محمد عدنان الزبر.. العدالة الجنائية في القضاء الوطني

2022-09-22

في كتابه "تحقيق العدالة الجنائية الدولية: دراسة في نطاق القضاء الوطني" الذي صدر حديثًا عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، يشير الأكاديمي والباحث العراقي محمد عدنان علي الزبر إلى أن "العدالة الجنائية الدولية ليست مطلقة كعادتها"، إذ عجزت عن تلبية الطموح الإنساني وإنصاف المستضعفين في الأرض وجبر ضرر الضحايا ومعاقبة المتهمين بارتكاب جرائم دولية في كثير من الأحيان، وعلى الرغم من ذلك، فإن القضاءين الوطني والدولي ما زالا يساهمان في تحقيق العدالة المذكورة كلما سنحت الفرصة وفرضت الإرادة الإنسانية كلمتها.

ويرى المؤلّف أن معظم الأدبيات القانونية انشغلت في البحث والدراسة والحديث عن دور القضاء الدولي وحده في تحقيق العدالة الجنائية الدولية، حتى ساد مفهوم التلازم بين القانون الجنائي الدولي والقضاء الدولي، وانعكس بشكل كبير على مفهوم العدالة، كما غفلت هذه الأدبيات أو تغافلت عن دراسة دور القضاء الوطني في هذا الشأن، ولهذا، فإنه يحاول في كتابه إعادة صوغ مفهوم العدالة بتعريفها وذكر خصائصها، ودراسة نطاقيها الشخصي والموضوعي، وتأكيد الدور الذي يمارسه القضاء الوطني في تحقيقها تطبيقًا وتعزيزًا.

ويوضّح المؤلّف أنه ليس في الإمكان تطبيق العدالة الجنائية الدولية ما لم تتوافر مقوماتها، ويقوم على تنظيمها وتطبيقها قانونيًّا قضاءٌ مختص، إلّا أن ضرورة توافر هذه المقومات والتلازم الحتمي بين القانون والقضاء والعدالة والتأثير المتبادل بينهم، لا يعني الاندماج إلى درجة الانصهار وفقدان أحد المقومات وجوده بصفته كيانًا مستقلًّا في حال غياب الآخر.

كما يلفت إلى أن غياب القضاء لا يعني عدم وجود القاعدة القانونية المنظِّمة للعدالة وإلزاميتها، بل إن غياب القانون والقضاء معًا لا يعني غياب فكرة العدالة السائدة في ضمائر الناس، وإنْ تجاهَلَ المُشرِّع "الدولي" اعتمادها فترة من الزمن في قواعد قانونية ملزمة، وخصّها بالقضاء المعنيّ بتطبيقها، على الرغم من أن ردّات فعل أفراد المجتمع واستياءهم نتيجة عدم مواكبة المُشرِّع الفكرةَ القانونية الجديدة السائدة في المجتمع والمتعلّقة بمفهوم العدالة، ستُلزم المُشرِّع مواكبتها عاجلًا أم آجلًا، وإلّا كان مصيره العُزلة عمَّن يحكمهم، ومن ثم فقدان الشرعية أو زعزعتها على أقل تقدير. لكن المُشرّع يُبادر في بعض الأحيان إلى صوغ فكرة العدالة وتنظيم أحكامها من دون أن تكون لها سابقة، أو يَسعى إلى تطويرها تبعًا للظروف التي دفعته إلى ذلك، فيفرضها بقواعد قانونية ملزمة، اتفاقيةً كانت أو عُرفية.

ويخلص المؤلّف إلى أنه يترتب على ما تَقدم أمران؛ الأول يتعلّق بنشأة العدالة الجنائية الدولية ووجودها، والآخر يتعلّق بمفهومها. فعلى مستوى النشأة والوجود، فإن فكرة العدالة الجنائية الدولية سابقة لوجود القانون المعنيّ بها في حالة تراخي المُشرِّع الدولي في تنظيمها. وتؤكد الأدبيات القانونية أن فكرة العدالة الجنائية الدولية لم تكن وليدة اليوم أو الأمس القريب، وإنما أسهمت الحضارات الإنسانية على اختلاف أزمنتها في تزويد روافد العدالة الجنائية الدولية بالشعور الإنساني والأفكار المتطلعة لتحقيقها، حتى تعالت الأصوات المطالِبة بتقنين مبادئها وأحكامها ومحاكمة المعتدين عليها.

وينبّه الزبر إلى أن الدور الذي يضطلع به القضاء الوطني لا يقتصر على تطبيق العدالة الجنائية الدولية، وإنما يساهم في تعزيزها من خلال إضفاء بيئة دولية يسودها الحدّ من الإفلات من العقاب، أو ضياع الأدلّة، ويتحقق ذلك من خلال ضبط المتَّهمين بارتكاب الجرائم الدولية إلى حين بتِّ أمرهم بمحاكمتهم أو إحالتهم إلى القضاء الدولي، أو تسليمهم إلى قضاء دولة أخرى، وتبادل المساعدات القانونية، وتعزيز عمل المحاكم الدولية التي منحها القانون الدولي أسبقية النظر في الجرائم الدولية.

ويبيّن أن الفرضية التي تقوم عليها هذه الدراسة، في معرض إظهار أهمية القضاء الوطني في تطبيق العدالة الجنائية الدولية وتعزيزها، لا تعني إغفال الدور الذي تساهم به السلطة التشريعية في كلّ دولة، ولا الدور الذي تساهم به قنوات السلطة التنفيذية ذات العلاقة، ولا سيما الدبلوماسية والعدلية، فضلًا عن الأمنية، التي بمجموعها تساهم في تحقيق الهدف المرجو من العدالة الجنائية الدولية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي