الناقد الأردني سلطان الخضور: سيتداعى الشعر العربي طالما أننا نصفق للكاتب لا للنص

2022-07-16

حاوره: نضال القاسم

الأكاديمي الأردني سلطان الخضور ناقد وناشط ثقافي مؤثر، حيث لاقت أعماله الكثير من الاهتمام، سواء على مستوى القراءة أو النقد. ونحاول من خلال الحوار التالي تسليط الضوء على كتاباته، وإضاءة على أهم أعماله النقدية والفكرية..

بداية.. كيف تقدم نفسك إلى القارئ العربي؟

أقدم نفسي كإنسان عربي  “مسلم”، عاش اللجوء بقساوته، كان يحلم بوحدة الأمة، صفعه الزمن وسبب له صدمة، إلا أنه تمكن من شق طريقه بعد أن أزال الركام عن جنبيه، نشأ في أسرة فقيرة، عاش مرارة الظروف وحولها إلى فرص، كان مطالعا جيدا، عانى من المراهقة الفكرية كثيرا، ومر بكل الأجناس الأدبية إلى أن استقر به الأمر ناقدا أدبيا واجتماعيا.

وما المؤثرات التي لعبت دورا في توجهك إلى النقد تحديدا؟

بدأت شاعرا، وتقلبت على صنوف الأدب فنثرت وبحثت وأعددت الكثير من الدراسات الأدبية، وكانت تجربة الزملاء محفزا لي كي أسبر أعماق نصوصهم، واستطيع القول إن التأثير جاء من التنوع في النصوص واختلاف مستوياتها وأجناسها، ما شكّل لديّ حصيلة معرفية أدبية أعتز بها.

إذا كان لكل منتج فكري وثقافي خصوصية، فما هي خصوصية كتابك «بوح الخواطر»؟

تسألني عن البكر من أبنائي، فـ»بوح الخواطر» كتاب في النقد الاجتماعي احتوى على سبع وثمانين مقالة، تعرضت فيها لمفاهيم الانتماء والحرية والعدالة وتكافؤ الفرص وحقوق الإنسان والحاجة لحرية التعبير، عبّرت فيها بما جال في خاطري، بالإضافة لمشاهدات سلوكية يومية خاطئة كان لا بد من الإشارة إليها. وإذا كان هذا هو الكتاب الأول، وقد جاء بعده العديد من المؤلفات، فأنا أعكف حاليا على إصدار كتاب يحوي مجموعة الدراسات والأبحاث التي شاركت في معظمها بمؤتمرات محلية ودولية.

كيف تواجه نصا نقديا؟ وكيف تشعر بأنك أمام إبداع حقيقي؟

حقيقة أنا أعاين النص مرات عديدة، حتى أضع يدي على جمالياته ومواطن الإبداع فيه، وكثيرا ما أبحث عن مصادر المحتوى، وعن المعلومة المختبئة خلف المفردات أقلبها بهدوء، سعيا للوصول إلى الحقيقة فأبرزها، وأقدمها للمتلقي بتفكير ناقد وبرؤية واضحة، والناقد في رأيي باحث مختص بالأدب، همه الكشف عن مواطن الإبداع.

وأنت تكتب، هل تستحضر المتلقي؟ وهل تمارس نوعا من الرقابة على ذاتك؟

خلال الكتابة استحضر الثنائي الأدبي الكاتب والمتلقي، وبالنسبة لممارسة الرقابة نعم، لست ناقدا منفلتا، أدرك التنوع الاجتماعي والديني والطائفي والمذهبي والقيمي، وأجعلها محددات يجب أخذها بعين الاعتبار.

مهمة الناقد هل هي دراسة النص وتفسيره، أم تتعدى ذلك إلى الحكم والتقويم؟

مهمة الناقد تتعدى دراسة النص وتفسيره إلى مهام أخرى كالبحث عن مواطن الابداع وجماليات اللغة، وعلى الناقد أن يبحث عن علاقات النص في بيئته وبيئة كاتبه، وقد يضبط المتلقي الحكم من خلال النقد، وبالتالي يكون النقد تقييما بهدف التقويم.

ماذا عن علاقة النقد بالإبداع، هل هو تابع له أم متبوع؟

يسير النقد والإبداع في خطين متجاورين، متلازمين ممتدين، وليس بالضرورة البحث في علاقة التبعية، وكل منهما عنصر أساس من عناصر العمل الأدبي.

كيف تقيّم النقد الذي تحركه انتماءات دينية أو سياسية أو أيديولوجية؟

النقد الذي يبحث عن حواضن من هذا النوع، والذي يحاكم النص دون أي اعتبار عدا الأدب لا يكون موضوعيا، وحتما سينتج حكما مسبق الدلالات، والانتماءات التي ذكرت هي مؤشرات دالة على نتيجة ليست محايدة لا تخلو من الانحياز.

وكيف تنظر إلى وضعية النقد الأدبي اليوم في الأردن؟ وهل صحيح أن النقد يمر بأزمة وهذه مرتبطة بعدة أزمات أساسية يمر بها عالمنا العربي؟

ليس النقد بمعزل عن بقية الأجناس الأدبية، وقد اتفقنا مسبقا على أزمتي الشعر والرواية، والأسباب التي ذكرناها ساهمت بشكل مباشر بوجود أزمة النقد الأدبي، وقد استثني المغرب والجزائر من هذه الأزمة لأني ألاحظ التخصصية الدقيقة في اختيار المواضيع النقدية لمناقشتها سعيا للوصول لحالة نقدية دقيقة.

وهل هناك أزمة ثقافة أم أزمة مثقفين، وكيف ترى مسؤولية المبدع في صنع المستقبل العربي؟

نعم لدينا أزمة ثقافة بحكم التربية، نحن لا نهتم بالتنمية الثقافية، والنتيجة فك ارتباط بين الأجيال والمكتبات، وهذه الأزمة مع وصول التكنولوجيا الحديثة والهاتف الذكي، أعطت فرصة لغير المثقف لدخول هذا المعترك، ونتيجة لذلك ولدت أزمة المثقفين، ونحن نتحمل جزءا من المسؤولية.

إلى أي حد يرصد الكاتب حركة المجتمع؟ وإلى أي مدى يمكن أن يحدث تغييرا في مجتمعه؟

مشكلتنا في العالم العربي أننا نشأنا في مجتمعات لا تهتم بالكتاب ولا تعنى بالثقافة، هي مسؤولية القائمين على وزارات التربية والثقافة العربية، لم يخططوا لردم الهوة بين الفرد والكتاب، والكاتب الجيد طبيب أدبي جيد، يحاول أن يضمد الجراح ويكتب الوصفة الأدبية التي يتوخى أن تحدث فرقا، لكن الصيدليات الثقافية الجادة قليلة جدا ما يقلل من تأثير الوصفات.

لا يزال الجدل قائما، في مشهدنا الثقافي العربي، حول الحداثة والمعاصرة والموروث. ما رأيك في هذا الثالوث؟ وفي رأيك، هل تشكل الحداثة قطيعة مع الماضي؟

أمتنا لا تعيش بمعزل عن العالم، أمة لها تاريخها وثقافتها بما فيهما من سلبيات وإيجابيات، والحاضر امتداد متصل بالموروث، والموروث ليس مقدسا، قد يحتاج إلى تعديل، ولا بد مع الاشتباك مع الثقافات الأخرى بما يحافظ على هويتنا ولا يذيبها، والمعاصرة تعني توظيف كل ما هو جديد لصالح مشروعنا الثقافي لا على حسابه، وحجة عصر السرعة حجة باطلة، جعلت البعض يقلد ويخلع رداءه دون حاجة، لماذا لا نتأنى ونحافظ على قوة وقع وتأثير المفردة العربية، لاسيما أننا نشتكي من أزمة الثقافة والمثقفين.

في الوقت الذي يتحدث فيه الغرب عن مرحلة «ما بعد الحداثة» في الأدب، هناك من يرى بأننا كعرب لم ندخل بعد مرحلة «الحداثة» نفسها، فإلى أي مدى يمكن اعتبار مثل هذا الحكم دقيقا في رأيك؟

ليس المهم التحول الزمني، بقدر أهمية إعمال الفكر واستخدام الأدوات اللازمة، وصهر نتاجات الحداثة بما يفيد، لتسهم في خلق جيلٍ واعٍ يستطيع مجابهة تحديات العولمة ويدرك حركات الجغرافيا والتاريخ والتكنولوجيا ويستثمرها لصالحه، ونحن في المجمل متلقون لنتاجات الحداثة فما بالك بما بعدها.

يمر الآن العالم العربي بمتغيرات عديدة وسريعة، أثرت دون شك في الحياة الاجتماعية والثقافية لشعوبه. فما هو موقف الشعر العربي من هذه المتغيرات، وهل يتداعى حقا كما يقول البعض؟

سيتداعى الشعر العربي حتما، طالما أننا نؤمن بأن نثر الكلمات بطريقة القصيدة دون فكر أو فكرة واعية ومؤثرة هو شعر، وطالما أننا نصفق للكاتب لا للنص، وطالما أن المنبت والنوع الاجتماعي هو المعيار.

وما السر في تراجع الشعر أمام الرواية؟ ولماذا حازت الرواية العربية اهتمام النقاد أكثر من الشعر؟

الشعر عمود سنام الأدب، والشعر موهبة، والشعر الحقيقي عالي التوصيف، وليس من السهل تملك أدواته، وكتابة الرواية ليست بالأمر السهل، إلا أن أدوات السرد النثري القبض عليها أسهل من القبض على أدوات الشعر، ما زاد عدد الروائيين وقلل عدد الشعراء، وما جعل الرواية تأخذ حيزا أوسع، إلا أننا نستدرك فنقول إن الروائيين الحقيقيين قليلون، فليس كل سرد نثري قصصي طويل هو رواية، ومن يطلع على بعض الروايات العالمية مثل «أوليفر تويست» لديكنز مثلا يدرك ذلك، وهذا لا يعني عدم وجود بعض الأعمال الروائية الجادة.

تجربة الغربة.. ماذا منحتك، وأي خسارات سببت لك؟ وكيف أثرت إقامتك في سلطنة عُمان في تجربتك الإنسانية والنقدية؟

الغربة تمنحك فرصة البحث عن لقمة العيش وفرصة الاطلاع على ثقافات أخرى، تساعد على الوقوف على مستويات وأنماط التفكير، والشعب العماني الشقيق شعب ودود، علّمني الصبر والقدرة على التحمل، ورغم مشاركاتي بأمسيات وأنشطة ثقافية هناك، إلا أن البعد عن الوطن فصلني لسنوات ثمان عن ممارسة العمل الاجتماعي والخيري وولّد لديّ حالة انفصام مع الذات.

ولو عادت بك الأيام مرة أخرى إلى الماضي، هل كنت ستقرر أن تصبح ناقدا؟

أنا أتعايش مع المألوف اليومي بالقدر الذي لا يراكم صدماتي وإحباطاتي، ولو عادت بي الأيام لسلكت طريقا آخر، وطريق الأدب والنقد هو جزء من تركيبتي الفكرية والنفسية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي