الدين والينسون: السخرية هي أفضل وسيلة لتعرية الحقائق

2022-09-09

عاطف محمد عبد المجيد

ليست سخريتي من أولئك البسطاء المتفتحة قلوبهم، فكثيرا ما يدركون الحق بحَدْسٍ عجيب، عندما ينجلي من على قلوبهم ما ران عليها من الغرور والاستعلاء والتعالم. سخريتي هنا يا صديقي من عقول صدّقت ما لا يُصدق، وقدّست ما لا يُقدس، بوعي خبيث أو بغفلة عمدية. هذا ما يقوله محمد شمروخ في أول مقالات كتابه «الدين والينسون.. من الأوراق السرية لمسلم» الصادر عن دار الدار للنشر والتوزيع منذ سنوات.

الكتاب يضم بين غلافيْه أربعة وأربعين مقالًا إلى جانب خاتمة الكتاب، الذي جاء دون مقدمة. شمروخ يكتب عن دين الحداثة ودين أهلها، عن نصر حامد أبوزيد، عن تجليات جبريل وظهور العذراء، عن بدعة اللباس السلفي، عن عيد ميلاد النبي ومولد المسيح، عن الدين والسياسة، عن قواعد فقهية للبذاءة، عن انتحار جماعي للملحدين في مصر، عن كيف يكون المسلم قبيحا، وعن أشياء أخرى. شمروخ يقول إنه في رحلة حياتنا ما يفوق الحصر ممن خدعونا، أو خدعنا به أنفسنا، ظانين أنه من الدين، لكن بالرجوع إلى المنابع الصافية سنفاجأ بأنه ليس له أثر، ولن يتطلب ذلك منا سوى تنشيط التفكير وتطهير القلب، فلم يعهد الله لأحد أن يغير ما بأنفسنا سوانا، ومهما حاولوا أن ينسبوا إلى الإسلام ما ليس فيه، ومهما أرادوا أن يشوهوا صورته من الداخل والخارج، فستسقط كل المحاولات إذا ما فكرنا في ما يُقدم إلينا، لنكتشف أن كثيرا مما يُنسب إليه ليس فيه.

السخرية أفضل وسيلة

شمروخ ينصح قارئ مقالاته هذه قائلًا له: لا يعمينَّك تعصب لتقبل كل ما يُنسب لدينك، لأن هناك من ادّعى لك بأنه منه، لو سلّمتَ لهم، فستجد نفسك أمام صورة مشوهة، سترفضها، أو ستضطر لتشويه عقلك وقلبك وحياتك كلها، كي تقبلها دون إدراك لزيفها.

بداية يعتذر شمروخ عن طابع السخرية الذي يُغلّف به مقالات كتابه هذا، مؤكدا أن السخرية هي أفضل وسيلة لتعرية الحقائق في كثير من الأمور الجادة، وبعد أن يسخر ممن يداومون على شرب الينسون، وليس سواه، معتبرين إياه مشروبا مقدسا، وأن المتدين لا يكتمل تدينه إلا بالمواظبة على شربه، يقول، ساخرا طبعا، إن الشاي والقهوة والنسكافيه والكباتشينو من المشروبات المحدثة والبدعية والضارة، ولم يَرِد عن السلف الصالح أنهم شربوها، فلعلها تكون بدعة وكل بدعة ضلالة. كذلك يتعجب، بل يسخر شمروخ ممن ينتقلون ما بين الحرام والحلال، تحكمهم شهواتهم الملتبسة بلباس الدين، ونراهم أشد الناس حرصا على أن يظهروا أمام من يحيطون بهم، لا كأتقياء فقط، بل هم المالكون لمفاتيح أبواب التقوى والواقفون على بوابات الجنة، يُدْخِلون الجنة من يشاؤون، ويُرسلون إلى الجحيم من يرون أنه يستحق العذاب. شمروخ يقول في مقاله «أول كذبة عن التفاحة الخالدة» إنه لا يجد أي معنى حقيقي للاحتفال بعيد الأم، سواء في مصر أو في غيرها، ما دمنا ظلمنا، ونُصِرّ على ظلم، حواء الأم الأولى للإنسانية ونُلصق بها تهمة إخراج آدم من الجنة وإنزاله إلى الأرض وشقائه. الكاتب يذكر أيضا أن هناك من يرى عين الإيمان في إخفاء الأنثى وراء جدار، أو خلف نقاب، أو حتى وأدها في التراب، وما هذا إلا تطور للكذبة الأولى التي التصقت بالدين التصاقًا جعل من وضع المرأة في أسفل قبو في نفس الرجل أو الحياة. لقد بات البعض يعتقد أن الابتعاد عن المرأة اقتراب من الله، وإهانتها إكرام للرجل.

الأفغاني والإمام

كذلك يرى شمروخ أن الأحداث التي وقعت بعد ما أُطلق عليه الربيع العربي، التي شهدتها الساحات في البلدان العربية والإسلامية، أثبتت أن التعامل مع الإسلام كمشروع سياسي قد أضر بالإسلام وأوقع الفتن وأسال من الدماء وأشعل من الحرائق، بما لا يمكن أن يكون هدفًا للمشروع الإسلامي السياسي، منذ بداية حركة التجديد الديني في القرن التاسع عشر على يد جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده. شمروخ يؤكد أيضا أن محمد عبده كان يعتقد في الإصلاح الثقافي والتعليمي من أساس القاعدة العريضة في المجتمعات الإسلامية، وكان يسعى لذلك سعيا حثيثا، بينما كانت رؤية الأفغاني تتجه إلى الإصلاح الفوقي، عن طريق الاتصال المباشر بالحكام. أما في مقاله «أنا لم أقتل الحسين» فيميل شمروخ نحو وجهة نظر مغايرة لمن يرون أن كل إنسان هو حر في ممارسة طقوس دينه وشعائره كما يريد، وليس من حق أحد أن يمنعه من هذا الحق، حين يقول إنه يُحيي القرار الجريء بإغلاق المشهد الحسيني في القاهرة، ومنع الاحتفالات الشيعية في ساحته في مناسبة حلول عاشوراء من كل عام، حتى، والقول له، لا يتحول المسجد الذي انتسب إلى السبط العظيم إلى ساحة لممارسة طقوس التعذيب الدموي بالسلاسل والجنازير والأسلحة البيضاء، حزنا على الحسين الذي يريد غلاة الشيعة تحميل كل مسلم على وجه الأرض نصيبا من ذنب قتله.

شمروخ يرى متعجبا أن أكثر النائحين على قرار غلق مسجد سيد الشهداء أمام هذه الممارسات الدخيلة على الإسلام وعلى مصر، هم فئة من الناس لا يكادون يتركون مواخير وسط القاهرة، ولا يهتمون بأداء أي شكل من أشكال الشعائر الإسلامية، ويفطرون في رمضان جهارا نهارا، ومنهم من سبق وأعلن عداءه للإسلام، أو أعلن إلحاده. لقد احتج هؤلاء على هذا القرار، كما يقول شمروخ، كنوع من الابتزاز والتصيّد ومداعبة مشاعر الجماهير لإثارتها على هذا القرار الصائب والجريء. هنا يعلن الكاتب رفضه لفكر جماعة الإخوان الذي يرجع في الأساس إلى أسباب متعلقة باعتناقه للإسلام وإيمانه به كدين عظيم، وفي ختام كتابه يتساءل عن الأسباب التي أدت بنا إلى أن نكره الآخرين، بل وصل بنا الحال إلى أن نكره أنفسنا.

كاتب مصري









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي