الامبراطوريات الاستعمارية متجذرة في أراضيها السابقة..نباتياً

أ ف ب-الامة برس
2022-10-21

   نباتات داخل دفيئة في "كيو غاردنز" في لندن (أ ف ب) 

ترك التاريخ الاستعماري الأوروبي بصماته على الطبيعة في مختلف أنحاء العالم، بحسب دراسة لاحظت تشابها أكبر في نباتات الأنواع الأجنبية في المناطق التي كانت مستعمرة سابقاً مقارنةً بالمناطق الأخرى التي لم تكن كذلك.

ولا تزال آثار هذا "الغزو البيولوجي" بادية إلى اليوم في مناطق المستعمرات السابقة للإمبراطوريات الأوروبية الأربع الكبرى، البرتغالية والإسبانية والهولندية والبريطانية، وفقًا للدراسة التي نُشرت هذا الأسبوع في مجلة "نيتشر إيكولوجي أند إيفولوشن".

وأوضح أحد المعدّين الرئيسيين للدراسة المُحاضر في علم الأحياء عن التغيرات البيئية في جامعة ادنبره غيّوم لاتومب أن "كل المناطق المعنية تحوي تركيبات نباتية أكثر تجانساً من تلك الموجودة في المناطق الأخرى التي لم تكن تنتمي إلى إمبراطوريات استعمارية، ولكنها كانت تقع في القطاع الجغرافي نفسه" ،

وعمل الباحثون بقيادة بيرند لينزنز، من قسم علم النبات وأبحاث التنوع البيولوجي في جامعة فيينا، على تجميع قاعدة بيانات لنحو 1200 منطقة في العالم، من بينها نحو 800 منطقة كانت تقع في امبراطوريات سابقة.

ثم أجرى الباحثون مقاطعةً بين هذه البيانات وقاعدة بيانات "غلوناف" (GloNAF) التي تشمل راهناً أكثر من 13 ألف نبتة أجنبية متجانسة في مناطق مختلفة من العالم. واحتسبوا مؤشر التنوع "زيتا" الذي يقيس درجة التشابه، كبيرة كانت أم صغيرة، بين المناطق الجغرافية، من حيث تركيبتها النباتية.

وخلص الباحثون إلى أن أهم العوامل التي تؤدي إلى استمرار الآثار النباتية لإمبراطوريات ما على مناطق عدة هي مدة استمرار الاستعمار وأهميته الاقتصادية أو الاستراتيجية.

- اسباب الاستعمار النباتي -

وينطبق هذا المعياران خصوصاً على الإمبراطوريتين الإسبانية والبريطانية، ولكن لأسباب مختلفة.

فالإمبراطورية الإسبانية التي استمرت من القرن الخامس عشر إلى القرن العشرين ، "بقيت قائمة لمدة طويلة جدًا وفي منطقة تتقارب أجزاؤها نسبياً" في أميركا اللاتينية، بحسب لاتومب. وساهم هذا التقارب "في كثافة التبادلات بين هذه المناطق ، وأتاح انتشار الأنواع المتشابهة فيها".

أما الإمبراطورية البريطانية التي نشأت في مرحلة لاحقة، أي في القرن السابع عشر، فامتدت لتشمل مختلف أنحاء العالم ، ولكن "في زمن شهد تطوراً تكنولوجياً وازدياداً في الحركة التجارية". وساهمت السفن تالياً بشكل كبير في تبادل أنواع النباتات بين المستعمرات، وكذلك اختراع بريطاني مأرضة (تيراريوم) قابلة للنقل سميّت Wardian Case.

واشارت الدراسة إلى أن ثمة اسباباً عدة للاستعمار النباتي للمناطق.

فالمستوطنون الأوَل كانوا يزرعون لتأمين مقومات الحياة في أراض كانوا يجهلون طبيعتها، في حين أن العلماء كانوا يرغبون في زيادة التنوع الإحيائي، فضلاً عن أن الشبكة الفعلية للحدائق النباتية في الإمبراطورية البريطانية كانت تتيح تبادل وزرع أنواع نباتية قابلة للبيع. وكان بعض المستوطنين يزرعون في المستعمرات نباتات بلدهم، من باب الحنين إلى تراب الوطن.

وحددت الدراسة كذلك عدداً من المناطق التي كانت بمثابة مراكز إستراتيجية لكل امبراطورية، كانت تتشابه نباتياً في ما بينها أكثر مما كانت تتشابه مع المناطق القائمة في أطراف الامبراطورية عينها، على نحو ما كان الوضع بالنسبة إلى مناطق جنوب شرق آسيا التي كانت مستعمرة سابقاً من قبل الإمبراطوريتين الهولندية والبرتغالية.

أما الأشد غرابة في نظر لاتومب فهو أن "رصد آثار هذه التبادلات التي حصلت قبل مئات السنوات لا يزال ممكناً اليوم، رغم زيادة التبادلات التجارية في العالم بمقدار ثلاثين ضعفاً منذ عام 1950".

وتوقعت الدراسة أن تؤدي حركة العولمة إلى زيادة تبادل الأنواع النباتية الأجنبية، وأن تكون آثار التشابه في المشهد الطبيعي "قابلة للرصد في المستقبل البعيد".

 








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي