«البطولة في الأدب الشعبي»: في صحة الزعيم الخالد

2022-11-09

محمد عبد الرحيم

دائماً ما كان الأدب الشعبي هو المرآة الأكثر صدقاً عن رؤية الشعوب وأحلامها في كل ما تمر به من حوادث ومشكلات وقضايا. وبديلاً عن أدب النخبة أو المثقفين، تأتي الحكايا الشعبية لتمثل مقولات أكثر عمقاً وشمولاً، لتعبيرها عن المجموع، ويبدو حسها الانتقادي الذي لا يُهادن حاكما أو سلطانا. ومن وجهة النظر هذه يأتي (البطل الشعبي) الذي يحقق للجماعة الشعبية أحلامها وينتقم لها من ظالميها.

ودائماً ما يلجأ الناس إلى مثل هذه الحكايا، التي تدور على ألسنة الرواة في القرى ـ مجهولة المؤلف في الغالب ـ يستمدون منها الحكمة وطبيعة الصراع بين الخير والشر، والصبر على المصائب، حتى يأتي اليوم الذي ينتصر فيه الحق ويتحقق العدل، والذي يتحول من حلم إلى واقع على يد (بطل) الحكاية، ومن فكرة البطل يتخيّل السامع ملامح هذا البطل وفق هواه، وبما ينتظره ليتجسد في شخص بعينه، وربما يجمح به خياله ليتخيل نفسه هو هذا البطل الجديد، سليل بطل الحكاية الأصلي.

عن هذه البطولة يأتي كتاب «البطولة في الأدب الشعبي» لعبد الحميد يونس (1910 ــ 1988) الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في القاهرة، ضمن سلسلة الدراسات الشعبية. وهو مجموعة دراسات قدّمها أستاذ الأدب الشعبي في عدة دوريات ومحافل دولية، جاءت حسب ترتيبها في الكتاب.. البطولة في الأدب الشعبي 1958، سيرة عنترة 1966، سيرة بني هلال 1963، والظاهر بيبرس 1957. وسنتعرض للجزء النظري في الكتاب والمتعلق بالبطولة الشعبية. مع ملاحظة تواريخ هذه الدراسات ودلالاتها، وما تحاول الترويج له من خلال منهج علمي متماسك، لكنه موظف سياسياً لخدمة بطل ذلك الزمان الأوحد!

فكرة البطولة

تأتي مقدمة الكتاب، التي تحمل عنوانه، كبحث نظري في فكرة (البطل) وسماته. يبدأ المؤلف بإسناد البطولة إلى الملحمة دون الأسطورة، فهو إنسان أولاً وأخيراً، وليس إلهاً أو حتى نصف إله كما في الأساطير اليونانية. كذلك فهو المثال الذي ابتدعه وجدان الجماعة، ليكون نموذجاً لكل أفرادها والمحقق لأحلامها. ثم يكون صراعه/صراع الجماعة مع عدو مشترك، ولا بد للأخير أن ينتصر في النهاية ـ وفق منطق الملحمة ـ على العكس من التراجيديا، التي ينهزم فيها البطل. ويلفت الكاتب إلى ما يمثله البطل، فهو المنتصر على الذات المفردة والعصبيات القبَليّة لصالح الذات العامة، وخضوعاً لوجدان الجماعة المشترك، لا بد أن تتغلب الفكرة القومية العامة آخر الأمر.

الملحمة والقومية العربية

يرى المؤلف أن الملحمة الشعبية تحكي الوجدان القومي العربي، وهو هنا يحاول أن يُلصق فكرة القومية العربية بالملحمة الشعبية بشكل واضح. ويرى أن الملاحم ازدهرت أواخر الحروب الصليبية، لتصبح زاداً للأمة العربية كلها على اختلاف أقاليمها ولهجاتها، مُجسدة فكرة البطل الذي يدافع عن الذات العامة أمام عدو مشترك، وكذلك الدفاع عن كرامة الفرد باعتباره واحداً من الجماعة. فالبطل يناضل العدو، ويحكي بطريق غير مباشر ما ينبغي أن تكون عليه العدالة الاجتماعية.

البطولة والقدر

«البطل الملحمي لا يصارع القدر، لكنه يحقق الأحداث التي تريدها الأقدار». هذه العبارة الدالة يحاول الكاتب من خلالها مناقشة أن البطل الشعبي ـ العروبي القومي ـ قدر لا يمكن الفكاك منه، بل إن القدر نفسه هيأ له مكانته التي يستحقها. فهو حسب الكاتب.. «مكلف برسالة سامية ذات طابع قومي، وهو يعرف هذه الرسالة معرفته بنفسه، ويجدّ في تحقيقها واثقاً من النصر… بل إن سائر الأفراد في الملحمة يميزون البطل ويعرفونه، وقد ينتظرونه.. وقد تظهر الحوادث في بعض الأحيان غير ما يعرفون ويتوقعون فلا يرتابون، لأن القدر قد خط في صحيفته أن يكون النصر على يد البطل دون غيره». الأمر هنا أشبه ببرنامج دعائي، فحتى لو حدثت بعض المشكلات أو الأزمات، فيجب ألا يرتاب الناس في مصيرهم المحتوم، وهو المصير الذي يخطه القدر، والمتمثل في بطلهم المنتظر، فهو فقط ولا أحد غيره سيحقق أحلامهم.

هذه نظرة سريعة إلى مقدمة الكتاب، وهي ورقة بحثية قدّمها الكاتب إلى الدورة الرابعة لمؤتمر الأدباء العرب الذي عُقد في الكويت، في الفترة ما بين 20 و28 ديسمبر/كانون الأول 1958. ولك أن تتخيل أن مثقفا مصريا ذهب إلى مؤتمر أدبي في دولة أخرى، وفي ذلك الوقت العروبي الثوري القومي وكل هذه المسميات العجيبة، وهو المتخصص في الأدب الشعبي، فماذا سيتلو على مسامع الرفاق سوى البطولة وتجسيدها في زعيمه القابع في مصر. ولا نجد إلا أن تاريخ تواطؤ المثقفين مع السلطة السياسية في مصر، وغيرها من الدول العربية الموصومة يحتاج إلى مقالات وأبحاث كثيرة، حتى لا نستغرب ما يحدث اليوم، وأنه ليس وليد المصادفة، بل له تاريخ أسود طويل.









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي