بمناسبة إصدار مؤلفه «الصعود إلى الناصرة»… الكاتب الفلسطيني خالد عيسى: «الناصرة» عاصمة الصامدين في وطنهم

2022-10-03

وديع عواودة

زار خالد عيسى بلدته (السجرة) بفضل جوازه السويدي، بعد فراق طويل فرضته نكبة 1948، وما لبث أن غادرها بسرعة فهي مدمّرة ولا حياة فيها بحثا عن الحياة فالأماكن تعيش بأهلها كما يقول. وفعلا وجدها هناك في اللد وعرابة البطوف وكفركنا ومجد الكروم والناصرة، حيث احتضنه أهله وجمع من حوله في الواقع أصدقاء الفيسبوك الافتراضيين ممن قدموا من مختلف أرجاء البلاد للمشاركة في احتفالية إصدار مؤلفه الجديد «الصعود إلى الناصرة» الصادر عن دار نشر «كل شيء» في حيفا، التي جاء في بيانها أن النصوص تشكل مقاطع سيرة ذاتيّة، تغطي مراحل في حياة الكاتب، وتتمحور حول زيارته للوطن وجولته في ربوع البلاد، حيث نتعرّف على (حكايته)، حكاية كلّ لاجئ ومهجّر ومغترب… نرى فلسطين بعيني عائد، كان لسبعة وستين عاما، لاجئا (فلسطينيا/سوريا)، واستقبلته بلاده (فلسطينيا/فلسطينيا).

لماذا الصعود إلى الناصرة؟

لماذا صعود إلى الناصرة؟ تساءل خالد عيسى وقال «لأن هذه المدينة عاصمة المتبقين في وطنهم، ولم تحتل بالمعنى العملي فبقيت مدينة عربية خالصة واحتضنت الكثير من اللاجئين وهناك سبب شخصي: أول زيارة لي للوطن تمت عام 2016 إلى الناصرة ورغبت أن اختتمها في الناصرة. نبدأ النهاية من البداية. عدت مع عائلتي وربعي وطفنا في البلاد». واستعاد بعض محطات مسيرته قبل الاستقرار في الشتات البارد: «بعد سنوات طويلة من العمل في الصحافة الفلسطينية في بيروت وقبرص، انتقلت بعد توقيع أوسلو عام 1993 إلى السويد. هناك احترت ماذا أفعل وكيف أملأ ساعاتي. بناتي تآمرن عليّ وفتحن لي حسابا في الفيسبوك قبل سنوات، وصرت التقي فيكم أنتم هنا في الوطن في فلسطين الأم عبر الشاشة، وعن قرب من خلال التواصل الافتراضي مع الكثيرين منكم هنا».

البوح بالحبّ للناصرة

ويولي الكاتب حبا استثنائيا لفلسطينيي الداخل، قائلاً: «كنتم (عرب إسرائيل) بنظر العالم العربي، ويحظر اللقاء بكم واليوم صاروا كل العرب (عرب إسرائيل) بينما أنتم بقيتم في الوطن ولستم عرب إسرائيل في الروح والموقف والحقيقة، رغم مواطنتكم فيها. قلت لنفسي طيلة سنوات كنا نكتب عن الاستقلال والدولة والتحرير، وقد اخترت في السويد أن انتمي لفلسطين التي تعني 48 فأنتم الجزء الأنقى والأصلي».

وعن دور الفيسبوك في اختزال المسافات والالتفاف على حدود الاحتلال، قال عيسى: «أنا عدت افتراضيا، وكل صباح في غربتي في السويد صرت أتحدى بأن أعود يوميا إلى فلسطين فأكتب صباحات وكأنني هنا، بينما صباح السويد عبوس ومكفهر وأول صباح أبيض شاهدته في حياتي بعد غربتي في ستوكهولم منذ 30 سنة كان هنا في الناصرة وأحفادي معي سمعوا للمرة الأولى في حياتهم صياح ديك. عدت إلى فلسطين قبل زيارتها وكتبت عن الناصرة قبل أن أجيء إليها وقد ساعدني بذلك بعض أصدقائي هنا».

الصعود إلى الناصرة

وعن جدلية المكان والإنسان قال: «لما رحت على قريتي السجرة وجدتها ركاما فالأماكن بلا أهلها خاوية وميتّة. والصعود للناصرة هو تتويج لمرحلتين: تحديث المكان والشتات، وعدت افتراضيا ثم جئت في نهايات عمري إلى فلسطين وفي الطريق كنت أشتم بلفور الذي حرمنا من بلدنا، واضطرني أن أتنقل بين المطارات وأنا في خريف العمر ترهقني ركبتاي. نحن وأنتم نصفان فمعظم اللاجئين في الشتات مهجرون من أراضي 48، وأنا نجحت بزيارة فلسطين لكن هناك ملايين من الفلسطينيين اللاجئين ممن حرموا من مثل هذه الزيارة. الصعود إلى الناصرة هو تحدي التقسم والتجزئة، فمهما حاولوا تقسيم الفلسطينيين أرضا وشعبا فهنا فلسطين الأم، ومن هنا ابتدأت المشكلة ومن هنا تحل. أحب فلسطين لكن للناصرة زاوية دافئة في قلبي فقد احتضنتني في أول ليلة خلال زيارتي الأولى لفلسطين».

يبكينا ويضحكنا

وعن الكتاب يقول الأديب الفلسطيني المغترب ربعي المدهون: «اختار صديقي خالد عيسى أن يكون صحيفة فلسطينية يربط فيها بين فلسطين الداخل وفلسطين الخارج، ومن هنا بدأ يلتقط نبض الشارع الفلسطيني في الداخل وهذا النبض الذي أخذ يدق في قلبه ووجدانه وعقله عندما زار البلاد، وأخذ يلتقط هموم الناس في الوطن ويضفي عليها الكثير من الحنين. ورغم موقفي من النوستالجيا وميلي أكثر للواقعية ومصادمة الأمور، إلا أن خالد أيضا تمايز بقدرته على هذه المواجهة بين لحظة وأخرى ويكون أحيانا قاسيا في نقده لاذعا شديد التهكم والسخرية، لكنه أيضا يسعدنا ويضحكنا كثيرا». وأوضح المدهون الحائز جائزة البوكر الدولية في الأدب، أن هذا الكم الجميل مما يكتبه خالد عيسى ينبغي نقله من الافتراضي إلى الواقعي، من الفيسبوك إلى الورق، لأنه يستحق أن يُجمع في كتاب. وتابع ..»هذه فكرة الناشر صالح عباسي في لقاء بينه وبين الكاتب وبدأت بملاحقة صديقي خالد عيسى الكسول إلى أن جمعت هذه النصوص وكنت سعيدا أن أحررها وتقديم الكتاب».

قداسة الزيتون وعبق المريمية

وفي تقديمه للكتاب، يقول ربعي المدهون: يطلق خالد عيسى في هذا الكتاب، (برنامجه النضالي) السلمي، بصوت هادئ يلامس حافة الهمس، ويجنّد له قاموسا من مفردات تمتلك قوّة الحقيقة. مفردات قادرة على مواجهة عدو دموي بحنين جارف للوطن. عدو مجرّد من أيّ رابط حقيقيّ بالأرض… يُنطق عيسى في نصوصه، البيوت، والشوارع، والحدائق، والجبال، والبحار، والطرق، والنباتات، وحتى المأكولات، ويمنحها أحاسيس بشريّة. فقرص الفلافل المقدسي، ينفخ صدره اعتزازا (بانتمائه)، بينما يتحوّل في وادي النسناس، في حيفا، إلى (ذهب) محليّ».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي