
واشنطن: بعد فترة وجيزة من مداهمة مكتب التحقيقات الاتحادي (إف بي آي) منزل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بحثا عن وثائق سرية تتعلق بأسلحة نووية، وضع المدير السابق للاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي آيه) مايك هايدن، تعليقا على تغريدة للمؤرخ والمعلق في شبكة “ام سي إن بي سي” مايكل بيشلوس، بدا منها أنه يوافق على أن ترامب كان جاسوسا، يجب إعدامه، كما تم مع يوليوس وإيثيل روزنبرج في عام 1953 بتهمة نقل أسرار ذرية إلى موسكو.
وقدم بيشلوس في تغريدته السياق التاريخي لما يحدث للأشخاص الذين يحتفظون بشكل غير قانوني بالمعلومات النووية ويمررونها لكيانات غير أمريكية، حيث نشر عبر تويتر صورة للجاسوسين يوليوس وإيثيل روزنبرج. وعلق هايدن على الصورة: "يبدو هذا صائبا".
وفي تحليل نشره موقع معهد جيتستون الأمريكي للأبحاث، كتب بيتر هويكسترا، السفير الأمريكي لدى هولندا خلال حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، إنه كان عارض ترشيح هايدن لمنصب مدير "سي آي آيه"، وقال آنذاك: "خلاصة القول: أعتقد أنه الشخص الخطأ، في المكان الخطأ والتوقيت الخطأ."
ويرى هويكسترا أن تعليق هايدن يعكس خوفا لدى كثيرين من وجود معيار قانوني، حقيقي، مزدوج لأمريكييين بعينهم، مقابل من يتمتعون بالحماية من الموظفين، والساسة، وهؤلاء الذين يفضلهم التيار الرئيسي لوسائل الإعلام والذي اتهم بأنه يتصرف كذراع للحزب الديمقراطي.
وعقب إلقاء القبض على السياسي الأمريكي المحلي، روبرت تيليس، كمشتبه به في جريمة مقتل صحفي من لاس فيجاس كان يتحرى علاقة غير لائقة بينه وبين أحد مرؤوسيه، لم يعرف المرء بسهولة أن تيليس ينتمي للحزب الديمقراطي، حيث أسقطت وسائل الإعلام هذه الحقيقة في تقاريرها، أو دفعت بها إلى أجزاء متأخرة من التقارير. وبالمثل، لم تحظ مسألة الناشط السياسي الديمقراطي الذي استأجر من يقتل خصما سياسيا، بتغطية كبيرة. كما تجاهل الإعلام أن المشتبه به في جريمة دهس مراهق وقتله في نورث داكوتا، فعل ذلك لخلاف سياسي مع الضحية الذي وصفه بأنه "متطرف جمهوري".
ويخاطب هويكسترا بايدن: "الرئيس بايدن، أين إدانتك لهذا العنف السياسي من الديمقراطيين؟ وماذا عن عملاء /إف بي آي/ الذين داهموا منزل ترامب، وتردد أنهم قاموا بتفتيش خزانة ملابس قرينته، وأخذوا جوازت سفر الرئيس السابق؟ الرئيس بايدن، ألم يكن هذا أمرا مبالغا فيه من الناحية السياسية؟ "
وعلى النقيض من ذلك، لم يداهم "إف بي آي" منزل وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، ولم يتم تفتيش مكتبها أو خزائنها بعد اكتشاف أن رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بها كانت تتضمن معلومات سرية، بل "سرية جدا". وتساءل هويكسترا: لماذا عامل "إف بي آي" هيلاري كلينتون بشكل مختلف؟
وعلق على هذا التناقض بقوله: "يبدو أن موظفينا، لا يعرفون حدودا عندما يتعلق الأمر برئيس سابق للولايات المتحدة. يا لها من سابقة! لنقارن ذلك بكيف يتعاملون مع أنفسهم."
وقال هويكسترا، إنه كرئيس سابق للجنة الاستخبارات بمجلس النواب، وكسفير، لطالما تعامل مع الاستخبارات وجهات إنفاذ القانون في أمريكا، وإنه يستطيع أن يعطي وقائع دقيقة حول كيف يحمي الموظفون أنفسهم. وأشار في هذا الصدد، على سبيل المثال، إلى قضية مدير المخابرات الوطنية السابق، جيمس كلابر، الذي شهد زورا أمام مجلس الشيوخ، وقال إن مجتمع الاستخبارات ليس لديه برامج لجمع بيانات الأمريكيين. ثم رفض لاحقا الإقرار بشهادته الزور. ولم يواجه كلابر عواقب كذبه، فهو موظف يتمتع بالحماية، بل وتم تعيينه في شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية، مقابل أجر، حيث دأب على مهاجمة ترامب.
أما القضية التي ربما تعد الأكثر توضيحا لازدواجية المعايير، فهي قيام "سي آي آيه" في عام 2005 بإتلاف 92 شريط فيديوـ كانت تحمل مئات الساعات من المواد التي تتعلق ببرنامج الاستجواب المعزز للوكالة، وهو أمر أثار جدلا واسعا، وقد تم تصميمه للحصول على معلومات من أعضاء تنظيم القاعدة المحتجزين.
وبعد تسريب أنباء عن برنامج الاستجواب المعزز للإعلام، وانتشار خبره بين الناس، حاول الكونجرس الوصول إلى فهم أفضل بشأن كيفية عمل البرنامج، وفعاليته، والمدى الذي وصل إليه. وكان من شأن هذه الشرائط أن تكون مفيدة للغاية في اتخاذ القرارات، ولكن هيهات.
وكانت عضو الكونجرس جين هارمان، والتي كانت أيضا عضوا بارزا بلجنة الاستخبارات في مجلس النواب، حذرت "سي آي آيه" كتابة من إتلاف هذه الأشرطة، عندما علمت بالأمر في 2003. كما طلبت اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ الأشرطة في أيار/مايو 2005، وكذلك هيئة الدفاع عن زكريا موسوي. وطلب القاضي الاتحادي ليوني برينكيما معلومات عن البرنامج في إطار قضية تتعلق بمعتقل آخر.
ورغم كل ذلك، أصدر المدير السابق للجهاز الوطني للعمليات السرية في "سي آي آيه"، خوسيه رودريجيز، قرار إتلاف الأشرطة، عبر رسالة سرية إلى جينا هاسبيل، التي سارت فيما بعد مديرة "سي آي آيه" أثناء حكم ترامب.
وكتب هويكسترا: "لم يتم توجيه اتهام لأحد في قضية إتلاف الأشرطة. وعلى حد علمي، لم تجر أي مداهمات لمنازل أو مكاتب للكشف عن أدلة. ولكن لأن هؤلاء الموظفين، الذين لا يخضعون للمساءلة، قاموا بهذا الإجراء، لن يعرف الشعب الأمريكي أو الكونجرس أو المحاكم مطلقا ما جرى خلال هذه الفترة المثيرة للجدل من التاريخ الأمريكي".
ثم تساءل: ماذا عن دور هايدن في كل هذا؟
وعقب بالقول: "بعدما أخطرت صحيفة نيوريورك تايمز إدارة الرئيس بوش (الابن) إنها في سبيلها لنشر تقرير عن إتلاف الأشرطة، كتب هايدن إلى موظفي /سي آي آي/ أنه جرى إخطار زعماء الكونجرس عن وجود الأشرطة، وعن تدميرها المزمع. خطأ، لم يتم إخطاري بوجود الأشرطة أو إتلافها عندما كنت رئيس (لجنة الاستخبارات بمجلس النواب) في عام 2004)."
وقال هايدن أيضا إنه جرى إتلاف الأشرطة "فقط بعدما تقرر إنها لم تعد ذات قيمة من الناحية الاستخباراتية، ولا علاقة لها بأي استفسارات داخلية، أو تشريعية، أو قضائية".
وأكد هويكسترا مجددا أن جميع الأدلة أشارت إلى النقيض، "وكان هايدن على خطأ عندما كرر هذه التأكيدات التي كانت كذبا واضحا".
وقال: "تبدو جهود هايدن جزءا من سلسلة طويلة من الجهود للتغطية على الأفعال التي قام بها الموظفون الذين لا يخضعون للمساءلة،والذين ليس من قبيل الدهشة أنهم لم يخضعوا أبدا للمساءلة القانونية."
وفي ختام التحليل، أسدى هويكسترا نصيحة صريحة للرئيس بايدن، وهايدن، وكلابر، والعديد من المعلقين الإعلاميين بأن "ينظروا في سجلاتهم الخاصة- وأن يتوخوا الحذر في الأمور التي يدافعون عنها".