«في النظرية السياسية النسوية»: من تجارب وآثار النضال النسوي

2022-06-23

محمد عبد الرحيم

العديد من الكتب المُترجمة إلى العربية تناولت تعريف (النسوية) وما تهدف إليه، بل وانعكاسها مؤخراً على نساء الشرق الأوسط. تاريخ طويل من النضال النسوي على اختلاف المعايير والأهداف. والقليل منها الذي كُتب مباشرة بالعربية، ومنها كتاب.. «في النظرية السياسية النسوية.. البُنى الفكرية والاتجاهات المعاصرة» للأكاديميين العراقيين رعد عبد الجليل وحسام الدين مجيد. وقد حاول المؤلفان طوال صفحات الكتاب تتبع مصطلح (النسوية) وتحولاته وتطوراته، وآثاره التي تجاوزت الغرب إلى دول العالم الثالث، خاصة في ظل سياسة ما بعد الحداثة.

من ناحية أخرى جاء المنهج البحثي للكتاب موضحاً الكثير من النقاط والمسائل المتعلقة بموضوعه، خاصة نشأة وتاريخ المصطلح وتأثره بالمناهج والمدارس الفكرية والفلسفية المختلفة. صدر الكتاب ضمن سلسلة (عالم المعرفة) التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، في الكويت ـ عدد إبريل/نيسان 2022.

مصطلح الـ Feminism

يعود أول استخدام للمصطلح إلى الفرنسية هيوبرتين أوكليرت عام 1882، واستخدم للإشارة إلى التزام أيديولوجي بالعمل على تحقيق المساواة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين الرجال والنساء، سواء كان ذلك داخل البلد الواحد أم عبر العالم. ورغم ذلك هناك العديد من الآراء التي ترى أن المصطلح يسبق ذلك التاريخ بكثير، وصولاً إلى أوروبا القرن الخامس عشر، إلا أن الملاحظ على هذا المفهوم أنه ينقسم إلى اتجاهين.. النسوية بمعناها الخاص، المتمثل في كونها (نظرية) وبمعناها العام كونها (حركة). ويتم تعريف الاتجاه الأول بأنها نظرية سياسية قائمة على أساس المساواة، وتطالب بأن تحوز النسوة حقوقهن القانونية والسياسية والاجتماعية، التي حُرمن منها على مدار التاريخ. أما المعنى العام، فيعني المناضلة من أجل المرأة وحمايتها، وهذا الفعل ليس اختيارياً، بل أمراً واقعاً. فالحركة ساعية إلى إعادة تنظيم العالم على أساس المساواة بين الجنسين في جميع العلاقات الإنسانية. بمعنى.. الإدراك التام لعدم ملاءمة تشويهات الأيديولوجيات التي أوجدها الذكور، ثم مواصلة التفكير والعمل على أساس هذا الإدراك. وهي بذلك تتعدى كونها حركة سياسية، إلى حركة اجتماعية نقدية وثورية.

النوع الاجتماعي

صاغت سيمون دو بوفوار هذا المفهوم في صيغته المعاصرة في كتابها «الجنس الآخر» عام 1949، بحيث أن «المرأة لا تولد امرأة، بل هي تصبح امرأة». ففي حين يتحدد الجنس بيولوجياً، فإن النوع الاجتماعي يتولد بفعل تأثيرات نفسية واجتماعية وثقافية، فإن كان الجنس قدراً ملازماً للمرء، فقد أصبح النوع بمنزلة الإرادة الحرة، هذه الإرادة تترتب عليها عدة آثار.. كحق الإنسان في تغيير هويته الجنسية، والاعتراف رسمياً بالعلاقات المثلية، وبالتالي الحق في الزواج المثلي وتكوين الأسر، وتبني الأطفال وتأجير الأرحام. إلا أن عدم المساواة القائمة على النوع الاجتماعي ليست أمراً محسوم النتائج طبيعياً ومنطقياً.

لم تجد الأفكار النسوية مكاناً تتطور فيه إلا الغرب، وبالتالي فالمسألة بالنسبة إلى الشرق مختلفة تماماً. ومع تبلور الهوية النسوية عالمياً، انتقلت المطالب النسوية من دائرة الدولة إلى المنظمات العالمية، وبذلك أصبحت ظاهرة عالمية لا تقتصر على الدول الغربية.

آفة التنظير

يُشير الكتاب إلى أمر مهم ولافت ـ ربما لا يقتصر على موضوعه فقط ـ وهو أن التصوّر الذي تنقله النسويات بعامة عن المرأة، هو أنها (امرأة بلا ملامح) شيء أشبه بالجماهير ككتلة صمّاء يتم تناولها أو تداولها بالحديث عنها. بمعنى أن النسويات يتجهن في خطابهن إلى النساء بصورة عامة، وبغض النظر عن تحدراتهن او انتماءاتهن، بحيث ينقلن تصوراتهن الطبقية والعرقية والدينية الخاصة إلى العالم، في الوقت الذي يُظهرن أنفسهن فيه بوصفهن المتكلمات باسم النساء عامة. كذلك تتميز النظرية النسوية ـ النظريات بمعى أدق ـ بعدم استقلاليتها، فهي تابعة لنظريات أخرى، تستمد منها أدوات تحليلها، كالليبرالية والماركسية، إضافة إلى الطابع التبريري الذي يستخدم العلم، ليس بهدف البحث عن الحقيقة، بل في محاولة إثبات صحة فروضها ودعاواها الخاصة

النسوية والمرأة العربية

لم تجد الأفكار النسوية مكاناً تتطور فيه إلا الغرب، وبالتالي فالمسألة بالنسبة إلى الشرق مختلفة تماماً. ومع تبلور الهوية النسوية عالمياً، انتقلت المطالب النسوية من دائرة الدولة إلى المنظمات العالمية، وبذلك أصبحت ظاهرة عالمية لا تقتصر على الدول الغربية. لكن.. ماذا عن النساء العربيات؟ يرى الكتاب أن معايير الثقافة السياسية المتعلقة بوضع المرأة العربية، خاصة (المشاركة السياسية) تسيطر عليها ثقافة (الهيمنة الذكورية) فرغم الدساتير والقوانين والمواثيق الدولية الضامنة لحقوق المرأة، هناك الكثير من التفاوت بينها وبين الواقع السياسي للمرأة العربية.

الأمر الأهم هنا يتمثل في النظرة إلى الحركات النسوية العربية، فقد نشأت من خلال الدولة، ودخلت الاتحادات النسوية في هيكيلة الأحزاب الحاكمة، أي أنها لا تنفصل عن الطبقة الحاكمة، وأنها جزء منها. من ناحية أخرى وتحت مُسمى (المنظمات غير الحكومية) ومسألة تمويلها من الخارج، فإن الشكوك تحيطها، بأن هذه المجموعات النسوية زائفة وعميلة للغرب، وما هدفها إلا إهدار قيم المجتمع، ومن ثمّ تقويضه لصالح الغرب. الاتهام نفسه الذي تستخدمه السلطة السياسية وتعمل على ترويجه عند خروج هذه المنظمات عن الخط المرسوم لها من قِبل الدولة، أو تجاوزها الحد.

الأمر الآخر أن الدولة من خلال مؤسساستها تختار بعضا من نساء الطبقة الوسطى، لملء مراكز بيروقراطية عُليا، بهدف إظهار تأييد الدولة لمشاركة النساء في الحكم، كما في الوزارة أو البرلمان. فهن لن يمثلن مصالح النساء، بل يضحين بها في سبيل خدمة الدولة، وبذلك باتت النسوية العربية أسيرة (النظام الأبوي العام).. الدولة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي