محللة سياسية: هل ستستمر اليونان وتركيا في حالة حرب أبدية في البحر المتوسط؟

د ب أ- الأمة برس
2022-07-22

تعتبر تركيا حقوقها البحرية في شرق المتوسط مصلحة وطنية استراتيجية، وهذا صحيح بالنسبة لحزب العدالة والتنمية وكذلك لأحزاب المعارضة الرئيسية (ا ف ب)

واشنطن: في العاشر من تموز/يوليو، جرى تصوير دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية اليميني في تركيا وهو يتلقى خريطة في إطار لبحر إيجة تظهر الجزر اليونانية حتى جزيرة كريت (على بعد 225 ميلا على الأقل) على أنها تركية، مرسومة بالهلال والنجمة اللذان يميزان العلم التركي. ورد رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس على موقع تويتر متسائلا "هل هو حلم بسبب الحمى لمتطرفين أم السياسة الرسمية لتركيا؟ هل هو استفزاز آخر أم هدف حقيقي؟".

وقد تلقى بهجلي الخريطة هدية من جماعة "الذئاب الرمادية"، وهي جماعة تركية قومية متطرفة تابعة لحزب الحركة القومية، الشريك الأصغر لحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان.

وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، قالت الدكتورة بورجو أوزتشيليك، الباحثة في جمعية هنري جاكسون والمحاضرة في جامعة كامبريدج البريطانية، إن التوترات تتصاعد بين اليونان وتركيا منذ عدة عقود، إلا أنها تفاقمت بسبب اكتشاف حقول واسعة من الغاز في شرق البحر المتوسط، وهو ما أدى إلى تفاقم مشكلة المناطق البحرية المتداخلة. وفي الأشهر الأخيرة، أضاف الغزو الروسي لأوكرانيا وتدافع أوروبا لتأمين بدائل لواردات الطاقة من موسكو رغبة ملحة للاستفادة من احتياطيات الغاز البحرية الكبيرة في المنطقة.

ومع امتلاك ساحل بطول 5200 ميل، أطول من الحدود الامريكية المكسيكية، أعربت تركيا بشكل مستمر عن خيبة أملها لكونها محاصرة ومستبعدة في منطقة شرق المتوسط ولم تتردد في ممارسة قوتها العسكرية للدفاع عن عقيدة الوطن الأزرق التركية المثيرة للجدل. ويتركز العداء طويل الأمد بين أثينا وأنقرة حول العديد من الصراعات المستمرة منذ فترة طويلة والتي لا يبدو أنها تقترب من حل يتعلق بالتوصل لتسوية سياسية بشأن قبرص، وترسيم الحدود البحرية للمناطق الاقتصادية الخالصة المتنازع عليها في شرق البحر المتوسط ، وعدم ارتياح أنقرة إزاء إضفاء الطابع العسكري على الجزر التركية في بحر إيجة، في انتهاك للمعاهدت الدولية.

وأشارت الباحثة أوزتشيليك أنه يمكن بسهولة حدوث مواجهة عسكرية بين الجانبين ، على الرغم من آلية فض الاشتباك الخاصة بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، بين الدولتين العضوين في الحلف. ويرى جورج تزوجوبولوس، الباحث المتخصص في الجغرافيا السياسية الإقليمية للطاقة، أن العلاقات اليونانية التركية دخلت دوامة خطيرة في العامين الماضيين. وعلى الرغم من أن أنه أمر مرجح الحدوث على الفور، من الممكن وقوع أي حادث عسكري في أي وقت في شرق المتوسط، وربما يعتمد التصعيد بدرجة كبيرة على قدرة الولايات المتحدة على حماية الجبهة الجنوبية الشرقية للناتو.

ورأت أوزتشيليك أن هناك صراعا يلوح في الأفق ويخيم على نزاعات السيادة البحرية بين الجانبين، وهو الصراع على جزيرة قبرص، المقسمة بين جمهورية قبرص، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، وجمهورية شمال قبرص التركية، التي لا تعترف بها سوى تركيا. ويكمن الإجماع طويل الأمد بين الأطراف المعنية في أنه بدون تسوية سياسية لأزمة قبرص، لا يمكن إبرام اتفاق للطاقة يشمل قبرص (وبالتالي اليونان) وتركيا. إلا أن غزو روسيا لأوكرانيا غير بشكل جذري حسابات الطاقة بالنسبة لأوروبا. وربما يكون الوقت قد حان لعكس النهج الصفري وإقامة خط أنابيب يربط الغاز القبرصي والإسرائيلي بتركيا، والتي يمكن بعد ذلك أن تنقله إلى الأسواق الأوروبية عبر خط أنابيب الغاز الطبيعي الموجود بالفعل والذي يعبر منطقة الأناضول، قبل التوصل إلى تسوية شاملة، وليس بعد التوصل إليها.

ومع استمرار النزاع بين اليونان وتركيا، ظهرت إسرائيل كدولة مؤثرة في شرق المتوسط. فقد تسارعت عملية بناء تحالف استراتيجي في شرق المتوسط على محورين خلال العقد الماضي: اليونان وقبرص وإسرئيل من جانب ومصر وإسرائيل من جانب آخر. وتمتلك إسرائيل حقلين عاملين للغاز قبالة ساحل البحر المتوسط باحتياطيات من الغاز الطبيعي تقدر بـ690 مليار متر مكعب.

وأشارت المحللة السياسية أوزتشيليك إلى وجود رغبة مشتركة بين اليونان وإسرائيل لتعزيز فرص تصدير الغاز إلى الأسوق الأوروبية. وهناك عامل آخر وهو الشك في حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا، وهو ما تمت ترجمته إلى اتفاقات تجارية في قطاع الأمن.

في غضون ذلك، يمضى التعاون الثلاثي في مجال الطاقة قدما، حيث سيربط مشروع ربط بين أوروبا وآسيا، وهو مشروع كابل بطول 1500 كيلومتر تبلغ تكلفته 825 مليون دولار أسفل البحر المتوسط شبكات الكهرباء الخاصة باليونان وقبرص وإسرائيل ومن المقرر أن يكتمل في عام 2024 . وفي حزيران/يونيو الماضي، وقعت إسرائيل ومصر والاتحاد الأوروبي اتفاقا في القاهرة لتعزيز صادرات الغاز إلى أوروبا. ويعتمد هذا على اتفاق بقيمة 15 مليار دولار تم إبرامه في 2018 يسمح لإسرائيل بتصدير الغاز من حقلي تمار وليفياثان البحريين إلى مصر، حيث يتم تسييله ثم شحنه إلى الدول الأوروبية. وأشار مسؤولون في الصناعة إلى أنه من المتوقع أن تضاعف إسرائيل إنتاج الغاز إلى حوالي 40 مليار متر مكعب سنويا مع توسيع نطاق مشرعات الانتاج وتشغيل حقول جديدة.

وقالت أوزتشيليك إنه مع استعداد تلك الدول للانتخابات، تظل المحادثات أفضل خيار لإدارة خطر حدوث مواجهات عنيفة في شرق البحر المتوسط وتسهيل التوصل إلى حل استراتيجي للطاقة. وسيكون بحث سبل ضم تركيا إلى الشراكات الإقليمية لتنمية الهيدروكربونات مثل منتدى غاز شرق المتوسط بادرة حسن نية؛ تعني أنه سيكون بإمكان كل الأطراف حفظ ماء الوجه ومنح تركيا فرصة لإثبات التزامها بالحوار وليس إطلاق التهديدات.

وبينما هناك حالة من الرفض بين القادة الأوروبيين للانخراط مع الرئيس التركي اردوغان، يجب أن تمنح الأولوية للتركيز على النتائج. فقد غيرت حرب روسيا غير المبررة ضد أوكرانيا بشكل مفاجئ توقعات الطاقة بالنسبة لأوروبا.

وتعتبر تركيا حقوقها البحرية في شرق المتوسط مصلحة وطنية استراتيجية، وهذا صحيح بالنسبة لحزب العدالة والتنمية وكذلك لأحزاب المعارضة الرئيسية. وحتى إذا حدث تغيير في الحكومة، فإنه من المرجح ألا تتغير هذه الرؤية في ظل تولي حزب حاكم مختلف المسؤولية.

واختتمت الدكتورة بورجو أوزتشيليك تقريرها بالقول إنه في ظل توجه الدول الأربع، اليونان وقبرص وإسرائيل وتركيا، إلى عام انتخابات شديدة التنافس، فإن الحفاظ على الوضع القائم الهش ربما يبدو أفضل رهان. إلا أن احتواء اندلاع أي صراع مستقبلي ليس حلا مرضيا على المدى البعيد، ويجب أن يكون التركيز على حلول جريئة وإبداعية. وفي أي دورة انتخابية ، يكون خطر حدوث أزمة امرا تصاعديا ومكلفا للغاية في الوقت نفسه.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي