كرة عاطفية تتأرجح بين الكلمات

2022-07-24

حسن أكرم

عندما توقّف بنا الباص لم يكن عند مُفترَق طُرق. لم نكن قد ضيّعنا الوُجهة بعد، لكن عادةً ما يتوقّف الباص ليعطي فرصة لراكبيه بأن يُراجعوا أنفسهم.

بالنسبة لي، اكتشفتُ ساعتَها متأخّراً جداً، أنّني جرحتُ قلب صديق، وهو جرحٌ طالما تفاخرت بأنه مهارةٌ جديدةٌ تعلّمتها حديثاً في الحياة.

كنتُ قد وقفتُ في وجهه، ربّما كان ذلك في يومٍ من أيام الشتاء القارصة، أو ربّما كان في الصيف الجاف، لكنّي أذكر أنّني طردته من شقّتي، ولم أُمهله لحظةً للتفكير أين يذهب بعدها.

قبل عامين من الآن، كنتُ كلّما تذكّرت موقفي معه اعتبرتُه موقفاً شجاعاً، ولكنّي اليوم بعد أن عدت لاتّزاني، وصرتُ أُراقب نَفْسي كما يُراقبُ القطُّ حمامتَه. قلتُ في نَفْسي إنني طالما التقيتُ بالمظلومين وتكلّمتُ معهم عن العالم القاسي، ولم ألتقِ، ولو لمرّة واحدة، بشخصٍ اعترفَ بارتكاب ظُلمٍ ما؟

طالما التقيت بالمظلومين ولم ألتقِ بشخصٍ واحد اعترف بارتكاب ظُلْم

حتّى وإن توقّفَ الباص لمرّات كثيرة، لن يُفضيَ إلى أن يدفعَ الناسَ للاعتراف بالأخطاء والأحقاد، لكنّي بخلافهم أركبُ باصي العاطفي، وحينما توقّف، تذكَّرتُ أنني أدين لهذا الرجل بالاعتراف، وحينما كتبتُ له شعرتُ أنّ الكلمات لن تبلغ مبلغَ الاعتذار، لذا بعثتُ له صوتي المنكسر، وقلت:

"يا رجل أنا مدينٌ لك باعتذار وتبرير، وأنتَ مدينٌ لي بالمحبة، وإننّي حتّى لو جرحتكَ مرّة، فلك ندوبٌ عديدة في خاصرتي، وحتّى وإن قسوتُ عليك مرّة، فلكَ مثلها ومثل المحبّة عندي، فإني أُحلّفك بالتنوّع العاطفي، ألّا تتركني أُقاسي ألمَ ذلك".

وحينما ذكرت التنوّع العاطفي، تذكّرتُ أنّني في حياتي طالما بكيتُ مثلما ضحكتُ وسرقتُ مثلما استُغفلتُ، وأحببتُ مثلما رُفضتُ، وحزنتُ مثلما انتشيتُ عند الوادي البعيد هناك، وظلمتُ مثلما ظُلمت، حتى صرتُ كرةً عاطفية تتأرجح بين الكلمات.

ردّ عليّ الرجل ببخل، ولم يُعِر اعتذاري أيّ اهتمام!

قلتُ ربّما كان جائعاً، وفضَّل صحن الثريد على مسامحتي، ربّما كان عاشقاً وفضَّل قبلة على مراعاة حزني وندمي، ربَّما كان يودُّ أن ينام، وفكَّرت أن أنتظره لمرّات عديدة، وقلت في نَفْسي... بصراحة لم أقل في نَفْسي، كثيراً ما يكتبونها في القصص "قلتُ في نَفْسي".. "لهجتُ مع روحي".. "تحدثتُ لقلبي"، لذا حين شعرتُ بالحزن مرّتين، مرّة حينما تذكّرتُ نذالاتي، ومرّة حينما رُفِض اعتذاري، عاد لي الطريق وسمعتُ صوت عجلة الباص وهي تدورُ فوق الأسفلت، وتدوسُ ظهر الحصى، دون أيّ إحساس بالعار، فقلتُ لِنَمْضِ إذن في الطريق.

كاتب من العراق







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي