جائزة نوبل: بين التسريبات وفقدان الثقة

2022-08-15

عاطف محمد عبد المجيد

بعد ست سنوات من كتابة وصيته، كانت الجائزة التي خصصها ألفريد نوبل للمتميزين في مختلف المجالات، ومنها الأدب، تعرف طريقها إلى الوجود في دورتها الأولى عام 1901 بفوز الشاعر الفرنسي سولي برودوم، لتعرف الجائزة أيضا طريقها إلى الأزمات، فقد تجاهلت كاتبا كبيرا مثل، تولستوي، ومُنحت لكاتب مغمور هو سولي برودوم، ما دفع تولستوي لأن يكتب إلى المسؤولين في السويد رسالة يعبر فيها عن رفضه الجائزة، حال التفكير في إعلان اسمه فائزا بها، وبذلك تعرضت الجائزة منذ بداياتها لانتقادات كبيرة كادت تعصف بها.

هذا ما يقوله الشاعر والصحافي عزمي عبد الوهاب في مقدمته لكتابه «جائزة نوبل.. أزمة ثقة « الصادر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

عبد الوهاب يضيف كذلك أنه بعد حوالي 117 سنة، وفي أوائل مايو/أيار عام 2018 صدر بيان اعترفت فيه الأكاديمية السويدية بوجود أزمة ثقة بين جائزة نوبل في الأدب والجمهور القارئ، وطبقًا للبيان فإن أعضاء الأكاديمية يدركون تماما أن أزمة الثقة تلك ترغمهم على إجراء إصلاحات قوية: «ومن الضروري أن نأخذ وقتا لإعادة كسب الثقة، قبل تعيين الفائز المقبل، احتراما للفائزين السابقين والقادمين» وهكذا حُجبت الجائزة في عام 2018 على أن تعلن أسماء الفائزين في العام الذي يليه.

كتاب مغمورون

في كتابه هذا يذكر الكاتب أنه طوال سنوات منح الجائزة لم يفز بها سوى كاتب عربي واحد عام 1988 وهو المصري نجيب محفوظ، في حين أن دولة مثل بولندا قدمت للجائزة ستة فائزين، ارتبطت الفضيحة الأخيرة باسم أحدهم وهي الشاعرة شيمبورسكا، إذ تم تسريب اسمها قبل إعلان الفوز الرسمي عن طريق زوج إحدى أعضاء الأكاديمية. أما التسريب الثاني فهو يخص المغني الأمريكي بوب ديلان، وبالطبع هناك أسماء أخرى لم يتم الكشف عنها، كما يقول الكاتب. ما يؤكده عبد الوهاب كذلك أن الجائزة ذهبت في فترات من تاريخها إلى كتاب مغمورين، ما دفع إلى الصدارة بالسؤال حول معايير الاختيار، خاصة مع فوز بوب ديلان الذي رأت الأكاديمية أنه «خلق تعبيرات شعرية جديدة في تقليد الأغنية الأمريكية» فما العلاقة بين هذا الكلام وجائزة تُمنح في الأدب؟ كذلك أثارت جدلا كبيرا في السنوات الأخيرة، الجائزة التي مُنحت إلى سيفتلانا ألكسيفتش، خاصة أن كتاباتها في النهاية ما هي إلا تحقيقات صحافية عادية. في كتابه هذا يرصد عزمي عبد الوهاب الأسماء التي وضعت الجائزة في حرج، سواء لعدم استحقاقها، أو لرفضها أن تكون أداة في صراع، لا علاقة له بالأدب ومنهم بوب ديلان.

عدالة جائزة نوبل

هنا نعرف، من خلال الكاتب، أن هناك 16 امرأة فازت بالجائزة على مر تاريخها، وكانت الكاتبة السويدية سلمى لاجرافوف أول امرأة تتوج بها عام 1909، وبعدها توالت الأسماء: توني موريسون، وإلفريدة يلينيك، وهيرتا موللر، وأليس مونرو وغيرهن. أيضا يذكر عبد الوهاب ما قاله ماركيز: أعرف عددا كبيرا من الكتاب لا يشعرون بلهفة لنيل الجائزة، إنما على العكس يستشعرون خوفا ميتافيزيقيّا منها، بسبب الاعتقاد السائد بأن لا أحد يعيش أكثر من سبعة أعوام بعد نيل الجائزة. كذلك يقول إن ماركيز يشكك في عدالة لجنة نوبل، خاصة لعدم ذهاب الجائزة لعملاقين آخرين هما هنري جيمس وجوزيف كونراد، رغم أنهما كانا يعتبران خلال حياتهما من أكبر كتاب الإنكليزية. كما يرى ماركيز أن الفائزين بالجائزة في فترة ما بين الحربين العالميتين، لم يكن منهم من يستحق الجائزة كأولئك الذين ماتوا وهم يستحقونها. كما يكتب عبد الوهاب عن مهندس الشعر سولي برودوم الذي جاء في حيثيات فوزه بالجائزة أنه نال الجائزة لمجمل أعماله الشعرية، التي تعبر عن تكوينه الخاص. كما يكتب عن تيودور مومسن، فردريك ميسترال، خوسيه إتشيغاي، هنريك سينكيفتش، بول فون هايس، كارل غيلورب، سان جون بيرس، وغيرهم.

هنا نقرأ عن جوزيه كاردوتشي الرجل الذي أصابته لعنة نوبل ومات عن عمر يناهز 71 عاما، وقد صدرت أعماله الشعرية الكاملة في عشرين جزءا بعد وفاته بعام، كما نقرأ عن رودلف أوكن الفيلسوف الألماني الباحث عن الحقيقة، الذي ينتقد المذهب الطبيعي الذي يفرض حدودا زائفة على روح الإنسان، وعن بيت سلمى لاجروف الذي تحول إلى متحف بعد رحيلها بعامين يزوره الناس ليروا كيف عاشت هذه الكاتبة التي تعرج في سيرها، لكنها حققت بخيالها العظيم مجدا نسي معه الناس عرجها. مثلما نعرف أن «ثورة النساجين» حملت جيرهارت هاويتمن الذي كانت حياته نموذجًا للنبوغ الإنساني إلى جائزة نوبل، وأن هناك ست شخصيات تبحث عن لويجي بيراندللو الذي ولد في جزيرة صقلية وكتب في وصيته: ليعبر موتي بصمت، أرجو من أصدقائي وأعدائي ألا يتكلموا عنه، وحتى ألا يشيروا إليه، وحين أموت لا أريد أن أُكسى بأي ثوب، لفوني عاريا بكفني، دون أزهار على السرير، ولا شموع حارة، موكب جنائزي من الدرجة الأخيرة درجة الفقراء، دون أي زينة، وليمتنع عن مرافقتي أي من الناس، لا أهل ولا أصدقاء، عربة الموت والحوذي والحصان، أحرقوني، وحين يُحرق جسدي أُبدد، لأنني لا أريد أن يبقى مني أي شيء، حتى الرماد، وإذا كان الأمر متعذرا، ليحمل رمادي في قارورة، ويلقى بين صخور أغريجنتي حيث ولدت.

عارضة مخيفة

في حديثه عن جوزف بروديسكي ملك شعراء الولايات المتحدة الأمريكية، يكتب عبد الوهاب قائلا، إنه كتب الشعر في التاسعة عشرة من عمره وعرف الاعتقال والحرية، وانتهى إلى أن الحكم الصحيح على العالم وعلى أحداثه هو حكم فردي، وأن الحكم الجماعي على ظواهره وأحداثه لا يعنيه بل لا يستسيغه، وفي رأيه أن الفعل الجماعي هو الآخر عارضة مخيفة يتردد عندها الشاعر كثيرا ويخشاها، ويخشى على ضميره منها.

وبعد.. نحن هنا أمام كتاب مليء بأسماء الحاصلين على جائزة نوبل في الآداب على مدار سنوات وسنوات طويلة، ومُطعّم بحكاياتهم معها، مارّا على تفاصيل دقيقة في حياتهم على المستويين الشخصي والإبداعي، مقدما لنا وجبة معلوماتية دسمة، على مائدة هذه الجائزة تتعلق بكواليسها وأبطالها الذين أسعدهم الحظ بحصولهم عليها، وبآخرين كانوا يستحقونها بجدارة لكنهم لم ينالوها.

كاتب مصري







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي