«من عبق الماضي»: حكايات عن الوطن والغربة

2022-08-26

صبري يوسف

صدرتْ مؤخراً المجموعةَ القصصية الأولى للقاص السوري جورج عازار تحتَ عنوان: «من عبق الماضي» تضمنت 24 قصة قصيرة عن تجربته في الوطن الأم سوريا وفي بلاد الاغتراب، السويد، مركزاً على مواضيعَ تتعلقُ بأحداثٍ وذكرياتٍ ومواقف وعوالم الطفولة، وحميميات الأسرة والأهل واللقاء معَ الأصدقاء، مستوحياً من هذه العوالم التي حدثَتْ معهُ في الوطن الأم، كذلك استوحى العديدَ من القصص من تجربته التي قضاها في السويد، على مدى أكثرَ من عقدين من الزمن، فجاءَتْ مزيجاً من حكايات عن الوطن الأم ودنيا الاغتراب.

الوطن الأم

في القصص التي تناولت حكايات ما قبل الرحيل عن الوطن، تصبح الذاكرة هنا هي الأساس، رغم تباين الحكايات.. ففي قصة «بطاقة محبة» يصوغُ حكاية تعكسُ أمانةَ الإنسان، مستوحياً فضاءاتها من واقعةٍ على الأغلب حصلَتْ معَهُ، حيثُ فقدَ الكثيرَ من الوثائق قُبيلَ سفره وعبوره البحارَ، وبعدَ أن عاشَ حالةَ قلقٍ وهو يبحثُ في الأمكنة التي تَصورَ أن يكونَ قد فقدَ حقيبتَهُ هناكَ، لكنهُ لم يرَها، وإذْ بأحدهم يدق عليه باب المنزل للمرة الثالثة، ويفاجئهُ بأنهُ عثرَ على حقيبته في مركز المدينة، وفيها الكثيرُ منَ الوثائق، وقدْ حملَت القصةُ بُعداً بديعاً حولَ أمانة الإنسان، كذلك هناك العديد من القصص التي تحملُ أريجَ الشوقُ والحنين إلى بيت الأسرة كما في قصة: «تأوهات الحنين» مركزاً على عرض ذكريات الأم إلى البيت الذي احتضنَهم طويلاً، وجاءَت القصةُ ممتلئة بحنينٍ جارفٍ إلى أيام زمانٍ. وتأتي قصةً حملَتْ عنوان المجموعة نفسها .. «من عبق الماضي» مسترسلاً في وصف وسرد ذكريات الماضي البعيد في البيت الذي ترعرعَ فيه وعانقَ دفءَ الأسرة سارداً ذكرياته بحميميةٍ، متحسراً على الأيام الجميلة التي ظلتْ معششةً في ذهنه وفي ذروة حنينه إلى تلكَ الأيام المحفورة في لب الذاكرة والخيال وحنايا الروح. وفي قصة «رجع الصدى» استعرضَ الكثيرَ من التفاصيل المتعلقة بالمأكولات وكيفية إعداد الأجبان والمربيات والمؤونة للشتاء الطويل بكل أنواعها، امتازَتْ بخيطٍ مشوقٍ أعادَ إلى الأذهان أجملَ الذكريات. وفي «قصة الأمس» يعودُ مستعرضاً ألعابَ الطفولة في حي الوسطى في القامشلي، حيثُ كانَ يقطنُ أيامَ زمانٍ، يتذكرُ أيامَهُ الخاليات بكل تفاصيلها كأنها ماثلةٌ أمامَهُ، مستفيداً من ذكرياته كأحد أهم متون قصصه. ثم يحلقُ في فضاء الأجداد مستوحياً قصةً من عوالمهم: «آزخ ذاكرة شعب» يسردُ عبرَها قصةَ شعبٍ ناضلَ وكافحَ للدفاع عن أرضه ببسالةٍ نادرةٍ، حيث لم تستسلمْ بلدةُ آزخَ وصمَدَتْ حتى النهاية، رَغمَ الهجوم الشرس الذي تعرضت له، وسلطَ القاص قلمَهُ على هذه البلدة لما حملَ رجالاتُها ذاكرةَ شعبٍ حي، قدمَ تضحياتٍ وبطولاتٍ يذكرُها القاصي والداني!

دنيا الاغتراب

ثم تأتي عدةَ قصصٍ مستوحاةٍ من تجربة الكاتب في السويد، فيها انتقادٌ لممارسات بعض المهاجرينَ، كما في قصة: «عربة أطفال» فيها طرافةٌ ورؤيةٌ نقديةٌ لمَن كن يستخدمْنَ عربات أطفالٍ لأطفالٍ كبارٍ وليسَ رضعاً، كي يتنقلوا بالحافلات مجاناً، على أساس أن في عربتهم أطفالاً رضعاً. وينتقدُ الروتينَ السائدَ في السويد، كما في قصة: «عالم من ورق» قاصداً أنكَ لا يمكنُ أنْ تسيرَ خطوةً واحدةً في السويد دون أوراقٍ، وكل شيءٍ عندَ المؤسسات مكشوفٌ لهم عنكَ بأدق تفاصيل حياتكَ، وينتقدُ واقعَ بعض المهاجرينَ الذينَ وفدوا للسويد واشتغلوا في مجالات غير تخصصهم، ساخراً مما حل بنخبة المثقفينَ ممن لم يعادلوا شهاداتهم، أو لم تسمحْ لهم الفرصةُ بالعمل في مجالات تخصصهم، فاشتغلوا في التنظيفات والمطاعم وفي تصليح الأحذية وأعمالٍ أخرى، حتى إذا كانت بغير تخصصاتهم!

ولا يفوت عازار التحدثُ عن الهامشيين وعن عالم «السكرمانيين» وكيفَ يتعرضونَ إلى حوادثَ مريعةٍ كما في قصة «دروب الضياع» إذْ تعرضَ أحدُ السكارى إلى حادثٍ أدى إلى بتر قدميه، وينتقدُ مَن يطرحُ نفسَهُ شحاذاً في مملكة السويد عَبْرَ قطار الأنفاق، كما في قصة «قطار الصباح».

أديب وتشكيلي سوري







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي