محلل أمريكي: شي جين بينج يجلس على برميل بارود في الصين

د ب أ- الأمة برس
2022-11-30

الرئيس الصيني شي جين بينغ (ا ف ب)

نيويورك: لا يمكن لأحد أن يشكك في أن أفراد الشعب الصيني قد سئموا إجراءات الإغلاق المفاجئ، ووضع البوابات الحديدية حول المنازل، والتحاليل اليومية للكشف عن فيروس كورونا،  والحماس الزائد من جانب المسؤولين عن إنفاذ القانون في تطبيق هذه الإجراءات التي تسببت في مآسي كان يمكن تجنبها، بحسب الكاتبة الأمريكية كلارا فيريرا ماركيز في التحليل الذي نشرته وكالة بلومبرج للأنباء.

فهذه التطورات فجرت موجة احتجاجات شعبية انتشرت في أنحاء الصين، لتظهر قدرا لا يوصف من شجاعة المقاومة وتحدي السلطة. ومع ذلك فالموقف يتطلب قدرا كبيرا من التريث قبل القفز إلى أي استنتاجات أو توقعات.

  وتقول ماركيز إن الاحتجاجات مأساوية وخطيرة وتطيح في حالات نادرة بأنظمة، ويواجه الرئيس الصيني شي جين بينج الذي يبدأ فترته الرئاسية الثالثة ضغوطا هائلة، أغلبها ناتج عن أخطاء سياسية  لا يمكن التراجع عنها بسهولة. ويمكن القول إنه يمر الآن بأصعب لحظاته كرئيس لثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، حيث لا يستطيع حل معضلة صفر إصابات فيروس كورونا، ويكافح لتعزيز النمو الاقتصادي، لكنه أبدا لم ولن يسقط.

وتضيف، ما نراه في أنحاء الصين بالغ الأهمية، وكذلك كان الأمر في احتجاجات هونج كونج عام 2019 وفي بيلاروس وتايلاند عام 2020 وفي إيران عام 2022. وكذلك أيضا كان غضب المواطنين الصينيين والذي تم التعبير عنه في الغالب عبر الإنترنت احتجاجا على وفاة الطبيب الذي كان أول من كشف عن ظهور فيروس كورونا المستجد في الصين في بدايات الجائحة  لي وينليانج. وهناك أيضا الناشط الذي رفع لافتة على أحد جسور بكين في وضح النهار وقبل ايام من بدء المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني في الشهر الماضي وكتب فيها "كونوا مواطنين لا عبيدا".

 الأمر المهم هو ما سيحدث لاحقا. فالتاريخ يقول إن موجات الغضب الشعبي أقل خطورة على بقاء الأنظمة المستبدة من رد مسؤولي هذه الأنظمة على الاحتجاجات. فهل تستطيع حكومة تكرس السلطة في يدها تحت قيادة الرئيس الصيني شي في نزع فتيل السخط الشعبي تفريق الحشود؟  أم أنها ستحاول ببساطة إجبار الجميع على الصمت كما فعلت من قبل، وربما باستخدام القوة إذا لزم الأمر وهو ما يهدد بتفجير موجات غضب أقوى؟  فرجال الحزب الحاكم الذين يمسكون بمطارق السلطة يرون أن كل مشكلة عبارة عن مسمار يجب الدق عليه.

الاحتجاجات تجري في الصين حاليا. ورغم ذلك فإنها تتسم بالطابع المحلي، وتركز على موضوعات معيشية مثل التأخر في صرف الرواتب أو ظروف العمل أو القطاع العقاري المضطرب، حيث رأينا حالات غضب بسبب عدم الانتهاء من تنفيذ مشروعات إسكان ليقرر المواطنون التوقف عن سداد اقساط  وحداتهم السكنية. ونظرة سريعة على البيانات التي جمعتها "نشرة العمل الصينية" تشير إلى حدوث مئات الاحتجاجات العمالية.  كما أن دورية "تشاينا ديسنت مونيتور" التي تصدرها منظمة فريدم هاوس تضيف ما يصل إلى 668 حادثة تشمل كل أشكال المعارضة خلال الفترة من حزيران/يونيو إلى أيلول/سبتمبر الماضيين، احتجاجا على أمور متباينة بدءا من الاعتراض على إعادة توزيع المدارس وحتى جرائم الاختلاس من جانب مسؤولين محليين.

في الوقت نفسه فإن الاحتجاجات السياسية تظل قاصرة على الإنترنت وغير معتادة إن وجدت ولا تكتسب زخما على المستوى الوطني، وذلك بسبب الصعوبة البالغة في تنسيق مثل هذه الاحتجاجات، والرقابة الحكومية الصارمة على أي أنشطة، والخطورة الجسيمة التي تنطوي عليها مثل هذه الأنشطة كما هو الحال في أي نظام سلطوي.

 ورغم صعوبة الوصول إلى صورة كاملة لما يجري في الصين حاليا اعتمادا على حسابات فردية ولقطات يتم بثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل ويبو وتويتر، فالواضح أن هناك زخما في هذه الاحتجاجات وهو العامل السحري الذي يمكن أن يحول السخط إلى قوة سياسية لا يستهان بها.

فالشعور بالإحباط كان يتزايد بين الصينيين منذ فترة. لكن  السياسة التي كانت بكين تأمل في نجاحها في  تجنب الفوضى والاضطرابات من خلال تقليل عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا، أصبحت نفسها محفزا للغضب. فجائحة كورونا خلقت شكوى مشتركة بين مختلف قطاعات الشعب الصيني، وجمعت تلك المجموعات من عمال المصانع إلى طلاب المدارس وأبناء الأقليات وسكان الأحياء المضطهدة  في بكين وشنغهاي. كما أصبحت النساء اللائي عانين من التهميش في ظل حكم شي في الواجهة. وبسرعة تداخلت القضايا المعيشية اليومية مع القضايا السياسية لدى المواطنين.

فالصين التي يفترض باعتبارها دولة سلطوية  أن تتحرك بسرعة لمواجهة كارثة كورونا، انتظرت وقتا طويلا  لمواجهة هذا التحدي، وتواجه الآن ارتفاعا كبيرا في أعداد الإصابات وتكافح من أجل السيطرة عليها أو التنبؤ بها.

 فهل هذه تعتبر نقطة تحول بالنسبة للصين؟ وهل هي مثل عام 1976 عندما تم سحق المظاهرات، التي نجحت في التعبير عن الاستياء الشعبي، أم أنها مثل عام 1986 بآمالها المتكسرة أو حتى حادث تشيرنوبيل بالنسبة للصين؟

تقول كلارا ماركوس إن هذه اللحظات التاريخية بارزة ومهمة بالفعل، لكن لا يمكن القول إن ما تشهده الصين حاليا هو تكرار لها، على الأقل حتى الآن.

أبسط سبب لهذه القناعة هو أن الدولة تنتظر تلاشي الاحتجاجات وهو افضل سيناريو بالنسبة للحكومة. وهو سيناريو محتمل في ظل غياب الحركة الموحدة، أو القيادة أو حتى القضية المشتركة باستثناء  الغضب في هذه الاحتجاجات. فإذا استمرت الحشود في التجمع، سيظل شي يمتلك العصا والجزرة  اللازمة لتطهير الشوارع من الاحتجاجات. وفي كلمة له بعد توليه قيادة الحزب الشيوعي بأيام قليلة، قال شي إن الاتحاد السوفيتي انهار  "لأنه لم يكن هناك شخص يتمتع بالرجولة الكافية لمقاومة الانهيار" وهو خطأ لن يسمح بتكراره.

أخيرا، فالمشكلة بالنسبة للحكومة الصينية هي أنه حتى إذا نجح شي في احتواء الاحتجاجات، سيظل الغضب الشعبي موجودا. كما أن الاقتصاد  سيظل يعاني من الضغوط، ولن يستطيع الرئيس الصيني إعلان نهاية معركة الصين ضد كورونا دون انتصار حقيقي، وهي كلها أمور من الصعب عليه تحقيقها ليظل الرجل جالسا فوق برميل بارود.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي