بعد سقوط دراجي.. إخفاق التجربة الشعبوية في إيطاليا كان متوقعا

د ب أ- الأمة برس
2022-07-24

رئيس الوزراء الإيطالي المستقيل، ماريو دراجي (ا ف ب)

روما: ترى ماريا تاديو مراسلة تلفزيون بلومبرج في بروكسل ماريا أنه لم يكن من قبيل المفاجأة أن تسقط إيطاليا مجددا في براثن الأزمة.

وذكرت تاديو في تحليلها الذي نشرته وكالة بلومبرج للأنباء أن الدائرة السياسية التي بدأت بزلزال شعبوي في إيطاليا في عام 2018، والتي جمعت بين القوى الهامشية لليسار واليمين في إطار إئتلاف غير مألوف، انتهت بنفس الطريقة التي بدأت بها- ولكنها سببت صدمة مريرة للنظام، واضطراب في الأسواق يهدد مستقبل إيطاليا. كما ساعدت بقوة في صعود حزب "إخوان إيطاليا"، اليميني المتطرف، وفي سقوط رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، الذي لم يستطع في نهاية المطاف الفرار من "مكائد روما".

ويبدو أن لا أحد يحظى بخروج نظيف من الحكومة، ولا حتى دراجي، ذلك الرجل الذي يعود إليه الفضل في إنقاذ اليورو- مهما كان حجم ما يتمتع به من إشادة، أو تقدير دولي، حيث إن المجال السياسي في إيطاليا أمر شخصي.

وبالنسبة للموجودين خارج الدوائر الإيطالية، فإن الأمر جاء بمثابة صدمة- عاصفة سياسية في خضم حرب أوكرانيا، وقبل ساعات قليلة من اجتماع بالغ الأهمية للبنك المركزي الأوروبي. وترى تاديو إنه سيكون من الصعب على نحو متزايد إنقاذ البلاد من صدمات السوق التي صنعتها بنفسها.

وبدأت الأزمة على يد جوزيب كونتي، زعيم حزب حركة خمس نجوم والذي شارك في تفكيك الائتلاف، ثم أجهز عليه ماتيو سالفيني، زعيم حزب الرابطة الإيطالية، ماتيو سالفيني، بانسحابه من التصويت على سحب الثقة، والذي كان من شأنه أن يؤدي إلى بقاء دراجي رئيسا للوزراء حتى الربيع.

والمفارقة أن الرجلين كانا جزءا مما أطلق عليه " حكومة التغيير" في إيطاليا، والتي جمعت بين حزبي "إخوان إيطاليا" و"حركة خمس نجوم" في عام 2018، والتي تعهدت ببعث الحياة في أوصال السياسة الإيطالية. ولكن التجربة فشلت على نحو بائس، وعلى الإيطاليين أن يستوعبوا الآن أن الجمع بين النقيضين داخل مؤسساتهم الرئيسية ليس أفضل من سياسة المؤسسة الحاكمة، أو هو أكثر صعوبة. وبحسب تحليل بلومبرج، هناك حاجة لمحاسبة النفس فيما يتعلق بالأخطاء- ولماذا حدثت- قبل أن تكرس الانتخابات المقبلة السياسة الفاسدة لفترة أطول.

ولا يستطيع أحد أن ينكر أن البرلمان الذي جرى حله كان يعاني من اقتتال مستمر، ومن الطعن في الظهر، ومكائد شخصية حاكها نفس الأشخاص الذين كانوا تعهدوا في السابق بإعلاء مصالح الأمة على مصالح الأحزاب في 2018. وشهدت الأعوام الأربعة الماضية تقلبات أيديولوجية هائلة، كانت كافية لإثارة غضب الناخبين، وحيرتهم عند كل منعطف.

وترى تاديو أن استقالة دراجي أعطت استراحة قصيرة من حالة عدم الاستقرار في المجال السياسي، كما أعطت رؤية كانت هناك حاجة إليها للدفع باتجاه إجراء إصلاحات. ولكن السياسة الفاسدة التي أطلقتها الشعبوية عميقة الجذور، "ونحن الآن نترقب حملة انتخابية وحشية".

ورغم ذلك، ستكون الحملة مشوقة، وفي هذه الحالة فقط، ليس أمام إيطاليا من تلقي عليه بالمسؤولية سوى نفسها، فلا يوجد عدو خارجي توجه إليه روما أصابع الاتهام. وقد أشارت المفوضية الأوروبية إلى أنها تعتزم العمل مع أي حكومة ستأتي بها الانتخابات المقررة في الخريف. وتغيرت بروكسل كثيرا منذ أزمة اليورو- وعلى النقيض مما يردده المنتقدون، صار صناع السياسة أكثر قربا.

وقد قطعت النوايا الحسنة من قبل إيطاليا شوطا طويلا، كما خفت حدة التفكير الدائم بشأن جنوب أوروبا (والذي كان نمطيا إلى حد كبير). وربما تصبح ألمانيا هي من تطالب بإظهار التضامن مع برلين لتأمين إمدادات الطاقة. سبحان مغير الأحوال.

وفي الوقت نفسه، أعرب البنك المركزي الأوروبي عن رغبته، وقدرته، على التحرك بشكل فعال لحماية العملة الموحدة، ورغم جميع الأخطاء، ستظل إيطاليا-العضو المؤسس لليورو وثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي- جزءا جوهريا من التركيبة النقدية التي يتعامل معها البنك.

وتوقعت تاديو أن تأتي الحكومة الإيطالية بائتلاف يميني بقيادة أحزاب "إخوان إيطاليا"، و"الرابطة" و"فورزا إيطاليا" (إلى الأمام إيطاليا) بزعامة سيلفيو برلسكوني.

ومن المعروف عن جورجيا ميلوني، زعيمة حزب "إخوان إيطاليا" أن رأسمالها السياسي يستند إلى كونها قوة معارضة، وهي تحظى بشعبية في الوقت الحالي، حيث إن المعارضة أسهل من اتخاذ قرارات قاسية داخل الحكومة. وكما يحدث عادة في المجال السياسي، يتبدد التأييد العام على نحو سريع عندما يتعلق الأمر بتبني سياسة بعينها.

وترى تاديو أن لدى إيطاليا قدرة استثنائية على صناعة السياسيين، وكذلك على حرقهم. وبالنسبة لميلوني، قد يتحول وصولها لرئاسة الحكومة-إذا ما قدر لها ذلك- إلى كأس السم. ويدرك منافسوها ذلك جيدا.

ومن السهل أن يصاب المستثمرون بالقلق الشديد عندما يسود الضغط السياسي أو حين تشهد السوق اضطرابا. ومن يستطيع أن يلقي اللوم عليهم في ظل التطورات المثيرة مؤخرا؟ ولكن من الأهمية أن نتذكر أن المؤسسات الإيطالية تتمتع بقدرة هائلة على ضبط أوضاعها، ووقف نزيف الخسائر، وإنقاذ ماء الوجه.

أما القول بأن إيطاليا ستنهار، أو بعودة حزب " إيطاليكست" (الذي يدعو إلى خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي) والتحول من اليورو إلى الليرة، فهو حديث مفرط في البساطة عندما تتعقد الأمور. حيث إن ذلك يتجاهل كيف يعمل النظام، ومجتمع الأعمال في إيطاليا، حتى لا تحدث مثل هذه النتيجة.

وعاجلا، وليس آجلا، سيتعين على إيطاليا إلقاء الألعاب النارية جانبا، والتركيزعلى الاقتصاد، ولكن هذا لن يحدث إلا إذا أظهر الناخبون الإيطاليون عبر أصواتهم أن التجربة الشعبوية قد انتهت، وأن البلاد بحاجة إلى حكومة جادة، وأنه من غير الممكن إعطاء تفويض لنفس الساسة الذين وصلوا بإيطاليا إلى ما وصلت إليه.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي