
سامي الشاطبي *
قف لحظة فقصائد الشاعر عِيسَى بن سَالِمِين المَهرِي قصائد مراوغة ومخادعة..!
انه حين يكتب رسالته على شكل قصيدة يكتبها بقلم اسود ظاهر واخر وردي يختفي بين السطور السوداء !
انه يشير للقمر باصبعه لكن كلماته تشير الى المحبوب..يشير للشمس بنفس الاصبع لكن كلماته تشير الى شيء ما افتقده في زحمة الشتاء..
انه يشير باصبعه الى المنشد أي منشد القصيدة، لكن الكلمات تحيل الى الهدهد!
انه يشير الى السعادة في اقصى تجلياتها لكن كلماته تحيل الى قلب يغلي!
***
من عادة الهدهد أنّه لا يكتفي بالتغريد كما بقية الطيور، بل يُطلق النداءات ايضا.. يغرد في الصباح، وخاصة في فصل الربيع ويُطلق النداءات كلما استدعى الأمر.
ولعل الشاعر عِيسَى بن سَالِمِين المَهرِي سار على ديدن الهدهد تغريدا ونداءً، مغايراً لمجايليه من الشعراء، إذ لم يكتف بإطلاق التغريدات الشعرية، بل غمّس قصائده بطيب النداءات المزدانة بماء الحنين واللهفة، وارتباطه التلازمي (الشعر-الهدهد-الشاعر) نقل عوالم احدى قصائده الى المخلوق الذي ارتبط بأشهر قصص التراسل بين العشاق والمسمى في قواميس الكلام بالهدهد.
وقبل التطرق للقصيدة وعلاقتها المتشعبة بالهدهد والتغريد والنداء والتي انتجتها يجدر بنا تقديم بعض الشذرات عن الركيزة الاساسية التي اتخذتها القصيدة للنهوض والسير قدما الى عوالم الحرية والحنين.
الهدهد : طائر وقد اشتهر بوروده في القران الكريم على شكل قصة شهيرة في سورة النمل ضمن قصة نبي الله سليمان والتي تخللت كيفية اسلام قوم مملكة سبا وملكتهم. وورد في قصة الهدهد استخدام أسلوب التشويق في بداية القصة حينما قال: «فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ».. لقد تفقد سيدنا سليمان الهدهد عنده، فلم يجده.. سأل عنه وأخذ يتوعده بالعذاب والمهري عاكسا العذاب عليه لا على الهدهد سار بقافلة قصيدته
هدهد سبأ في صوتك السحري..غــــــرد علـــــى ضيّة القمــــره
الليـــل تــــــــوّه وانا تــــــــوّي..ابري مـــــــــــــن الهــــم والعلّه
وكما وجاء الهدهد بعد وقت غير محدد، حيث أخبر نبى الله سليمان بسبب غيابه والذي دشن لاعظم علاقة ارتباط، أجهر هدهد المهري بصوته..
اجهــــر لنا الصوت يالحمري..الشـــــــــوق عشره على عشره
طاب الســـــــــمر والقمر قروي..شيله علـــــــــى الكيف منشلّه
الشاعر يشير للقمر باصبعه لكن مداد حرفه يقودك الى جهة ما فكن متيقضا ..لقد استدعى القمر كي يضئ الظلمة التي في صدره وهي ظلمة مروعة لا يعبر عن مكنوناتها سوى الشعراء الاكثر معايشة.
تعتبر القصيدة من الحميميات الخليلية البدوية التي زادت اللهجة الخليجية القح من بهائها.. فحين يرقم (عشرة على عشرة) ..يحلم ويعمل من اجل المحبوب كي يطفى نار الشوق في صدره..تجده يكر عائدا من تلك الظلامية التي تجثم على مكنوناتها للتعبير الضوء والشمس والحرية بكلمات مثل الشوق والقمر ..
هلا هلا يا بدر يسري..يازينة الحفـــــل والسهـــــــره
صب لي مــن الشوق مايروي..خل الهـــــــــوى يسقي الحلّه
ويتجسد النداء في ابهى حلته ..
ياوردة الفــيْ والنهــــــــــري..ياورد فايح لنا عطــــــــــــــره
لا تكـــــــــوي القلب لا تكوي..الخل ما يجــــــــــــــرحه خلّه
لكن ذلك التجسد لا يترك مجالا للصبر
صبرت يا زين مــــــــن بدري ..والقلب قد مل مـــــــن صبره
مفتاح السر:
ثمة سر في القصيدة لا يتنبه له الا المتخصصين من النقاد ويكمن السر في تراتيبة القصيدة فهي من جانب قصيدة واحدة تتناول القضايا العاطفية والاجتماعية سابقة الذكر ومن جانب هي عدة قصائد في قصيدة واحدة ..الا يوقع ذلك المنشد في حيرة..
لقد انتهت علاقة الملكة بلقيس بالنبي سليمان بالزواج في واحدة من اروع قصص الحب والتي خلبت ومازالت الالباب وبالمقدار انتهت قصيدة المهري الى الرغبةالعارمة المغمسة بالامل بتجدد الوصل بعد طول انقطاع .
عسا لنا يابـــــــــدر تضوي..بعد الصـبر نجني الوصله
*قاص وروائي يمني