من خلال غرفة : مسرحية «أكاديمية الضحك» في دمشق: عندما تحّفزنا الكوميديا على التفكير وطرح الأسئلة

2022-09-01

العرض حمل عنوان «أكاديمية الضحك» (موقع الفرقة)دمشق - زينة شهلا - عاش جمهور المسرح في دمشق خلال الأسبوعين الفائتين تجربة غنية قدمها لهم فريق «مدرسة الفن المسرحي» ضمن عرض حمل عنوان «أكاديمية الضحك»، وتمتد فصوله لقرابة ساعتين من الزمن.
تتناول المسرحية التي أخرجها سمير عثمان الباش ـ بتطويع ذكي لنص الكاتب والسيناريست الياباني المعاصر كوكي ميتاني ـ علاقة بين «رقيب» و»مراقَب»، قد تكون خطوطها ومسارها مألوفة نوعاً ما، إذ تتطور من جفاء تام من مراقب نصوص فنية لا يضحك ولا يرف له جفن، ويعتقد بأنه من الأفضل «الاستغناء عن المسرح بشكل تام لعدم حاجة الناس إليه في ظل همومهم الحياتية اليومية»، مروراً بمطالبته «بكتابة نص كوميدي لا يضحك، لأننا في وقت لا يحتمل الترويج للكوميديا»، وصولاً لتغيير الكاتب للنص بشكل كامل، التزاماً بتعليمات «سيادة المراقب» وهو ما يترافق مع تبدّل شكل العلاقة بين الطرفين من نزاع حاد وربما كراهية، إلى تعاطف وتآلف.
وبأداء عالي المستوى من الممثلين، لجين إسماعيل في دور «مراقب النصوص المسرحية»، وكل من كرم حنون وإيهاب الياس (دبل كاست) في دور «الكاتب المسرحي»، تمكن فريق المدرسة، وهي واحدة من المساحات الفنية المستقلة القليلة في سوريا، من انتزاع ضحكات الجمهور، ومن ثم تحريضه على طرح أسئلة حول الرقابة وجدواها وقدرتها الفعلية على الحد من قدرة الفن على ملامسة الواقع، وتحوّلها في لحظة من اللحظات لمحفز على الإبداع في انعكاس لوظيفتها المفترضة.

 

«مرحلة حرجة»

تبدأ الرحلة مع ملصق العرض الذي يتضمن مقصّاً كبيراً يكاد يبتلع كاتباً نحيلاً وافقاً بين شفرتيه، ثم خشبة المسرح وهي عبارة عن غرفة المراقب وتحتوي مكتباً وكراسي والكثير من الأدراج الكبيرة، التي لا بد أنها تحتوي على آلاف النصوص التي «تمت مراقبتها» خلال سنوات، وعلى الأغلب رفض معظمها. والملصق والديكور من تصميم الفنان يوسف عبدلكي. تدور الأحداث المقسّمة إلى فصول تغلق بعد كل منها ستارة المسرح حول فرقة اسمها «أكاديمية الضحك»، ترغب في عرض مسرحية كوميدية جديدة كافتتاح لموسم العروض، وتحتاج لموافقة الرقابة على النص قبل البدء بالتدريبات النهائية، لكن المعضلة تكمن في توظيف مراقب جديد لا يحب الكوميديا، ولا يرى أي داعٍ للفنون من أساسها في المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد.
إذن، يقف المراقب الصارم في وجه كاتب الفرقة الشاب المتحمس لنصه المعنون «جوليو ورومييت» والذي يقول إنه تحوير للمسرحية الأصلية يهدف لإمتاع الجمهور ليس إلا. يطلب المراقب من الكاتب إلغاء كل ما له علاقة بالحب والكوميديا، واستبدال روميو بهاملت الذي يبدو شخصية أكثر توافقاً مع نمط تفكيره. «هاملت يسعى للثأر وكله عنفوان، ويعلّم الجمهور الحماس والصبر، ليس مثل روميو العاشق المائع البعيد عن قيم الوطنية والرجولة»، يقول المراقب.
وفي سعي للحصول على الموافقة بأسرع وقت، يغادر الكاتب ويسهر لإجراء التعديلات المطلوبة ويعرضها في اليوم التالي على المراقب، وهو بدوره يستمر بطلب تعديلات إضافية، مثل إقحام عبارة «عاش الوطن» ضمن النص، دون أي مبرر، وإضافة شخصية جديدة هي الشرطي بطلب من قائد الشرطة. وتتوالى فصول المسرحية بين طلبات وتعديلات حتى يتغير النص بشكل شبه كلي، بما يصفه الكاتب على أنه «وصل حد العبث». وضمن كل هذا نتابع حكاية موازية عن غراب اقتحم منزل المراقب فربطه ليمنعه من الحركة، ومن ثم طيور حسّون تقرر الفرقة إهداءها للمراقب الذي يكتشف بعد فترة أن صوت تغريدها يبعث على التوتر لأنها تتقن لحناً واحداً هو ذلك الذي لقّنها إياه معلمها. ولكن العبث الأكبر يكمن في تزامن حصول الكاتب على الموافقة، بعد أن تنال كل التعديلات إعجاب المراقب، مع تبلّغه بوجوب الالتحاق بخدمة الاحتياط العسكرية، وهنا يبدو جلياً تحول العلاقة بين الشخصيتين، حين يطلب المراقب من الكاتب أن يعود من خدمته سليماً ليكمل عمله، وحين يعترف له بأنه كان في كل مرة يقرأ فيها النص يضحك كثيراً. «آخر مرة قرأت النص ضحكت 83 مرة»، يخبره بتعابير وجهه الجامدة.

 

«كوميديا فلسفية»

في لقاء لـ «القدس العربي» مع سمير الباش مخرج «أكاديمية الضحك»، يشير إلى أن التحضير للعرض استغرق قرابة الثمانية أشهر، ما بين إعداد النص وتدريبات الممثلين الذين كان عليهم إظهار الأبعاد المتعددة للشخصيات، ما وضعهم أمام مهام كثيرة وصعبة، منها معايشة التناقضات التي تعيشها الشخصية، وتبرير كل كلمة وكل حركة، والتفاعل مع الشريك، انطلاقاً مما يحدث بين الشخصيتين. ويستمر الفريق بتطوير العرض مع التخطيط لمتابعته قريباً على أحد مسارح دمشق، والسعي للانتقال به إلى المحافظات السورية الأخرى.
ويشير الباش ـ وهو خريج الأكاديمية الروسية للفنون المسرحية – إلى أن عملية تطويع النص لم تكن سهلة، وهو الذي تدور أحداثه على خلفية الظروف الأمنية التي عاشتها اليابان بعد عام 1940 ودفعت السلطات لبسط سيطرتها على كل شيء، بما في ذلك المسرح والكوميديا، فكان لا بدّ من إيجاد كلمات عربية يمكن أن تقرأ بمعانٍ مختلفة، وتكون مناسبة للنص والحوار وتؤدي الهدف الدرامي المنشود، مع كون اللغة واللعب على معاني الكلمات، إحدى ركائز النص الأساسي. كما تطلب الأمر دراسة دقيقة لآليات وعمل رقابة النصوص في المؤسسات السورية ومراجعة عدد من فقرات قانون العقوبات السوري ذات الصلة بأحداث المسرحية. «وفي النهاية أتصور أننا توصلنا لنص يصعب تصديق أنّ أصله ياباني»، يضيف.
أما الدافع وراء اختيار هذا النص فهو غناه الفكري كما يقول الباش، إذ يناقش الرقابة دون اعتبارها أداة تكسير، بل يبيّن أن الكاتب المبدع يمكن أن يستفيد منها في دعم وتعزيز أعماله، ويطرح مسألة أثر إملاءات السلطة في صناعة الإنسان البيروقراطي، ومن ناحية أخرى يبين ضرورة الحوار وأهميته بين شخصيات من مرجعيات مختلفة، ويظهر قدرة الفن المسرحي وفعاليته في تحريك المشاعر الإنسانية وتعميق الوعي حتى داخل الآلة البشرية البيروقراطية.
«هل فعلاً يحتاج السوريون للكوميديا ضمن واقعهم الصعب اليوم؟»، يجيب الباش: «الكوميديا كنوع فني لها بدورها فروع عدة، كالعاطفية والهجائية والخفيفة التي تهدف للتسلية فقط ويحتاجها الناس دون شك من وقت لآخر. أما عرضنا فهو كوميديا فلسفية ناقدة، تفضح الثغرات في السائد من القوانين، وفي الرأي العام، في محاولة للتفكير والتصحيح، ونحن لن نخرج من واقعنا ما لم نفهمه ونفهم أنفسنا»، ويؤكد أن جمهور العرض ضحك بذكاء عندما اكتشف عبثية ما يعيشه، كما تحول الضحك للغة تواصل تعبر عن اتفاق الحضور على فكرة أو وجهة نظر معينة.


ومن الجدير ذكره، أن «مدرسة الفن المسرحي» تعمل ضمن مساحة صغيرة في مدينة جرمانا في ريف العاصمة السورية، وتقدم تأهيلاً أكاديمياً يستمر لفترة تمتد حتى ثلاثة أعوام، وقد تخرّج منها منذ تأسيسها عام 2015 وحتى اليوم عشرات الممثلين والممثلات. وفي هذا الصدد يشير الباش إلى أن «المسرح في سوريا اليوم تجارة خاسرة، إذ لا تهتم الحكومة سوى برعاية المؤسسات المنضوية تحتها، ولا يقدّر أصحاب الأموال قيمة المسرح الفعلية».
ويختتم حول ضرورة وجود الفضاءات المسرحية المستقلة، وهي تحتاج لوجود كوادر مؤهلة ودعم مادي، والأمران غائبان في سوريا اليوم. «على الحكومة أن تسن قوانين تسهّل العمل الثقافي وتشجع أصحاب الأموال على دعمه. أعتبر أن مدرستنا «طفرة» قامت بفضل جهود شخصية لبضعة فنانين يؤمنون بضرورة المسرح، لكن لا نعلم كم من الزمن يمكننا الاستمرار ضمن هذه الظروف الصعبة».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي