تقرير: روسيا تستخدم سلاح الغاز ضد أوروبا بحساب دقيق

د ب أ- الأمة برس
2022-08-02

تعتمد أوروبا على انتظام إمدادات الغاز خلال فصل الصيف الذي ينخفض فيه استهلاك الغاز إلى النصف من أجل تكوين مخزونات تكفي لتلبية الاحتياجات المتزايدة خلال فصل الشتاء (ا ف ب)

برلين: عندما أعلنت شركة جازبروم الروسية محتكرة تصدير الغاز الطبيعي الروسي يوم 21 تموز/يوليو الماضي انتهاء أعمال الصيانة الدورية في خط تصدير الغاز إلى أوروبا نورد ستريم1 تنفست أوروبا الصعداء مع انتهاء فترة توقف الخط عن العمل لمدة 10 أيام تقريبا، لكن بعد مرور 5 أيام فقط أعلنت الشركة الروسية خفض معدل ضخ الغاز الطبيعي عبر الخط إلى20% من طاقته التشغيلية أي بما يعادل 33 مليون متر مكعب يوميا. أدى ذلك إلى قفزة جديدة في أسعار الغاز بالقارة الأوروبية لتتجاوز الـ 200 دولار لكل 1000 متر مكعب.    

 ويقول الخبير الاقتصادي الروسي سيرجي فاكولينكو  المتخصص في قطاع النفط والغاز الطبيعي  في تحليل نشره موقع معهد كارنيجي لأبحاث السلام إن التفسير الأكثر منطقية  لهذه الخطوة الروسية ليس المشكلات الفنية التي تقول جازبروم ومعها المسؤولون الروس إنها السبب في خفض الإمدادات، وإنما جهد روسي منسق لتقليل إمدادات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي كجزء من مواجهة جيواقتصادية أوسع نطاقا بين موسكو الغرب. في الوقت نفسه فإن طريقة عمل أسواق الغاز الأوروبية تلقي قدرا كبيرا من الضوء على دوافع استراتيجية الحكومة الروسية في هذه المواجهة.

 ومنذ أيار/مايو الماضي بدأت روسيا خفض إمدادات الغاز إلى أوروبا لأسباب مختلفة، مرة بالقول إن هناك مشكلات فنية في بعض خطوط الأنابيب ومرة أخرى  بالقول إن الدول الأوروبية ترفض سداد قيمة مشترياتها من الغاز بالروبل الروسي كما يقضي قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وتعتمد أوروبا على انتظام إمدادات الغاز خلال فصل الصيف الذي ينخفض فيه استهلاك الغاز إلى النصف من أجل تكوين مخزونات تكفي لتلبية الاحتياجات المتزايدة خلال فصل الشتاء. ومع تراجع الإمدادات الروسية، لجأت أوروبا إلى الغاز الطبيعي المسال، واضطرت إلى عرض أسعار للشراء منافسة للأسعار الآسيوية وهو ما جعل  الغاز أعلى تكلفة بالنسبة لأوروبا والحق الضرر باقتصادياتها.

 ومن المنتظر أن يكون فصل الشتاء المقبل أسوأ حتى إذا تمكنت أوروبا من ملء مستودعات تخزين الغاز خلال الصيف وعملت محطات استقبال الغاز الطبيعي المسال  بكامل طاقتها، حيث ستظل أوروبا تحتاج إلى بعض الإمدادات من الغاز الروسي. وإذا ما تعرضت أوروبا لموجات صقيع خلال الشتاء فستحتاج إلى أكثر من 350 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي الروسي يوميا، بحسب تقديرات فاكولينكو الذي عمل أكثر من 25 عاما في قطاع النفط والغاز الطبيعي وتعاون مع العديد من الشركات الاستشارية في هذا المجال.

 والسبب الرئيسي وراء  استمرار حاجة أوروبا للغاز الروسي هو أن شبكة توزيع الغاز الأوروبية مصممة لكي تحصل على الغاز عبر الحدود مع روسيا، وتوصيله إلى مراكز الاستهلاك في وسط وغرب أوروبا. وفي السنوات الأخيرة، حصلت أوروبا على عدد من محطات استقبال الغاز الطبيعي المسال وأغلبها مازال موجودا في غرب أوروبا. كما أن بعض خطوط الأنابيب في شرق أوروبا ومستودعات التخزين في وسطها، تعمل بشكل  تقليدي باعتبارها آلية إضافية للتعامل مع أزمات الغاز.

 وتنطلق الحسابات الاستراتيجية الروسية في الأزمة الراهنة، من أن استمرار تقليص إمدادات الغاز إلى أوروبا سيضع حكوماتها بين اختيار مواجهة أزمة سياسية واقتصادية حادة في دولها، أو الدخول في هدنة في المواجهة مع روسيا، والاستجابة لبعض المطالب الروسية في أوكرانيا، ورفع العقوبات عنها. لكن هذه الاستراتيجية يمكن أن تنجح إذا ظلت مخزونات الغاز لدى الاتحاد الأوروبي منخفضة. ولهذا تحرص روسيا على عرقلة  عمليات ملء مستودعات الغاز الأوروبية حتى الآن.

لذلك لماذا استأنفت روسيا ضخ الغاز عبر خط نورد ستريم 1  حتى وإن كان بكميات قليلة، بدلا من وقف الضخ تماما؟ السبب الأول هو الاعتبارات القانونية. فشركة جازبروم تبذل كل ما في وسعها لكي  تكون مستعدة لمواجهة أي نزاعات قانونية في المستقبل مع عملائها. ويمكن أن تصدر الحكومة الروسية قرارا بحظر تصدير الغاز إلى "الدول غير الصديقة" مما يتيح للشركة إعلان القوة القاهرة للتحرر من التزاماتها التعاقدية مع الدول الغربية.

وهناك أيضا بعد دعائي يتمثل في رغبة الكرملين في مخاطبة الرأي العام الأوروبي وتصوير الأزمة الحالية التي يعاني منها الأوروبيين في مجال الطاقة باعتبارها من صناعة الحكومات الأوروبية نفسها، سواء بسبب العقوبات التي تفرضها على روسيا، أو القيود التي تفرضها على حركة الشركات الروسية.

وأخيرا، هناك حاجة روسية إلى الاستخدام المحسوب لترسانتها في الحرب الاقتصادية مع أوروبا، وما تسببه من آلام للأوروبيين. ويعتبر قطع إمدادات الغاز الروسي عن أوروبا أقوى أسلحة الكرملين، وقد يكون التهديد به أقوى من استخدامه.  فوقف الضخ الآن ربما يعني أن روسيا فقدت أي أوراق لتصعيد المواجهة الاقتصادية مع الغرب، مهما تطورت الأحداث.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي