الباحثة التونسية زهرة الثابت: النص الديني جاء لصالح الإنسان لا سيفا مسلولا على الرقاب

2022-11-14

حوار: محمد القذافي مسعود

زهرة الثابت باحثة وأكاديمية تونسية متخصصة في اللغة والحضارة العربية، تركزت أبحاثها على علم (الأديان المقارنة) حيث أصدرت عدة مؤلفات في هذا المجال، منها.. «داود في الثقافة العربية: الثوابت والتحولات» 2008، و»العشق في النصوص المقدسة» 2018. إضافة إلى إنجاز العديد من الأوراق البحثية، سواء في الندوات البحثية أوالدوريات العلمية المُحكَمَة. عن هذا العلم ودوره، وكذا مستقبل البحث العلمي في تونس كان هذا الحوار..

لنبدأ من تخصصك في علم الأديان المقارن وأسباب اختيارك لهذا الموضوع؟

تخيرت علم الأديان المقارن لثلاثة أسباب.. أولها ندرة هذا التخصص، خصوصا في جامعاتنا التونسية إذ تكاد تكون كلية الآداب في القيروان المؤسسة الجامعية الفريدة التي احتضنت هذا الاختصاص بعد كلية الآداب والإنسانيات في منوبة. ثانيها الرغبة الملحة في معرفة كنه جوهر معتقد الآخر المغاير دينيا لتبين معاقد النسب ومواطن الاختلاف بين الديانات والمعتقدات. ثالثها أنه علم الإنسان، إذ هو العلم الذي يعرف المرء على قيمة الدين في حياته ومرتكزاته. وما أحوج المرء إلى معرفة ذلك في عالم متناحر، خصوصا وقد فاته أن يؤمن بأن الدين يوحد أبناء الأمة ولا يفرقها.

التحرر من الأيديولوجيا لدى الباحث إلى أي حد يكون مهما وأساسيا؟

الأيديولوجيا هي الأفق الذهني الذي «يجد الفرد فيه كل العناصر التي يركّب منها أفكاره في صور متنوعة.. هي مرتعه الذهني والمنظار الذي يرى به ذاته ومجتمعه والكون كله» كما يقول عبد الله العروي، والأيديولوجيا اخترقت كل مجالات الحياة حتى صرنا نتحدث عن أيديولوجيا سياسية وثقافية، ودينية واقتصادية وغيرها. وعليه إذن فهي الظل الملازم للمرء وقدر المفكر. لكن التحرر من الأيديولوجيا ضروري في البحث العلمي حتى تكون الدراسة علمية موضوعية، ولن يكون ذلك يسيرا ما لم يتخلص الباحث من انطباعاته الذاتية، وما لم يختبر معارفه بتوسل منهج من المناهج العلمية الحديثة.

على أي أساس تتم قراءة النص وتفسيره؟

قديما كان الفقهاء لا يفسرون النص إلا بتنزيله في سياقه التاريخي والتفسير، إما أن يكون في ظاهر النص أو في باطنه، حتى بتنا نميز بين تفسير نقلي وآخر عقلي، وقد أتاح التفسير النقلي للمفسر الفرصة للاستنارة بالإسرائيليات والأساطير والأخبار والأحاديث بصحيحها، وربما موضوعها، لأن النص التأسيسي كان نصا ملغزا صامتا في العديد من المواضع فكان لا بد من سد هذا الفراغ في نص القرآن الكريم بالاستعانة بمثل هذه النصوص الروافد حتى باتت هذه التفاسير بحاجة إلى المراجعة وإعادة النظر، بل بات من الضروري توسل مناهج علمية حديثة في مقاربة النص الديني كالمنهج التحليلي والمنهج التفكيكي والمنهج السيميائي والمنهج المقارن، وغيرها من المناهج الحديثة.

هل يستوجب في هذه المرحلة تغيير هذه الأدوات أو إعادة بنائها نقديا؟

نعم صار من الأهمية بمكان أن يغير المثقفون أدوات التعامل مع النص الديني خصوصا في هذا الزمن، الذي نخر الإرهاب فيه جسم الأمة العربية باسم الدين لسوء فهم للنص، ثبّتت معالمه المؤسسة الدينية الفقهية التي ترى في نفسها مؤسسة مصدرة للحقيقة.

وهل قراءة النص الديني ما زالت قاصرة عن إيصال المفهوم الحقيقي للمعنى الكامن في النص؟

لا.. قراءة النص، خصوصا من وجهة نظر مقارنة، تجاوزت هذا الإطار إلى أفق أرحب، فجعلت النص الديني نصا يحتمل التأويل، ونصا ينفتح على القراءات المتعددة للنص الديني، إيمانا بأن الحقيقة مفهوم صلب لا يمكن محاصرته، خصوصا في نصنا (القرآن الكريم) لسر إعجازي في النص ذاته. لقد باتت قراءة النص الديني وسيلة لكنه فكر الآخر المغاير دينيا. من ناحية أخرى .. نصنا القرآني نص صالح لكل زمان ومكان، وديننا الحنيف دين يسر وليس دين عسر، وأعتقد أن قراءة النص وتفسيره وفهمه ينبغي أن تراعى فيه مصالح الأمة، فيكون التفسير يسيرا واضحا خادما للإنسان في حياته الدنيا، لا سيفا مسلولا على الرقاب.

كل بيئة تخلق فكرا يناسبها، أم أنها تتبنى فكرا من خارجها؟ ما هو الممكن وغير الممكن في هذا الموضوع؟

الفكر في نظرنا هو وليد البيئة الحاضنة له، لكن لا نرى ضيرا في الانفتاح على الفكر المغاير، لأن الآخر قدرنا ولا مهرب لنا منه ولا ضير أيضا من أن نستفيد من هذا الفكر المغاير بما يتماشى وهويتنا العربية الإسلامية. وبما يخدم مصالح الأمة.

وما هو مصدر التابوهات وهل للمجتمع التونسي تابوهات خاصة به؟

التابو أو المحرم إنما يتخلق داخل النص الديني المؤسس ، فأنت لو تقفيت أثر الآيات القرآنية لوجدت أن المحرم ظِل ملازم للحلال، وأن عبارة «حرمت عليكم» قد تواتر حضورها في النص بصورة كثيفة، لأن الحلال لا يستقيم إلا بإزاحة الحرام. ثم صارت المؤسسة الدينية الفقهية هي المسؤولة عن التحريم ليصبح بعد ذلك القانون هو مصدر التحريم. والمجتمع التونسي له تابوهاته التي أقرها القرآن أولا وعززها التشريع القانوني ثانيا.

ما مستقبل البحث العلمي في تونس، سواء كان عن طريق ما تقدمه المؤسسات والمراكز او البحاثة كأفراد؟

يبدو لي أن البحاثة التونسيين يخطون خطوات جادة في مجال البحث، ودليلي على ذلك بعض العناوين المنجزة واللافتة، سواء في مجال الأدب أو الحضارة، أو حتى العلوم والجوائز التي أحرزها بعض التونسيين المبدعين، ما يشي بأن مستقبل البحث العلمي واعد، رغم عديد العقبات التي تواجه الباحث مثل ندرة بعض المراجع، خصوصا باللسان الأجنبي، أو قلة الموارد المرصودة لنشر الأبحاث، أو تجهيز بعض مراكز البحث خصوصا في المؤسسات الجامعية.

الثقافة العربية دائما ما تصنع أصنامها، هل تحررت الساحة التونسية من هذه الأصنام، أم أنها ما زالت تدور في فلكها؟

الإنسان هو الذي يصنع الصنم إما لانبهار بكاريزما شخص ما، أو لإحساس بضعف يخفيه بين جوانحه، فيرغب رغبة ملحة في طلب الأمان الذي لا يجده في نظره إلا في هذا الصنم الذي يخلقه، وصناعة الصنم هو مأزق كل الشعوب العربية وهو ليس صنما ثقافيا في الأساس، فلكل مجال صنمه الخاص به غير أننا نزعم أن حرية التعبير التي أقرها الدستور في تونس بعد ثورة الربيع العربي، أسهمت إلى حد ما في التحرر من سلطة هذا الصنم.

وفي الأخير.. ألا من حل لتجاوز راهن الهزيمة العربي الذي نعيشه؟

العالم العربي بأسره يعيش على وقع مأزق خانق، وعلى وقع هزيمة شعواء تفاقمت وطأتها، خاصة بعد ثورة الربيع العربي ، وراحت ضحيتها الأوطان والشعوب التي تراجعت القهقرى جراء تكلس في العقل العربي وعجز في القدرة على التفكير، فضاعت قيمة الإنسان، وبتنا نعيش التناحر والفتن والتكفير والتقتيل، جراء سوء فهم للنص، والحل لتجاوز وضع الهزيمة هذا، في نظري، إنما هو رهين مصالحة للإنسان مع ذاته، ورهين إعادة الاعتبار إلى إنسانية الإنسان، ولن يتسنى لنا ذلك إلا بالتعامل المرن مع النص وتوظيفه لخدمة الإنسان. لا بد من فتح عقلي جديد يؤمن بالإنسان أولا وأخيرا، ويؤمن بقيم التسامح وقبول الآخر المغاير دينيا حتى نأمن غائلة العدوانية، إضافة إلى أن الحاجة إلى بناء فكر منفتح على تجارب الآخر والإفادة من سر تقدمه تغدو حاجة أكيدة لا شك للأخذ بأسباب الحضارة.

كاتب وصحافي ليبي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي