقديم سيرة متكاملة لبرغسون، إلّا أن العمل يقوم إلى حدّ بعيد على بنية الأعمال السيرية، حيث نرافق صاحب "الفكرة والحركة" منذ طفولته وتكوينه العِلمي المبكّر، مروراً بصعود نجمه باعتباره أهمّ فيلسوف فرنسي في زمانه، ووصولاً إلى سنواته الأخيرة التي قضاها خلال الحرب العالمية الثانية وعانى خلالها، بسبب أصله اليهودي، تحت حكم النازيين والمتعاونين معهم في الحكومة الفرنسية آنذاك.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي