الغوص عميقا..العرض المسرحي المصري «علاقات خطرة»: التربية الخاطئة والمجتمع المشوَّه

2022-08-17

ملصق «علاقات خطرة» القاهرة - محمد عبد الرحيم - عن الفرد ومحيطه القريب من شخصيات، وبالتالي اتساع الدائرة لتشمل المجتمع بالكامل، تبدو الأزمات والعقد النفسية، التي هي في الأساس سبب المشكلات. هذه المشكلات لم تكن وليدة المصادفة، لكنها متأصلة منذ الصغر، عقد دفينة تتكون من الطفولة نتيجة التربية الخاطئة، التي للغرابة تتكرر رغم معاناة الفرد منها، فالرجل في طفولته، على سبيل المثال إذا عانى من القسوة ـ حتى لو كانت من قبيل حُسن النيّة ـ يُعيد بدوره اللعبة مع أطفاله، اعتقاداً أنه تمت تربيته على الوجه الأكمل.
فكرة السيطرة من جانب الأسرة على أطفالها، واعتماد التربية الصالحة وفق مفهومها، وبالتالي فرض نمط معيّن على هؤلاء الأطفال، يحولهم بدورهم إلى نسخ مشوّهة، يعيدونها مع أطفالهم، وهكذا. من ناحية أخرى ورغم تناسي هذه العقد، إلا أنها تظهر وتفرض نفسها على الآخرين، وبالتالي تزداد المشكلات تعقيداً، ومن المشكلات النفسية للأفراد يمكن أن تتسع الدائرة أكثر لتصبح فكرة (السُلطة) نفسها، التي تولد مشوّهة بطبيعتها، لتكون نتائجها على الآخرين وخيمة.
عن هذه الأفكار تدور أحداث العرض المسرحي «علاقات خطرة» ضمن عروض المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته الـ15، والمأخوذ عن كتاب بالاسم نفسه لاستشاري الطب النفسي محمد طه. تم تقديم العرض من خلال فرقة (بيتر شو) أداء.. باخوم عماد، يوسف جرجس، كيرلس ناجي، ماري صموئيل، ماري روماني، جورج أشرف، مارينا إيهاب، مينا خليل، ماير هاني، مديانا جمال، يوستينا رفعت، يوستينا هاني، ويوسف سليم. ديكور مارينا أكرم. إضاءة أبو بكر الشريف. موسيقى رفيق جمال. ماكياج ماري روماني وسمر يونان. العرض إنتاج منتخب كنائس القاهرة، كتابة وإخراج مايكل مجدي.

 

الميلاد

يبدأ العرض بطقس اليوم السابع للمولود ـ السبوع ـ والكلمات المعهودة التي تلقى على مسامع الطفل المولود وسط ضحك الجميع .. «إسمع كلام أمك .. إسمع كلام أبوك» وتكرار الأمر بوجوب السمع للأقارب من الحاضرين. هذا ما يريدون إسماعه للمخلوق الجديد، كدستور لا بد من السير عليه طيلة حياته، والعمل به مع أطفاله أو أطفالها بالضرورة، وكأنه يُعيد الحكاية المتوارثة في تفاصيلها كافة. هذا الطقس الاحتفالي على بساطته، إلا أنه يرسم بعد ذلك مستقبل هذا الطفل أو ذاك، وأي خروج عن مبدأ (السمع والطاعة) سيجعل من هذا الطفل خارجاً عن قانون الأسرة، وأقل ما يوسم به هو الفشل والخيبة، ثم الإقصاء في النهاية. ومن الأسرة إلى المدرسة، أولى المؤسسات العقابية التي يتعامل معها الطفل، وربما لن تكون الأخيرة، حتى يتم تأهيله تماماً ليستحق لقب المواطن الصالح.
ومن هنا يمكن أن يمتد الطقس الأسري إلى حالة أكبر من التسلط يمارسها هؤلاء الأطفال المشوهين بدورهم، وقد أصبحوا أرباب أُسر وأعمال، أو رجال دولة. هؤلاء يريدون تنميط الآخرين حسب رؤيتهم ومشيئتهم، وإلا كان العقاب على اختلاف أشكاله، كل حسب موقعه ودرجه تسلطه.

 

نفوس مشوّهة

لك أن تتخيل طبيعة العلاقات بين هؤلاء، الزوج، الزوجة، الأبناء، الأصدقاء، زملاء العمل. الجميع عانى وكبت رغبة لم يفصح عنها، الجميع عاش كما أحب غيره أن يكونه، وينتظر الفرصة المناسبة حتى يُخرج هذا الكبت في شكل تسلط جديد على مَن هم أقل منه مكانة، أو يخضعون لسيطرته، سواء بالميلاد أو بالضرورة. من هنا تصبح الحياة جحيماً، وأن يكون (الخطر) سمة العلاقات الإنسانية دائماً.

اللوحات الدرامية

لم يأت العرض نقلاً للكتاب المأخوذ عنه، لكنه استوحى الحالة والأفكار، فجاءت الصياغة مختلفة تماماً. اعتمد كاتب ومخرج العرض على شكل اللوحات الدرامية، لعرض حالات متنوعة تؤكد الفكرة. ومن هذه الحالات، الزوج المتسلط، الأم كثيرة الانتقاد لابنائها، الزوجة مدمنة شراء الأشياء، الطفل المغلوب على أمره، والراضخ دوماً لتعاليم أسرته بعيداً عما يريده، ليكون بدوره هو الصورة التي تتفرع عنها جميع الحكايات، والتي من الممكن اعتبارها الإطار العام لهذه الحكايات/اللوحات. فالزوج المتسلط الذي لا يرى في زوجته سوى خادمة، ربما كان نموذج الأب هو مثاله اللاواعي، ورغم ما عانت منه أمه وهو نفسه، إلا أنه يكرر التجربة ولا يستطيع الخروج عنها. وهكذا باقي الشخصيات والحالات.
ومن الشكل الدرامي للعرض، والمتمثل في عدم تقديم حكاية واحدة بالشكل التقليدي، بل لمحات من حكايات، حتى تكتمل الصورة في النهاية، يأتي التمثيل، حيث يقوم الممثلون بعدة أدوار مختلفة وفق كل لوحة أو حالة يتم تجسيدها، وهو ما يتماشى وتأصيل فكرة النمط في هذه الشخصيات، دون الوقوف على تفاصيل وملامح شخصية واحدة يقوم بأدائها الممثل طوال العرض المسرحي.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي