ما يشبه السيرة: الكتابة نوع من التحقق الشخصي

2022-06-16

عاطف محمد عبد المجيد

قد تبدو قراءة السيرة الذاتية ممتعة ومشوّقة للقارئ، فيما قد تكون مُعذِّبة ومؤلمة لكاتبها الذي يروي فيها تفاصيل حياة كاملة بحلوها وبمرها. إنها نوع من التعري أمام الجميع، وقبله أمام النفس، ما دام الكاتب يريد أن يرويها بصدق، دون أن يحذف منها ما قد يخجل منه.

والسيرة الذاتية هي نوع من الكتابة السردية، يجذب القارئ إليه، وربما بحث عنه القارئ الذي يريد أن يفيد من تجارب الآخرين، سواء أكانوا أدباء أم فنانين، أم سياسيين أم غيرهم، وهناك من يكتب سيرته الذاتية بحثا عن شهرة وذيوع صيت، لما قد تتضمنه من أحداث ومشاهد مسكوت عنها، ويقوم هو بتعريتها للجميع، وهناك من يكتبها، ولا هدف له سوى أن يبوح بما في جعبته ليتخلص مما قد يجثم على صدره جراء كتمانها، وهناك من يكتبها لينقل تجربته الشخصية، إنسانية كانت أم إبداعية، ليفيد منها الآخرون.

في افتتاحيتها لكتابها «ما يشبه السيرة» الصادر حديثا عن الدار المصرية اللبنانية، تعلن لوتس عبد الكريم أنها لا تكتب كثيرا، رغم أنها بدأت الكتابة مبكرا، وكانت تسجل ما تمر به من خواطر وأحداث. عبد الكريم التي تأخرت في نشر كتاباتها عاشت حياتها تبحث عن السؤال، وهي بطبيعتها قلقة ومتوجسة وتخشى الحرف على الورق، لأن الكتابة بالنسبة لها أمر مقدس.

حِكم الكتابة

الكاتبة التي منذ عرفت الكتابة، تبحث عن السهل العميق والبسيط الدال دون إخلال أو مرور عابر على الفكرة التي تتناولها، مشيرة هنا إلى أنها لا تزال تحفظ وتعي ما لقّنه لها أبوها من حِكم الكتابة، وأنها لا تحب الكتابة إلا عمن تعرفه، وعما تؤمن به وتعتقده من أفكار ورؤى، وأن الكتابة تضمن لها نوعا من التحقق الشخصي، رغم أنها صارت تشعر بثقل القلم وهي تكتب.

عبد الكريم تتحدث هنا كتابها فتقول إنه كتاب يمزج بين سيرتها والسيرة الغيرية للآخر الذي تنتمي إليه أو ينتمي هو إليها، وقد كتبته من وجهة نظرها الشخصية، متحلية بالموضوعية، دون تجنّ أو انتقاص ما، لأن الكتابة في هذه الحالة تتحول إلى نوع من أنواع التأريخ، كما ترى الكاتبة.

في «ما يشبه السيرة» تكتب لوتس عبد الكريم عن زوجها عبد الرحمن العتيقي الذي تزوجته عام 1975 وكانت تسمعه يقول/ إن الموت حقيقة غير مخيفة، ويجب أن يستعد الإنسان لملاقاته روحيا وماديا. كما تكتب عن الأيقونة الكويتية حصة الصباح، عن عاشق البترول أحمد زكي يماني، عن إيرما مينوتولو صديقة الملك فاروق. مثلما تكتب عن بعض المدن ومنها فرانكفورت والإسكندرية، وعن أشخاص منهم محمد عبد الوهاب، سيد مكاوي. المؤلفة التي تكتب عن حياتها التي تراها سلسلة من الأقدار والمصادفات تقول إن تعاستنا تنبع من عدم ملامستنا لجذور المشكلة في الأساس، عدم مصارحة كل منا للآخر بكل ما في نفسه، وينبع عدم المواجهة من خوف أحدنا من إغضاب الآخر، وهنا ترى عبد الكريم أن المواجهة تحسم وتوضح كل ما التبس من مفاهيم خاطئة. هنا تذكر الكاتبة أنها تتسلل أحيانا فتتمرد على القفل والمفتاح وتكسرهما وتنطلق بعيدا، تشطح وتسرح كما تريد، وتشرد وتحلل كما يحلو لها، وتبتعد ثم لا يطول بها الأمد فتعود ثانية إلى حظيرة الإيمان، متسائلة ماذا نفعل بفكر محدود وعقل مكدود وقدرة لها نهاية في كل شيء، وهذه هي مأساتنا وهذه هي حياتنا.

لوتس عبد الكريم التي تكتب هنا قائلة إن ذاتها في هذا الكتاب تصف نفسها مثلما تصف الآخرين الذين رافقوا رحلتها الحياتية والثقافية تقدم للقارئ عبر سيرتها جوانب مهمة من حياتها: هوياتها، أسفارها، مشاهير تعرفت إليهم، مدن قامت بزيارتها، أفكار آمنت بها، رؤى توصلت إليها من واقع خبرتها الحياتية، علاقتها بالكتابة وهي صغيرة وهي الآن.

الخلاص في الفن

ومما تراه الكاتبة هنا كذلك أن المصادفة تقودنا أحيانا إلى حادث كامن في اللاشعور، ليس هناك من أمل في تحقيقه، ويرتب القدر سير الأمور حتى يأتي الوقت فيتحقق ما في داخلنا بصورة لم نتخيلها. لوتس عبد الكريم متحدثة عن مدينة طوكيو تقول: لا عيب في فقر ولا ميزة في غنى، الوزير والفقير يأكلان من الطعام نفسه، ويسكنان السكن نفسه، ويلبسان الثياب نفسها، والفرد يتبع قيادة موحدة ويذوب في كيان القائد مهما يكن ذكاؤه، في المستشفى أو في الشركة أو في ديوان العمل. الكاتبة التي قتلتها الفلسفة أعواما طويلة، لا تنكر على أحد طريقته في التفكير، وتدعو من يريد سر الحياة، إلى قراءة هنري برجسون حتى يبهره تيار الحياة وسر الخلق والإبداع فيها، وتدعو من يبحث عن وجوده أن يقرأ ما قاله فلاسفة الوجودية، مؤكدة أن الفلسفة ليس فيها يوم للراحة أو للاستقرار أو للاطمئنان أو للسعادة أو للبلوغ أو للوصول، والحقيقة التي قالها شوبنهاور بعد أن يئس تماما من الوصول إلى شيء: الخلاص في الفن. الكاتبة التي ترى أن مراحل الجنون في الحياة أكثر من مراحل العقل، ولذا ينبغي التأني في اختيار الأصوب والأنسب في حياة البشر تقول، إن العلم قد يكون بالنسبة للبعض هو الغاية والتحقق والوصول، بينما البعض الآخر يتخذه وسيلة إلى المجد والمال والشهرة، وبين الغاية والوسيلة يظهر العلماء ويسقط الأدعياء. لوتس عبدالكريم التي تحسد حارس منزلها على نومه على البلاط بين الكلاب والقطط والفئران ويعلو شخيره بوجه باسم، بينما لا تنعم هي بهذه الراحة فوق سريرها الناعم متسائلة من أين يحصل على هذه الراحة النفسية العميقة مع العوز أحيانا وربما المرض والحرمان من الحياة الاجتماعية التي تحياها، قرأت لتوفيق الحكيم قوله: إن القدر يلعب بثلاث كرات هي الحصة والمال وراحة البال، ولا يمكن الحصول إلا على اثنتين منها، فماذا نختار؟

ما السعادة؟

الكاتبة التي تكره الزحام والتنافس والتفاخر سألها أحدهم ذات يوم ما السعادة فأجابت إنها في النوم العميق، لم تنم في حياتها أبدا نوما عميقا، ورأت المطارات تزدحم بالناس في عطلة نهاية الأسبوع، تؤكد إذا كانت العين هي عضو الإبصار للإنسان، فهي ينبوع ماء الروح الذي به نحيا، ومن غير نورها تظلم الدنيا، ولا يكون هناك طعم لشيء. هنا تذكر الكاتبة أن أسفارها الكثيرة ومكوثها فترات طويلة خارج مصر المحروسة حرمتها من رؤية الكثير من المدن والأماكن الجميلة في مصر التي لا تغيب عن أعين السياح. كما تكتب عن قصتها مع الصحافة وعن القراءة هوايتها الوحيدة التي كانت تزاولها في إجازات الصيف الطويلة، وعن محبتها للكتاب وللأدباء منذ الصغر، الحب الذي استمر في كل مراحل حياتها.

لوتس عبد الكريم التي تكتب هنا قائلة إن ذاتها في هذا الكتاب تصف نفسها مثلما تصف الآخرين الذين رافقوا رحلتها الحياتية والثقافية تقدم للقارئ عبر سيرتها جوانب مهمة من حياتها: هوياتها، أسفارها، مشاهير تعرفت إليهم، مدن قامت بزيارتها، أفكار آمنت بها، رؤى توصلت إليها من واقع خبرتها الحياتية، علاقتها بالكتابة وهي صغيرة وهي الآن.

كاتب مصري









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي