مذكرات رؤوف غبور: القوة ليست في امتلاك السلطة والأموال

2022-09-23

عاطف محمد عبد المجيد

طوال سنوات عمري التي قضيت معظمها أعمل وأؤسس شركات وأتاجر وأبني مصانع، لم أفكر في أن أكتب مذكراتي، الآن وأنا أخط هذه الأوراق في شتاء وربيع 2022 أكون قد اقتربت من إتمام العقد السابع من عمري. لكن ماذا تغير في نفسي لتتبدل معه قناعاتي إلى هذه الدرجة؟ يأتي هذا التساؤل على لسان رجل الأعمال رؤوف غبور في كتابه الصادر حديثا عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة «مذكرات رؤوف غبور.. خبرات ووصايا» وفيه يعلن عن مهارته في التجارة منذ صغره وخبرته الكبيرة في الصناعة، في الوقت الذي يجد فيه أن الإمساك بالقلم والكتابة أمر شاق جدّا.

هنا يقول غبور إن خبرته في المجالات الاقتصادية والمالية تطورت كثيرا في العقد الأخير، أما دخوله لميدان الكتابة وكتابة مذكراته هذه فإنها مهمة صعبة للغاية، معتمدا على أسلوب السرد والتعمق في الحكايات المرتبطة بنجاحاته وإخفاقاته، غير أنه لن يتعمق في أسرار حساسة وجريئة لبعض الموجودين في دائرته المقربة، أو من تعامل معهم، لكنه لن يمر مرورا سريعا على أحداث وشخصيات صنعت أزماته، وأصدقاء ومعارف وقفوا إلى جانبه في أوقات المحنة.

ما يسعى لتأكيده هنا رؤوف غبور أن المذكرات الشخصية الخاصة بمسيرة الرموز الاقتصادية والمالية محدودة جدّا، وربما تكون رائجة في الغرب، لكن ليس لدينا هنا في الشرق، ذاكرا استمتاعه بقراءة ومتابعة مذكرات شخصيات دولية شهيرة. غبور كتب هذه المذكرات بعد إلحاح شديد من أصدقائه، وجراء ظروف صحية خاصة وقاسية، محاولا أن يخبرنا فيها ماذا حدث معه عندما اقترب من الإفلاس، وكيف نجح في إعادة بناء شركاته وانطلق مرة أخرى، وما هي الأسباب التي أدت إلى دخوله السجن، وعن نمط حياته وعلاقاته بأصدقائه في الزنزانة، وماذا استفاد من الفترة التي قضاها في الحبس. هنا نعرف كيف كان رؤوف غبور ينتقل من محطة لمحطة في مشوار حياته، وكيف حوّل شركاته من شبه مفلسة، تعاني من ويلات المديونيات المليارية، إلى واحدة من أكبر القلاع الصناعية والمالية في مصر.

قصص ناجحة

هنا يقول غبور إن رئيس مجلس إدارة بنك باركليز بعد أن جلس معه ذات مرة طلب منه أن يكتب مذكراته، ليس من أجله فقط، ولا من أجل عائلته، بل من أجل الشباب المصري الذين يحتاجون أن يقرأوا بالتفصيل قصص شخصيات ناجحة، وحكايات ملهمة لشخص قد يكون مثلهم بدأ بداية بسيطة، ولم تكن ظروفه مثالية، وتعرض لمشكلات كثيرة، لكنه استطاع أن ينجح ويتألق بالعمل الشاق والمثابرة والجهد والعرَق، ناصحا رجال الأعمال ألا يشتغلوا بالسياسة، فلن يربحوا منها أي شيء، مشيرا إلى أنه يراهن دائما على استقرار الوطن، ويساعد على ذلك من موقعه ومصانعه وشركاته قدر ما يستطيع، مثلما يكتب قائلا، إن هناك تحولات روحية تحدث لنا جميعا في ظروف معينة، تفرض نفسها علينا، وقد حدث ذلك معه حين غيرته ظروفه الصحية، رغم أنه، يقول، لم يكن غليظا أو جافّا أبدا، وطوال عمره يبادر بعمل الخير، ويساعد الناس بوسائل عديدة سرّا وعلانية، ويعامل كل من يتعامل معه من موظفين وعملاء بالحسنى، وقد تعلم هذا في بيته، ورسخته التجارة في طباعه وسلوكه، معترفا أن محنة المرض قد أفادته كثيرا، وأنه كان لا يؤمن بالتفسير التقليدي لدعوة السيد المسيح «من ضربك على خدك فأعرض له الآخر، ومن أخذ رداءك فلا تمنعه من ثوبك» ساخرا من ذلك قائلا، إن من ظلمه أو ضربه ينبغي أن يرد له فعلته مضاعفة، ورغم أنه كان ضد مبدأ السيد المسيح طول الخط، لكنه اكتشف قريبا أن ما قاله السيد المسيح هو أهم المبادئ الإنسانية، وأن الشخصيات التي عملتْ بها قد حققت نجاحا وخلودا دائما، كغاندي ومانديلا، بعد أن أوصلهم التسامح إلى النجاح، وصاروا قدوة إلى الأبد، مؤكدا أن القوة ليست في الفتونة والبلطجة وامتلاك السلطة والأموال.

بأثر رجعي

الآن بات غبور يعمل بهذا المبدأ، يراجع نفسه وقراراته وسلوكه بأثر رجعي، حتى لو كان قد ظلم أحدا، يسعى لمصالحته وطلب السماح منه، كما صار أكثر تسامحا، مرددا أنه كان قويّا وجبارا وشرها من أجل النجاح والنقود، شاكرا الله أن وهبه المرض كي يتقرب به إليه وإلى الناس، معتقدا أن كتابة مذكراته في هذه المرحلة، وفي حالته هذه سيزيدها أهمية، ويعطيها أبعادا جديدة، لم يكن يصل إليها من قبل. من مذكرت رؤوف غبور نعرف أن عائلة غبور كانت من الطبقة المتوسطة، برع أفرادها في التجارة وتفوقوا فيها لسنوات طويلة، وأنه كان شقيّا ومندفعا وهو صغير، وأن هناك عائلتين في مصر تحمل كل منهما اسم غبور، إحداهما مسيحية والأخرى مسلمة، وأنه لديه خصلة لازمته طوال حياته وهي أن يركز كل طاقته في عمله وطريقة أدائه، وأنه كان يقرأ بنهم في سنوات دراسته الأولى، سواء في البيت أو في المدرسة، وكانت القراءة بالفرنسية تحديدا هي هوايته المفضلة، وقد أفادته القراءة، كما يقول، في كل مجالات الحياة، وقد قرأ وهو طفل سارتر وموليير وفيكتور هوغو وغيرهم.

بطبيعته يتعامل رؤوف غبور مع الجميع وبلا تكلّف، ويلاحظ أن بعض الأجيال الجديدة تتعامل مع الطبقات الأقل شأنا منها بتعالٍ شديد ولا مبالاة أو كأنهم أجانب عنهم، ذاكرا أنه طوال حياته وهو مهتم بتكوين ثروة، ربما تكون جينات ورثها عن عائلته مع جينات أخرى أورثته رغما عنه أوجاعا وأمراضا، معلنا أنه تاجر في أشياء عديدة خلال طفولته، ولم تعطله الدراسة عن عمليات التجارة الصغيرة التي بدأت ببيعه للبسبوسة. هنا وفي مذكراته التي ينقل لنا فيها خبراته في العمل الخاص ووصاياه لرجال الأعمال، يحكي رؤوف غبور عن أحداث سياسية عايشها منها حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وحادث المنصة وانهيار الجنيه المصري، كما يحكي عن دخوله السجن وبقائه فيه ما يزيد عن ستة شهور، واصفا تلك التجربة بأنها كانت تجربة مثيرة ومفيدة، خرج منها إنسانا آخر يحس بالآخرين ويراعي ظروفهم ومشاعرهم، كما يحكي أنه من خلال أزماته المالية عرف أننا أحيانا ندعي أننا نرى الصورة الكاملة بلا أي معوقات، وأحيانا نواجه ظروفا قاسية جدّا، ويتضح أنها اختبار، بل هي مفيدة في محصلتها النهائية، وأيضا يكتب قائلا، إن مصر تمتلك مقومات وثروات ضخمة، إذا أُحسن استغلالها وإدارتها يمكنها الوصول إلى مصاف الدول الكبرى خلال فترة وجيزة، حيث لدى مصر طاقات بشرية هائلة.

كاتب مصري









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي