لماذا لن تؤثر العقوبات على روسيا وإيران؟

د ب أ- الأمة برس
2022-10-19

ربما يقرر النظام الإيراني إنه لا يستطيع المخاطرة بتعرضه للتصفية أو تحمل الإطاحة به من السلطة (أ ف ب)

واشنطن: في ظل القوة الاقتصادية والعسكرية الكبيرة التي تتمتع بها روسيا، يعد المعيار الرئيسي الذي سيحدد نتيجة حربها ضد أوكرانيا هو مدى نجاح الهجوم المضاد الذي تشنه القوات الأوكرانية ضد القوات الروسية المحتلة، وليس قوة العقوبات الغربية ضد موسكو.

وقال المحلل أحمد شيما، كبير مستشاري وزراء الحكومة الباكستانية وأعضاء لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الباكستاني، في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إن العقوبات الاقتصادية والمالية تشكلان جزءا لا يتجزأ من فن الحكم، سواء تم استخدامها سعيا لتحقيق مصالح جغرافية سياسية أو التأثير على قرارات دول أخرى. ومنذ عام 1990، تزايد استخدام العقوبات الاقتصادية، خاصة وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، بشكل كبير، وتعد العقوبات التي تم فرضها على العراق ويوغوسلافيا السابقة، أمثلة تاريخية، في حين تعد العقوبات ضد روسيا وإيران حالات حديثة. وفي عالم يشهد حالة عولمة، يجب أن يكون للعقوبات تأثير على قرارات الدول، ولكن هذا لا يحدث دائما بشكل فعلي.

واعتبر شيما أن قرار روسيا الأخير بالضم الرسمي لأراضي أوكرانية يؤكد رفضها التراجع في الحرب الروسية الأوكرانية. وقد تجاوز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نقطة اللاعودة وأغلق الباب أمام أي خيار للتراجع. من جانبها، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إن الولايات المتحدة لن تقبل على الإطلاق نتيجة الاستفتاءات التي أجرتها روسيا في أوكرانيا والتي ضمت على أساسها أربع مناطق أوكرانية.

وتم فرض عقوبات في غاية الصرامة على روسيا وتضرر اقتصادها بدرجة كبيرة، حيث تراجع الروبل بقوة وخرجت نحو ألف شركة دولية، تشكل نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا، من السوق الروسية.

وجرى منع روسيا من العديد من الواردات، وخاصة المنتجات التكنولوجية الغربية الحيوية مثل أشباه الموصلات كما توقفت شركات الطيران الروسية. وعلى الرغم من الضربات الاقتصادية التي تحملتها روسيا، لم ينسحب جيشها من أوكرانيا كما أن العقوبات لن تغير قرار بوتين بغزو أوكرانيا. ولا يزال لدى بوتين بعض النفوذ وسوف يصمد في وجه العاصفة شريطة عدم هزيمة جيشه أمام الهجوم المضاد الأوكراني. وقد تحملت روسيا الضغوط بفضل الدعم الذي حظيت به من الصين والهند ودول أخرى لم تنضم إلى الدول التي فرضت عقوبات على موسكو.

ورأى شيما أن فعالية العقوبات في تغير سلوك الدول أمر قابل للنقاش ومحل خلاف، نظرا لأن سياسات وأحكام الدولة التي تخضع للعقوبات تتحدد على أساس عدة متغيرات متنوعة وتكتسب أهمية خاصة من جانب قادة تلك الدول. وتشمل هذه المتغيرات المخاوف الأمنية وأهداف محددة خاصة بسياستها ورفاهيتها الاقتصادية والرأي العام بها. وغالبا ما تمارس الدول "مصفوفة الاختيار العقلاني"، بمعنى أنها تقيم الاستراتيجيات المتاحة أمامها ثم تتوصل إلى قرار. بالإضافة إلى ذلك فإن ديناميكيات القوة بين الدول وقدرتها على إجبار بعضها البعض تلعب أيضا دورا في عملية اتخاذ القرار. كما أن قدرات الدول على فرض تكلفة اقتصادية ضخمة وقدرة الدولة المستهدفة على تحمل تلك التكلفة المفروضة عليها تعد عوامل حاسمة في النتيجة النهائية. وفي نهاية المطاف، يعتمد نجاح العقوبات الاقتصادية المفروضة من جانب دول أجنبية أو مؤسسات متعددة الأطراف على مدى وكيفية تأثير تلك المتغيرات المتعددة على الدولة المستهدفة.

وقال شيما إن هناك نموذجا عمليا على التفاعل بين هذه المتغيرات يشمل تطوير الهند وباكستان لأسلحة نووية. فقد رأى القادة الهنود أن اقتصاد البلاد قوي بما يكفي لتحمل العقوبات الأمريكية وأيدهم الشعب الهندي في سعيهم للحصول على أسلحة نووية. وفي الوقت نفسه، قررت باكستان أن عدم امتلاكها أسلحة نووية يشكل خطرا كبيرا على أمنها القومي وأن العقوبات مقبولة- على الرغم من تأثيرها السلبي على النمو الاقتصادي. وبالتالي، مضت الدولتان قدما في تفجير قنبلة نووية. وحصلت باكستان على حماية من انهيار اقتصادي خطير من خلال دعم المملكة العربية السعودية التي قدمت لها مساعدات ونفط مجاني خلال فترة العقوبات التي فرضت عليها. وهذا يبرهن على أن قرار الدول الأخرى بالتمسك بالعقوبات له أهمية كبيرة. وبالمقارنة مع الهند وباكستان، تمتلك روسيا قدرا أكبر كثيرا من النفوذ، وقد قررت نصف دول مجموعة العشرين وضع مصالحها الاقتصادية مع موسكو قبل سيادة أوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال بوتين في عيد ميلاده السبعين يتمتع بمعدل تأييد شعبي يتجاوز 70%، وهو معدل يفوق كثيرا زعيم أي دولة تعرضت لعقوبات في التاريخ.

واعتبر شيما أن الاستخدام غير المحدد للعقوبات غير مستدام بسبب الضعف الجغرافي لأوروبا واعتمادها على الطاقة الروسية. وتعتمد أوروبا على الغاز الطبيعي الروسي لسد نحو 40% من احتياجاتها، وسوف يؤثر قرار بوتين بتقليص هذه الإمدادات على الصناعة الأوروبية وقطاع التصنيع. وفي تموز/يوليو، اتفق القادة الأوروبيون على خفص استخدام الغاز الطبيعي بنسبة 15% وأكدوا التزامهم بإيجاد بدائل. وعلى المدى الطويل، يستطيع الأوروبيون بناء محطات غاز طبيعي مسال والبحث عن موردين جدد. إلا أن هذا سوف يستغرق سنوات؛ وعلى المدى القصير، يعتبر الركود أمرا حتميا، حيث من المتوقع أن تشهد أوروبا تراجعا بنسبة 1% في الناتج المحلي الإجمالي، وتراجعا محتملا بنسبة 5% إذا تأخرت بدائل الغاز الروسي، الأمر الذي قد يؤدي لتكرار الصدمات الاقتصادية التي حدثت عام 2008 خلال الأزمة المالية. ولتوضيح الحقيقة بصراحة، يستطيع بوتين الانتظار لمدة عامين- ولكن الأوروبيين واليابانيين والكوريين الجنوبيين لا يستطيعون.

بالإضافة إلى ذلك، توفر روسيا وأوكرانيا تقريبا نحو ربع إمدادات القمح والحبوب في العالم. وقد ألقت أسعار الطاقة والغذاء المتصاعدة بظلالها على الدول منخفضة الدخل، خاصة في أفريقيا والشرق الأوسط، مما تسبب في اضطرابات اجتماعية. وستكون النتيجة الحتمية المجاعة والمرض وموجات من اللاجئين المهاجرين إلى أوروبا. ولذلك، فإنه يمكن تفهم أن بعض الدول ذات الدخل المنخفض ترغب بشدة في تجاهل العقوبات والقيام بشراء الغذاء والسلع مباشرة من روسيا.

وأضاف شيما أن العقوبات لا تُفرض في فراغ سياسي أو اقتصادي وحتى الدبلوماسية القسرية لها حدود. وتضع الحكومات في اعتبارها أوضاعها الداخلية، وغالبا ما تقرر أنه ليس أمامها خيار سوى التعايش مع العقوبات. على سبيل المثال، نجحت كوريا الشمالية في تطوير أسلحة نووية على الرغم من العقوبات الصارمة المعجزة لها، ورغم تضور شعبها جوعا.

وبالمثل، ربما يقرر النظام الإيراني إنه لا يستطيع المخاطرة بتعرضه للتصفية أو تحمل الإطاحة به من السلطة، مما يدفعه لتطوير أسلحة نووية لدرء التدخل الأجنبي أو تغيير النظام، حتى على حساب اقتصاده. وإذا قرر ذلك، تستطيع إيران اللجوء إلى الصين للحصول على الدعم، حيث وقعت معها اتفاقية تعاون استراتيجي لمدة 25 عاما. في عام 1999، اختارت باكستان تجاهل "تعديل بريسلر" الذي منع باكستان من الحصول على معظم المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية وانتهجت سياسة رأت أنها لا غني عنها لبقائها. وربما يتوصل النظام الإيراني إلى نفس القرار.

واعتبر شيما أن هناك أوقاتا تكون فيها الأفعال ضرورية أكثر من العقوبات التي لا يمكن ببساطة أن تغير الحسابات الاستراتيجية لقادة أي دولة وتثبت فعالية القوة العسكرية والعمليات السرية. وبالتالي، فإن نجاح أو فشل الهجوم المضاد الأوكراني سيقرر في نهاية الأمر نتيجة الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

واختتم شيما تحليله بالقول إن الحقيقة القاسية للعالم تجبر الدول على السعي لتحقيق أهداف وطنية من خلال التطبيق المنسق لأدوات القوة الناعمة والقوة الصلبة، بما في ذلك الدبلوماسية والتدخل السياسي والسبل الاقتصادية لتحقيق السياسات الخارجية والقوة العسكرية. وربما تكون العقوبات الاقتصادية شائعة للغاية لأنه لا شيء آخر بين الحوار والقوة يمكن استخدامه لإجبار دولة على القيام بشئ ما. وقد أصبح التدخل العسكري الغربي غير مقبول بشكل متزايد وسيكون مكلفا للغاية خاصة ضد روسيا أو إيران. ومع ذلك، يظهر التاريخ أنه نادرا ما يتحقق الاستقرار والتغيير عبر الحوار وحده. ولذلك فإن تقليد استغلال العقوبات الاقتصادية سوف يستمر على الأرجح على الرغم من أنها ستظل تواجه صعوبة في إجبار الدول على تغيير سلوكها.










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي