قراءة في كتاب: «في الفكر العربي المعاصر وأسئلته» لعبد اللطيف فتح الدّين

2022-07-02

المهدي مستقيم

نظّم رواق جامعة الحسن الثاني ـ كلية الآداب والعلوم الإنسانية في نمسيك- لقاءً حول كتاب عبد اللطيف فتح الدّين: في الفكر العربي المعاصر وأسئلته، في رحاب المعرض الدولي للكتاب الذي نظمت دورتهُ 28 في مدينة الرباط. وافق هذا اللقاء يوم الجمعة 10 يونيو/حزيران 2022، وقد عرف مشاركة الأساتذة: سعيد بنتاجر (بالنيابة عن ابتسام براج)، وخالد لحميدي، والمهدي مستقيم، وأدار أعمال هذا اللقاء محمد زكاري، بحضور المؤلف عبد اللطيف فتح الدين الذي ألقى كلمته في آخر اللقاء.

يوضحُ خالد لحميدي في معرض قراءته للمؤلف أن عبد اللطيف فتح الدين يستأنف، هذه المرة، الحفر في الموضوع نفسه الذي دأب على النظر فيه، لكن هذه المرة من مدخل الفكر العربي المعاصر، باعتباره لحظة مفصلية فيها أينعت جذور الكثير من الأطروحات المتعلقة بقضايا الفكر العربي التي يضج بها الواقع العربي والإسلامي، كما شكلت، اللحظة نفسها، مناسبة لتفكيك الكثير من البدهيات التي درج عليها الكثير من الباحثين من قبيل فكرة القطيعة مع التراث؛ ما دفع صاحب الكتاب ليس فقط إلى التنبيه إلى بعض جوانب القصور في المقاربات التي تناولت الشأن الإسلامي، ولكن مناقشة الامتدادات العميقة للأسئلة المرتبطة بإشكالية التراث عامة. هذا الربط الذي جره إلى التنبيه إلى العلاقة العضوية بين أسئلة المعرفة الغربية وإشكالات العقلانية النقدية. وهي علاقة تبلورت حول سؤال المنهج في دراسة التراث الديني والثقافي للحضارة الإسلامية. وترتبت عنها مجموعة من الثنائيات من قبيل: الإسلام/التراث، الدين/ الهوية، الثقافة/السياسة؛ وبتعبير آخر الدين والدولة، كأهم ثنائية على الإطلاق في الفكر العربي المعاصر. وهي ثنائية ما أحوجنا، حسب الباحث، إلى نقدها وتفكيك نظم اشتغالها من أجل تجاوز العوائق التي تفرضها على الوعي الحقيقي بالتراث والثقافة. وبناء عليه، اتجهت إشكالية الباحث إلى التفكير أولا في الطريق المؤدي إلى معرفة التراث. هل هو طريق العلم والمنهج المرتبط به؟ أم هو سؤال الحقيقة والوجود؟ غير أن الإجابة عن هذه الإشكالية، وهي التي تشكل أطروحة هذا البحث لا تعطى في مقولات العلم والمنهج؛ وإنما تعرض علينا كيفية حضور التجربة الدينية في التراث.

في حين ركز المهدي مستقيم في مداخلته على القسم الثاني من مصنف عبد اللطيف فتح الدين، وهو قسم يضم دراسات قيمة تناول فتح الدين في جزء مهم منها أبرز المفكرين الذين مثلوا المشهد الفكري الفلسفي المعاصر في المغرب في جيله الثاني، ونخص بالذكر: عبد الإله بلقزيز، محمد سبيلا، محمد الشيخ. وهي أسماء أغنت المتن الفلسفي مغربيا وعربيا بإنتاجاتها وإسهاماتها المتفردة، التي دلت على كفاءة وحنكة على مستوى البحث والإنجاز. سعيا منه إلى الكشف عن حقيقة إسهامهم الفلسفي الأصيل، الذي اتخذ من فعل المجادلة الفلسفية غاية أدت إلى ازدهار المجال الفلسفي العربي والمغربي في العقود الأخيرة. يمكن تصنيف الإسهامات الفلسفية المغربية في جيلها الثاني بحسب استلهامها للتراث الفلسفي الكبير أو الأنظومات الفلسفية العالمية الأساسية؛ إذ نلفي عبد الإله بلقزيز ومحمد الشيخ ينطلقان في مسعاهما الفلسفي من تدبرهما الأصلي للتراث الفلسفي العربي، على حين نلفي محمد سبيلا ينطلق من التبصر في التراث الفلسفي الغربي. بيد أنّ هذا التصنيف لا يعني بتاتا أنّ التوجهين لا يبتغيان الاستناد إلى التراثين العربي والغربي في تطلب حثيث للتمكن العربي، والإفادة الأشمل، والاجتهاد المبتكر، بل كل ما في الأمر أن المنطلقين من التراث العربي صرفوا جهدا عظيما في استنطاق التراث هذا، والإلمام بمسائله ودقائقه من دون أن يتغافلوا عن إسهامات التراث الفلسفي الغربي. وكذلك القول عن حالة محمد سبيلا، حيث الانطلاق من التراث الغربي، ولئن غفل عن الاعتناء الدقيق بالنصوص الأصلية التي يزدان بها التراث الفلسفي العربي.

دارت مداخلة ابتسام براج التي، ألقاها سعيد بنتاجر، حول إشكالية الدولة الوطنية الحديثة، إذ اعتبرت أن فتح الدين ناقش الإشكالية تلك في جلّ الدراسات المؤلفة لهذا الكتاب؛ سواء بشكلٍ مباشرٍ، كما هي الحال في دراسته حول الاجتماع السياسي العربي عند عبد الإله بلقزيز، أو بشكلٍ غير مباشرٍ، من خلال مشاريع سياسية أخرى؛ فهو، مثلاً، حين بحث في الحضور الديني في الاجتماع السياسي عند ناصيف نصار، كان يبحث في الدولة الوطنية. والهمّ الفكريّ، عينه، كان وراء بحثه في الإسلام من خلال مشروع محمد أركون: الإسلاميات التطبيقية. كما نعتقد أنه حين ناقش مفهوم التراث عند علي أومليل، ما ابتغى غير الدولة الوطنية الحديثة؛ فالدولة تلك لا تقوم من دون حسمٍ مع التراث، أو بعبارة يورغن هابر ماس، من دون تملّكٍ واعٍ لمعطيات التراث؛ بحيث يُهذب ويُشذب، ولا يبقى منه إلا ما يصلح للبقاء في جوِّ التعدّد الاختلاف. كما كانت الإشكالية، نفسها، وراء مناقشة فتح الدين لقضية الذات الفردية والجماعية، عند العروي، تلك التي يقوم الاجتماع السياسي العربي بها ومن أجلها. والأمر، عينه، يمكن للقارئ أن يلاحظه في دراسات فتح الدين عن العلمانية وإشكالية التعدد الثقافي، حيث ناقش، بشكلٍ نقديٍّ، أهمّ أطروحات الفلسفة الغربية المعاصرة في هذا الباب.

وكان ختامُ اللقاء بكلمة ألقاها عبد اللطيف فتح الدين جاء فيها ما نصُّه: “وبالفعل، فإن كتابي هذا الذي أتشرف بتقديمه اليوم أمامكم، إنما هو عبارة عن “فصول منتَزَعة في الفكر العربي المعاصر”. ولن أستفيض في هذه الكلمة المقتضبة في بَسْطِ الحديث عن كتابي هذا مكرِّرا لما تتناوله هذه “الشلة” من شباب متفلسفة المغرب اليوم، وإنما سوف أتطرق إلى بعض الجوانب المنهجية تتمةً وتكملةً لصورة أرجو أن تكون جلية عن مضمون هذا الكتاب. ذلك أن السامع عادة ما لا يريد أن يقف عند “المُعَبَّر عنه” في هذا الكتاب، وإنما يريد أن يتجاوزه إلى “اللامُعَبَّر عنه” فيه؛ تَيَمُّنًا بتمييز الفيلسوف الفرنسي الشهير ميشيل فوكو بين “المُفكَّر فيه” و”اللامُفَكَّر فيه”، وقبل هذا وذاك، أودُّ التنبيه، بداية، إلى أنني تناولتُ بالأساس في هذا الكتاب جيلين من أجيال مفكري العرب المُحدثين: جيلٌ أَسَنٌّ هو جيل الجابري والعروي وأومليل ونصار وبدوي وأركون. وقد خصصت لكل واحد منهم فصلا ـ وجيل أَشَب هو جيل بلقزيز والشيخ وغيرهما ـ وقد خصصتُ لهما أيضا فصلا فصلا. لكنني أجد نفسي اليومَ محاطا بجيل أشب من هذا الجيل هو جيل برّاج ولحميدي وزكّاري ومستقيم.. بما دل على أن الفلسفة بخير في هذا البلد ما دام البلدُ قادرا على إنتاج مثل هذه “الشلة” من الشباب، التي إذا كان لي أن أُشَبِّهَها، فإني أشبهها بجماعة أصدقاء نجيب محفوظ الذين كانوا يحيطون به في مقهى شهير على النيل، والذين سماهم ـ تَحَبُّبا ـ باسم جماعة “الحَرافيش”.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي