
موسكو: يتوجه الناخبون في روسيا إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد المقبل (11 أيلول/سبتمبر) للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الإقليمية، وهي أول انتخابات تشهدها البلاد في سياق الحرب التي تشنها على الجارة أوكرانيا. ويتوقع أنصار هذا الغزو انتصارا كاسحا للموالين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بينما يرى مراقبون مستقلون وبقايا المعارضة الهزيلة أن هذه الانتخابات تخلو من النزاهة بدرجة غير مسبوقة.
تقول منظمة "جولوس" الروسية المرموقة المعنية بحماية حقوق الناخبين: "من المستحيل الحديث عن تعبير حر عن الإرادة السياسية". ورغم المضايقات والضغط من السلطات تعتزم المنظمة مراقبة سير عملية الانتخابات التي تُجرى في 82 منطقة في روسيا وتشمل آلاف المرشحين. ويحق لحوالي 45 مليون شخص التصويت في الانتخابات التي تُجرى أيضا في منطقة كورسك الحدودية، والتي كثيرا ما تشكو من القصف من أوكرانيا.
ومن المقرر إجراء نحو 4700 عملية انتخابية على مستويات مختلفة. وسيُجرى خلال هذه الانتخابات تحديد الحكام الجدد في بعض المناطق الروسية، مثل كالينينجراد. كما سيُجرى انتخاب برلمانات إقليمية، إلى جانب مندوبين لمجالس المقاطعات، مثل موسكو.
وعلى خلفية الحرب في أوكرانيا من المرجح أن يكون للقيادة الروسية مصلحة في إظهار نتيجة قوية للانتخابات كنوع من التأكيد على الدعم الشعبي لبوتين في الحرب، حيث قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف يوم الثلاثاء الماضي إن "العملية العسكرية الخاصة" لم تؤد إلى انقسام المجتمع، بل إلى توطيده.
وبحسب "جولوس"، فإن المشكلة الأساسية هي أن جهاز السلطة قد نفذ مؤخرا "هجوما مكثفا على آخر بقايا حرية التعبير". وترى المنظمة أن السكان لم يكن لديهم أي فرصة للحصول على معلومات متوازنة بسبب حجب آلاف المواقع الإلكترونية لوسائل الإعلام المستقلة، وأيضا بسبب الرقابة على المصادر الإعلامية المعتمدة من قبل السلطات. وحظرت الدولة شبكات تواصل اجتماعي مثل "إنستجرام" و"فيسبوك" و"تويتر".
ومنذ أن بدأت الحرب قبل ستة أشهر، تم تشديد القوانين ضد المعارضين بشكل كبير. ولا توجد ملامح تُذكر لحملة انتخابية في روسيا، باستثناء عدد قليل من الملصقات الرصينة. وعلى الرغم من رفع معظم القيود المتعلقة بمكافحة كورونا وحضور الرئيس بوتين أيضا فعاليات جماعية تخلو من ارتداء الكمامات، فإنه لا يُسمح في روسيا بتنظيم تجمعات للمعارضة.
يقول الخبير السياسي عباس جالياموف: "استياء الناس كبير". يعاني الكثير من المواطنين في روسيا حاليا من البطالة بسبب عدم وجود طلبيات من الخارج وانقطاع العلاقات التجارية بسبب العقوبات الغربية على موسكو. ينصح جالجاموف بالانتخاب الاحتجاجي على غرار نموذج "التصويت الذكي" الذي بدأه معارض الكرملين المسجون أليكسي نافالني من معسكر الاعتقال العام الماضي، والذي حقق بعض النجاحات. وتتمحور فكرة الانتخاب الاحتجاجي حول انتخاب مرشح من خارج حزب الكرملين "روسيا الموحدة".
في المقابل يعي جالجاموف أيضا أن الدعم لحرب بوتين مرتفع ومتجاوز للحدود الحزبية - بما في ذلك بين الشيوعيين، الذين روجوا لأنفسهم في الانتخابات البرلمانية العام الماضي بصفتهم منتقدين لحزب الكرملين. جميع الأحزاب الخمسة في مجلس النواب الروسي "مجلس دوما" تؤيد الحرب. ويرى جالجاموف أن الانتخاب الاحتجاجي هو أفضل طريقة يعبر بها المواطنين عن استيائهم.
ونظرا لأن العديد من أعضاء المعارضة إما في السجن أو غادروا البلاد، فإن المجال أمام معارضي الكرملين محدود للغاية. كما غادر البلاد العديد من الروس غير الناشطين سياسيا والذين تروعهم الحرب ولا يرون مستقبلا في وطنهم بسبب العقوبات التي يفرضها الغرب.
في المقابل، لا يكتفي ساسة من الحزب الديمقراطي الروسي المتحد "يابلاكا" المعارض بالتأكيد قبل الانتخابات على أنهم لا يزالون في روسيا، بل يؤكدون أنهم مؤيدون للسلام. يقول السياسي البارز في سانت بطرسبرج، بوريس فيشنفسكي: "لطالما دافع يابلاكا عن السلام وحماية أرواح الناس". ويدعو الحزب كييف وموسكو إلى العودة إلى طاولة المفاوضات لإجراء محادثات سلام.
ومع ذلك تمكن "يابلاكا" من المنافسة بمرشحين في اثنتي عشرة منطقة فقط. وشكا فيشنفسكي من أنه بسبب "موقفهم المناهض للحرب" تعرضوا لإجراءات تنظيمية وعقابية وتم اعتقال أفراد منهم، وحُرم البعض من التسجيل للترشح في الانتخابات.
ولا تتساهل السلطات في روسيا مع الاحتجاج العلني ضد الحرب. وإذا تحدثت إلى الناس في شوارع مدينة سامارا على نهر الفولجا على سبيل المثال، ستجد العديد من الروس الذين يدينون الهجوم على الدولة المجاورة، ولكنهم يدعمون في الوقت نفسه سياسة بوتين. في مخبأ الحرب الذي تم تشييده للزعيم السوفيتي الراحل جوزيف ستالين، قال مرشد المخبأ الذي تحول إلى متحف، فلاديمير رومانوفيتش، عن أوكرانيا: "كان علينا أن نتحرك وإلا لكانت روسيا تعرضت لهجوم".
لا يوجد دليل على فرضية بوتين هذه. لكن في الفناء الصغير أمام مخبأ ستالين أُثير نقاش حول الأمر، حيث رد زوجان من أوليانوفسك بأن روسيا ليس لها الحق في شن حرب على "الشعب الشقيق". ويعتقد رجل آخر أن بوتين ارتكب خطأ فادحا بالغزو، لكن ما بدأه الآن يجب أن يُنهيه. ويبدو أن الجميع يمكنه الاتفاق على صيغة واحدة: "على روسيا أن تفوز. وإلا ستكون في خطر".
في سامارا - كما هو الحال في العديد من المناطق الأخرى في روسيا - هناك ملصقات تدعو الناس للانضمام إلى كتائب المتطوعين التي تقاتل في أوكرانيا. حتى الصحف الروسية تنشر الآن تقارير عن مشكلات تتعلق بأعداد القوات على الجبهة، حيث لا يسجل كثيرون أنفسهم للمشاركة في الحرب. وتحوم مخاوف منذ عدة أشهر من أن يلجأ بوتين إلى الإجبار ويأمر بتعبئة عامة.
في غضون ذلك يتراجع الاهتمام بالحرب، بحسب معهد أبحاث الرأي "ليفادا". ووفقا لأحد الاستطلاعات، يدعم 85% من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 55 عاما عمليات الجيش الروسي في أوكرانيا، بينما بلغت نسبة الدعم بين من تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما 65%. وبينما أيد غالبية كبار السن استمرار الأعمال الحربية (55%)، يرغب الأصغر سنا (54%) في إجراء مفاوضات سلام. وبحسب الاستطلاع، تغيرت التوقعات بشأن مدة الحرب، حيث يفترض 31% من الذين شملهم الاستطلاع حاليا استمرار الحرب لأكثر من عام، وهي نسبة أكثر بكثير مما كانت عليه في أيار/مايو الماضي.
ويتجاهل بوتين حقيقة أن البلاد تعاني بشكل متزايد من العواقب الاقتصادية للحرب، بما في ذلك العقوبات والتضخم والركود، حيث يؤكد دائما أن هذا هو ثمن استقلال روسيا وسياستها المستقلة. ويُجرى حاليا تعزيز الشعور بالفخر الوطني في كل مكان في روسيا، ومع بداية العام الدراسي يتلقى الأطفال بالفعل حصصا في التربية الوطنية وينخرطون في فعاليات لترديد الأناشيد الوطنية ورفع الأعلام.