«هل تحبين برامس» لفرانسواز ساغان: الحب في مواجهة الحرية

2022-07-02

رند علي

بين الأدب وعلم النفس رابط جوهري وهو سلوك الإنسان ودواخله، ففي البدء كان الأدب النفسي نوعا من الترفيه عن النفس. ومن الصعب القول إن هناك أدباء بعينهم درسوا علم النفس بشكله التجريدي وأمسكوا بأقلامهم ثم صاغوا لنا أدبا يعبر عن مشاكل النفس. لا، الأمر ليس بهذه الطريقة، لأن صراع الإنسان وحيرته واضطرابه مع نفسه هو أمر بالغ الحيرة والتعقيد، فما يشغل الإنسان في وقته الحالي وصراعاته ويمثل حيزا كبيرا من جزئه الداخلي هو ما كان الأدباء يهتمون ويحاولون علاجه في أعمالهم الأدبية منذ الأزل.

بين الحب والحرية

هل يمكن أن يكون الحب عدوا للحرية؟ وهل يمكن أن يكون المرء سجين حريته؟ هذه الأسئلة تطرحها رواية «هل تحبين برامس» للكاتبة الفرنسية فرانسواز ساغان الصادرة عن (دار المدى) وهي رواية نفسية عميقة الدلالة مثل أغلب روايات ساغان، تناقش فيها الذات الكاتبة عدة مواضيع، لها أبعاد نفسية مثل مشاعر الخوف من التقدم في السن مع عدم الاستقرار العاطفي، الرغبة، الحرية والحب من طرف واحد.

على مسرح الرواية ثلاثة أبطال تتراوح مصائرهم بين عدة احتمالات والشكُ في حقيقة مشاعر المُقابل. ومنذ بداية الصفحات الأولى للرواية نلاحظ أن طابع الحزن الشفيف يسيطر على أجوائها المفعمة برائحة العزلة، فبطلة الرواية (پول) بلغت الأربعين من عمرها وهي تعيش في علاقة عاطفية مع حبيبها (روجي) الحبيب المقيد بحريته. روجي العاشق للحرية الملول الذي يضجره الالتزام والتكرار، الذي يملأ أيامه بالعمل والنساء، ورغم هذا لا يستطيع أن يستغني عن حبيبته پول، يتركها لأيام، يغض النظر عن مسؤولياته تجاهها، فهو يعلم عمق حبها له ومدى تأثيره فيها، لكنه لا يكترث بشعورها ومخاوفها وإحساسها بالوحدة واحتياجها كأمرأة إلى وجود حبيبها إلى جانبها. «لا يمكنها أن تعترف لروجي بأنها متعبة، بأنها لم تعد تحتمل هذه الحرية التي تسود بينهما كقانون، تلك الحرية التي لا تخدم غيره والتي لا تمثل بالنسبة إليها أحيانا سوى الوحدة». في هذه الرواية تصف لنا صاحبة (ابتسامة ما) حياة هادئة في العلن، لكن تعتمل بالأسئلة الضاجة والقلق في العمق. «عرف دائما كيف يقول لها ما الذي تمثله بالنسبة إليه، وأنه هكذا وأنه لا يريد أن يخفي عنها شيئا. نعم، فقد كان نزيها.

لكنها كانت تتساءل ما إذا كانت النزاهة، النزاهة الممكنة الوحيدة في هذه الحياة المستعصية، لا تقتضي أن يحب المرء كفاية، كي يجعل هدفه هو إسعاد الآخر، حتى لو عدل عن تفاصيله الأثيرة لأجل حاجة الآخر». وهكذا تظل پول تعاني من وحدتها وقلقها، ويظل روجي هاربا من مسؤولياته تجاهها، إلى أن يدق بابها الحب مرة أخرى! لكنه حب مختلف تماما عن حب روجي لها. سيمون الذي يصغرها بأربع عشرة سنة ينظم هنا إلى منظمومة السرد، وهو الشاب الذي تختبر معه پول علاقة عاطفية جديدة لكن (لماذا دائما تعشق الروح مُعذبها؟). رغم كل محاولات سيمون جعل پول عاشقة له، لكنها لم تحبه بقدر إعجابها بحبه لها، عشقت پول اهتمامه بها ورومانسيته المفرطة معها، عشقت إحساسها عندما كتب لها رسالة سائلا إياها «هل تحبين برامس؟» ومن ثم يدعوها إلى حفلة موسيقية، ما يتداعي إلى خيال بول عندما تقرأ عبارة «هل تحبين برامس» حيث تسترجع في ذكرياتها اللحظة التى سمعت فيها تلك العبارة للمرة الأولى وهي في السابعة عشرة من عمرها.

ورغم هذا كله لا تستطيع پول نسيان روجي الذي تمنحه الكاتبة كل الحرية في الرواية، لكنه أخيرا يضيق ذرعا بحريته راغبا بالعودة إلى (پول) التي رغم أنها وجدت كل ما تتمناه في علاقتها مع سيمون، إلا ان روجي ما زال هو من يملك مفتاح قلبها.

« سألحق بك الأذى وأنا أكن ودا لك بلا حدود» ،رغم قرار پول إنهاء علاقتها مع سيمون والعودة إلى روجي، إلا أن الكاتبة توضح لنا في آخر مشهد من مشاهد الرواية أهمية الاهتمام بالحب، فالاهتمام هو الذي يجعل الروح تزهر، سيمون مع أنها لم تبادله المشاعر نفسها، إلا أنه كان رمزا للعاطفة الجامحة والشباب في حياتها. «خرج سريعا تاركا أغراضه. لحقت به. مالت على الدرابزين، صرخت باسمه: سيمون سيمون، وأضافت دون معرفة السبب: سيمون أنا عجوز. أنا الآن عجوز». تمت معالجة الرواية سينمائيا فتم تحويلها إلى فيلم بعنوان Goodbye Again عام 1961.. مثله إنغريد بيرغمان وأنتوني بيركنز.

فرانسواز ساغان (21 يونيو/حزيران 1935 – 24 سبتمبر/أيلول 2004) اسمها الحقيقي فرانسوا كواريه، هي كاتبة مسرحيات، روائية وكاتبة سيناريو فرنسية. امتدحها فرانسوا موريا على الصفحة الأولى في جريدة «لو فيغارو» بوصفها «وحشا صغيرا آسرا». اشتهرت ساغان بالمواضيع العاطفية القوية لشخصيات ثرية وبورجوازية ضائعة. تُعد فرانسواز ساغان من أبرز الشخصيات الأدبية في النصف الثاني من القرن العشرين، بسبب موضوعاتها وأسلوب حياتها الشخصية.

كاتبة عراقية







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي