محلل بريطاني: تسرب الغاز في خطي نورد ستريم فصل جديد في حرب الطاقة بين روسيا وأوروبا

د ب أ- الأمة برس
2022-09-28

يجب على الدول الأوروبية الأخرى أن تحذو حذو الدنمارك وتعلن حالة الاستنفار  في بنيتها التحتية في قطاع الطاقة (ا ف ب)

نيويورك: أثار حدوث أكثر من تسرب للغاز في خطي أنابيب نقل الغاز الطبيعي بين روسيا أوروبا نورد ستريم 1 ونورد ستريم2  خلال الساعات الأربع  والعشرين الماضية موجة قوية من التكهنات والتفسيرات، إلى الدرجة التي دفعت البعض للقول إن هذا التسرب ناتج عن عمل تخريبي من جانب حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء استخدم المحلل الاقتصادي خافيير بلاس مقولة الكاتب البريطاني إيان فليمنج مبتكر شخصية جيمس بوند "عندما يقع أمر مرة واحدة يكون مصادفة، وفي الثانية يمكن أن يكون مصادفة أما الثالثة هو عمل عدائي مقصود"، ليبدأ مناقشة حوادث تسرب الغاز من خطي نورد ستريم1 ونورد ستريم2.

ويضيف بلاس المتخصص في أسواق الطاقة أن المرء لا يحتاج أن يكون قارئا نهما لأدب الحرب الباردة حتى يلاحظ أصداء مغامرات العميل 007 ، الاسم الكودي لجيمس بوند فيما يحدث  فعلا، حول خطي نورد ستريم خلال الأسبوع الحالي. ففي يوم واحد تعرض الخطين لثلاث حوادث تسريب كبيرة في ثلاثة أماكن منفصلة. لذلك تقفز كلمة التخريب إلى الذهن سريعا.

ومثل الشبح الخيالي في أعمال فليمنج، كان الجواسيس الغربيون يعملون في الاتحاد السوفيتي السابق وفق مجموعة من المبادئ المعروفة باسم "قواعد موسكو" حتى يتمكنوا من البقاء في ظل الرقابة الصارمة من جانب الحكومة السوفيتية وجهاز المخابرات في ذلك الوقت كيه.جي.بي. ومن هذه القواعد الأساسية قاعدة تقول "إذا شعرت بأن هناك خطأ فهو خطأ".

يعني ذلك أن وقوع 3 حوادث تسريب في خطي الغاز اللذين لا يعملان حاليا، خلال 24 ساعة يمكن أن يكون رسالة تحذير من جانب روسيا باستعدادها لفتح جبهة جديدة للمواجهة مع الغرب متمثلة في تخريب البنية التحتية لشبكة إمدادات الغاز الطبيعي في أوروبا الغربية، بعد أن قلصت ضخ الغاز إليها بنسبة كبيرة في البداية.

وأشار بلاس إلى أنه يمكن التراجع عن الخطوة الأولى في استخدام إمدادات الطاقة كسلاح في الصراع الدائر حاليا بين روسيا والغرب بسهولة من خلال قرار سياسي لإعادة ضخ الغاز. أما الخطوة التالية ورغم أنها أطول مدى ربما تكون دائمة. فلو كان أحد في ألمانيا يتوقع استئناف الحصول على الغاز الروسي عبر خطي نورد ستريم خلال العام المقبل، فهذا الأمل تبدد الآن فيما يبدو. فالتدمير الذي لحق بالفروع الثلاثة لخطي نورد ستريم  في يوم واحد لم يسبق له مثيل، بحسب ما ذكرته الشركة المشغلة  لخط نورد ستريم2 أمس الثلاثاء. وقالت الشركة "من المستحيل الان تقدير  الفترة الزمنية اللازمة لاستعادة تشغيل الخط".

فهل يمكن أن يكون ما وقع حادثا؟ ربما. فحدوث انهيار طيني تحت الماء يمكن أن يفسر ما حدث. لكن المؤسسات الجيوفيزيائية لم ترصد أي نشاط زلزالي بالقرب من أماكن التسريب مؤخرا، وهو ما يشير إلى أن ما حدث كان عملا بشريا. وفي الماضي تسببت شباك الصيد في إلحاق الضرر بكابلات الاتصالات البحرية مما أدى إلى اضطراب خدمات الإنترنت والاتصالات الهاتفية. لكن عمق خطوط أنابيب نورد ستريم وحجمها مقارنة بكابلات الاتصالات يجعل هذا الاحتمال بعيدا.  ورغم أنه يمكن ان تصطدم إحدى الغواصات بخط انابيب وتسبب كسرا فيه، من غير المعقول أن يتكرر الأمر ثلاث مرات خلال يوم واحد.

ولا يمكن أن يحدث هذا إلا إذا كان متعمدا. وهنا تصبح الحماقة تفسيرا مقبولا لما يحدث.

وهنا يثور السؤال من المستفيد مما حدث؟ هناك كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي يقولون إن الرئيس الأمريكي جو بايدن وعد "بالقضاء" على خط نورد ستريم2 الذي تعارضه الولايات المتحدة منذ البداية وتفرض عليه عقوبات عديدة. ففي وقت سابق من العام الحالي قال بايدن في لقطة فيديو تم تداولها  اليوم على نطاق واسع "أعد بأننا سنكون قادرين على هذا". فنظرية المؤامرة  ترى دائما يد وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في كل شيء. لكن هذا هراء بحسب خافيير بلاس، مشيرا إلى أن المستفيد الأوضح من توقف خطي نورد ستريم هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وقد حدث التسرب في المياه الدنماركية وأعلنت وكالة الطاقة في الدنمارك بسرعة ان حوادث من هذا النوع لا تحدث ببساطة، "فالكسر في أنابيب الغاز أمر نادر" بحسب كريستوفر بوتزاوف رئيس وكالة الطاقة الدنماركية في بيان أمس الثلاثاء.

وأضاف "نريد التأكد من خلال مراقبة البنية التحتية لضمان استقرار إمدادات الطاقة خلال الفترة المقبلة".

ويجب على الدول الأوروبية الأخرى أن تحذو حذو الدنمارك وتعلن حالة الاستنفار  في بنيتها التحتية في قطاع الطاقة.

ويتحدث المسؤولون في صناعة الطاقة الأوروبية خلف الأبواب عن مخاوفهم من ألا تقتصر مخاطر القطاع خلال الشتاء المقبل على نقص الإمدادات وإنما قد تشمل التعرض لهجمات إلكترونية  وعمليات تخريب تستهدف شبكات توزيع الطاقة. وعلى مدى شهور يبحث مسؤولو الحكومات والشركات هذه المخاطر في جلسات مغلقة. والآن يبدو أن الكابوس قد أصبح حقيقة.

ونظرا للتشابك الشديد والعابر للحدود لشبكات خطوط النفط والغاز الطبيعي في أوروبا وأيضا خطوط الكهرباء، فإن أي عمل تخريبي سواء عبر هجمات إلكترونية أو هجمات حقيقية في أي جزء من هذه الشبكات سيؤثر بشدة على إمدادات الطاقة الأوروبية ككل. والتاريخ يقول إن خطر حدوث اضطراب نتيجة هجمات إلكترونية هو خطر حقيقي، وتشير الحوادث السابقة  إلى أن شبكات الطاقة أكثر عرضة للخطر مما تعتقده الحكومات.

ففي أيار/مايو من العام الماضي أدى هجوم إلكتروني إلى توقف خط أنابيب كولونيال الذي ينقل إمدادات البنزين والديزل (السولار) إلى مناطق عديدة في الولايات المتحدة مما أدى إلى اضطراب شديد في الإمدادات للساحل الشرقي الأمريكي. وفي ذلك الوقت قال البيت الأبيض  إن مجموعة قراصنة تعمل من روسيا كانت وراء الهجوم بهدف الحصول على فدية مالية. وفي وقت سابق من العام الحالي أدت هجمات إلكترونية إلى اضطراب العمل في موانئ شحن النفط الأوروبية في أمسترادم وروتردام وأنتويرب، مما سبب فوضى كبيرة في سوق المنتجات النفطية الأوروبية.

والآن يبدو أن أوروبا على موعد مع فصل جديد من حرب الطاقة  والذي يمثل إشارة جديدة إلى تزايد يأس بوتين في ضوء التطورات العسكرية السلبية لقواته في أوكرانيا. وهذا السلاح غير العسكري يبدو فعالا للغاية حيث ارتفعت اسعار الغاز الأوروبية بمجرد الإعلان عن التسرب الغازي، في حين عدلت الأسواق أسعار العقود الاجلة لصيف 2023 وشتاء 2023-2024.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي