في ديوان «عشب مكسور من وسطه»: الشعر معاناة كبرى

2022-07-13

عاطف محمد عبد المجيد

في عوالم الشعر، هناك شعراء يأخذونك بنصوصهم، إلى حدائق المتعة وبساتينها، متجولا بين شتى أنواعها، وهناك آخرون تضعك كتاباتهم على مقصلة الآلام والأوجاع، شاعرا وأنت تقرأ نصوصهم بمعاناتهم، أو المعاناة التي يصورونها، وبعذابهم الذي لا ينتهي. من هنا ندرك أن الشعر معاناة كبرى وجحيم أبدي، في أكثره، لا جنة.

وديوان «عشب مكسور من وسطه» الصادر ضمن سلسلة إبداع عربي عن الهيئة المصرية العامة للكتاب للشاعر السوري عارف حمزة، أحد هذه الدواوين التي تحمل نصوصها وجعا، أو قُل إنها كُتبت به، تشعر به الذات الشاعرة وتُصدّره لكل من يتلقى هذه النصوص. في نصوص كثيرة هنا يرسم عارف حمزة صورة مؤلمة للحرب السورية، ومدى تأثيرها المفجع في المواطن السوري، وتحويله من إنسان عادي يعيش على أرضه في سلام وسكينة، إلى إنسان يقاسي ويلات الحرب، ويُشرد عن أهله، ويُنفى عن وطنه، وتُلقي به أرض إلى أخرى:

« البيوت أيضا ماتت بسبب القصف

لذلك ذهبنا ودفنّاها

قبل أن تبدأ هي أيضا بالتفسخ

إذا مات البحر ماذا نفعل؟

كنا نسأل بعضنا

ونحن نقضي حياتنا

خلف الجنازات».

«أطفال سوريون يلعبون على شاطئ هذا البحر

كلهم

من مدن

أطلت فجأة

على بحر من الدماء».

«نجونا من القصف

وصارت حياتنا أبعد

من أن نستعيدها

كانوا مثل نباتات منزلية

وكنا مثل حشائش في العراء

الحياة فقط

كانت تفصل بيننا».

لكن تُرى من يخاطب عارف حمزة في نصه هذا:

« كنت أحب

أن تكون الحياة طويلة

مثل التفاتتك إليّ؟»

هل يخاطب محبوبته، أم بلدته التي رأى الحرب وهي تمزقها أشلاء، فغادرها كمواطن سوري مغلوب على أمره؟ أم هو يخاطب قصيدته التي خلدت هذه الأحداث بكل ما تحمله من مرارات وفظائع؟ حمزة يلخص حياة المواطن السوري، بعد اندلاع الحرب، حين يقول:

« أنا وحيد الآن

لم يعد لديّ بلد

جارتي أصبحت وحيدة

لم يعد لديها كلب».

هنا يقارن حمزة، ساخرا، بين حياة الرفاهية، ومعايشة الحرب بما تخلّفه من دمار على الأرض وآثار نفسية في أرواح البشر. غير أن قمة المرارة تتجلى في هذا المشهد الذي يُري أن المواطن السوري حين سيعود إلى بلده سيشعر بأنه لاجئ، وليس مواطنا كما كان من قبل، لأن حال البلد تغيّر ولم يعد مثلما كان في الماضي القريب:

« لن أعود لبلدي مواطناً سوريّاً

إذا انتهت الحرب

لا كرديّاً ولا عربيّاً

سأعود إليه لاجئاً».

عارف حمزة لا يكتفي بهذا، بل يصور قسوة الحياة عليه، وعلى من يعيشون ظروفه نفسها قائلًا:

« يبدو أن الحياة

لديها أعمال

أكثر أهمية من حياتنا».

كذلك يسخر حمزة من الجميع الذين فقط يقومون بدور المتفرج على ما يحدث دون أن يحركوا ساكناً، وهم عاجزون عن صنع أي شيء ينقذ غيرهم مما هم فيه من أزمات:

« الطفلة التي ماتت

من البرد

ماذا وضعوا في قبرها

كي لا تشعر بالبرد؟».

كما يصور الواقع وقد اكتسى بالسواد من جراء ما يحدث:

« لا نحتار في ثيابنا

فكلها صارت سوداء».

كما يصور الحياة في المنفى وما فيها من برد وبرود يسيطران عليها، إذ لا يشعر أحد بأحد، وحيث لا يعرف هو أحداً ولا يعرفه أحد:

« ليتني لمْ أولد في هذا العالم

ليتني ولدت

مباشرة

في العالم الآخر».

وهكذا أخذنا عارف حمزة في رحلة مؤلمة، وضعنا فيها تحت الأنقاض حيناً، وحيناً على شاطيء البحر، خارج الوطن، وخلف الأسلاك الشائكة، أسفل القذائف وتحت القصف. رحلة حدثنا فيها عن الحرب والألم والمنفى واللجوء إلى الآخر، عبر قصائد تمتاز ببساطة اللغة وقسوة المعنى، غير آبهة بالزخارف الجمالية المبالغ فيها، ناقلةً إلى المتلقي المرارة التي تحس بها وتعايشها الذات الشاعرة:

« متى يأتي عُمّالك

ويرفعون عني

هذه الأنقاض؟»

كاتب مصري









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي