مع استعداد روسيا لحرب طويلة.. بوتين يستلهم استعادة بطرس الأكبر للأراضي الروسية

د ب أ- الأمة برس
2022-06-13

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ ف ب)

واشنطن: قدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رؤية واضحة تماما لاستعادة الامبراطورية، حيث رسم ملامح أهداف روسيا الاستراتيجية طويلة الأمد، في وقت يشهد حالة متزايدة من عدم الاستقرار على الصعيد العالمي.

وكان بوتين قد زار يوم الجمعة الماضي معرض انجازات الاقتصاد القومي في موسكو للاحتفال بالذكرى الـ 350 لميلاد بطرس الأكبر(بيتر العظيم) ، اول أمبراطور روسي.

وقال بوتين في كلمة له بهذه المناسبة إن" بيتر العظيم خاض حرب الشمال الكبرى طوال 21 عاما. وبدا أنه في حربه مع السويد قد أخذ شيئا منها. هو لم يأخذ أي شىء منها، بل أعاد ما كان ملكا خاصا لروسيا... وعندما أسس العاصمة الجديدة(في سانت بطرسبرج)، لم تعترف أي من الدول الأوروبية أنها أرض روسية ، بل اعتبروها جزءا من السويد. ومع ذلك، فإنه من قديم الأزل كان السلافيون يعيشون مع الشعوب الفنلندية الاوغرية، وكانت هذه الأرض تحت سيطرة روسيا".

وأضاف بوتين" من الواضح أنه من قدرنا أن نعود ونقوى أيضا. وإذا عملنا على أساس أن هذه القيم تمثل أساس وجودنا، فإنه من المؤكد أننا سوف ننجح في تحقيق أهدافنا".

ويقول الباحث الأمريكي مارك إبيسكوبوس في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إن بوتين الذي يعتبر مفهومه لمكانة روسيا في العالم راسخا بعمق في قراءته لماضي بلاده، غالبا ما يصوغ سياساته بتعبيرات تاريخية.

وكان الرئيس الروسي قد شبه نفسه في وقت سابق بالاسكندر الثالث، وهو مُحَدِث متحفظ سعى لتجنب الاشتباكات الخارجية من أجل التركيز على بناء القاعدة الصناعية والمؤسسات الداخلية للامبراطورية الروسية.

وتحدث بوتين بإعجاب عن بيوتر ستوليبين ، رئيس وزراء روسيا ذو القبضة الحديدة الذي بدأ سلسلة من الاصلاحات الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية الطموحة التي استهدفت وقف المزيد من تفكك الامبراطورية الروسية في مطلع القرن العشرين.

وأشار إبيسكوبوس إلى أنه ربما يكون بطرس الأكبر ، الذي خاض سلسلة من الحروب لتأمين مكانة الامبراطورية الروسية الناشئة كقوة أوروبية كبيرة، هو الشخص المناسب كمصدر إلهام في وقت حرب تخوض فيه موسكو صراع استنزاف طاحن في أوكرانيا.

ومع ذلك، هناك أوجه شبه تاريخية أكثر عمقا تكمن في تصريحات بوتين. فلم يكن بطرس دائما وعلى الفور ناجحا في كل عمل عسكري، ولكنه كان صارما في سعيه لتحقيق ما اعتبره أهداف روسيا الاستراتيجية الأساسية.

وقد كان بوتين يخفف من رؤيته لمصير روسيا كقوة قارية مهيمنة بتقييم واقعي لما يمكنه تحقيقه في المدى القصير، متجنبا أهداف الحرب القصوى في سبيل نهج جزئي يتركز على تقسيم خصومه تدريجيا .

لقد أسفرت حرب الشمال الكبرى في حقيقة الأمر عن هيمنة لروسيا بلا منازع على منطقة البلطيق ودفعت الامبراطورية إلى أن تكون قوة عظمى، و استمرت مدة 21 عاما واتسمت بمجموعة من النكسات المبكرة للقوات الروسية في أرض المعركة. وإلى حد ما، تعمد بوتين الإشارة إلى حرب الشمال كقياس ملائم للحظة الراهنة. ويبدو أنه يطلب من الروس الاستعداد لحرب طويلة.

ويقول إبيسكوبوس إن بوتين كان منذ 2014 يتصور غزو أوكرانيا ليس كمسألة ضم، ولكن كاستعادة لحدود روسيا التاريخية المشروعة.

ولطالما تحدث بوتين عن وجود صلة تاريخية وروحية خاصة بين الروس والأوكرانيين، الذين يعتبرهم شعبا واحدا. وتأطيره التاريخي للحرب هو أحدث دليل على أن الكرملين لا يفكر في إعادة أي من الأراضي الأوكرانية التي يحتلها حاليا . وكما أن بطرس لم يهتم بما إذا كانت الدول الأوروبية اعترفت أم لا بسانت بطرسبرج كأرض روسية، فإنه لا يهم بوتين ما إذا كان الغرب يعترف أم لا بأن خيرسون، وميليتوبول، وماريوبول، وأي عدد آخر من المزيد من الاستحواذات العسكرية في أوكرانيا أراض روسية.

وربما ينطبق المنطق الكامن لتصريحات بوتين الأخيرة التي أدلى بها أثناء قيام أسطول البلطيق الروسي بمناورات عسكرية في جيب كالينينجراد الروسي في وسط أوروبا ومنطقة البلطيق الأوسع نطاقا، على أي أراض كانت تحت سيطرة الامبراطورية الروسية أو الاتحاد السوفيتي في السابق، بما في ذلك فنلندا، ودول البلطيق، ومساحات كبيرة من بولندا.

وفي تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، كتب رئيس وزراء السويد السابق كارل بيلدت " قال بوتين اليوم إن بطرس الأكبر لم يأخذ أي شىء، إنما كان يستعيده، وأنه من مسؤوليتنا أيضا أن نستعيد ونقوى. هكذا يرى مهمته- استعادة ما كانت تزعم روسيا ملكيته في وقت من الأوقات. إنها وصفة لسنوات من الحرب".

وفي ختام تقريره يقول إبيسكوبوس إن مضمون رسالة الرئيس الروسي يمتد في حقيقة الأمر إلى ما هو أبعد مما تتكشف عنه الحرب في أوكرانيا. فهي تعني استعادة ما يعتبره بوتين مكانة روسيا المشروعة في النظام الدولي، المفترض أنه تم سلبها في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي من خلال فقدان الامبراطورية من ناحية، وجولات التوسع المتعاقبة من جانب حلف شمال الأطلسي( الناتو) من ناحية أخرى.

وبالنسبة للرئيس البالغ من العمر 69 عاما والذي يقترب من عامه الرابع والعشرين في الحكم، أصبح الأمر مسألة إرث شخصي ومصير قومي لاستعادة مكانة روسيا في النظام العالمي لما بعد الحرب الباردة.

ومع استمرار الحرب في أوكرانيا دون أن تلوح في الأفق أي حلول دبلوماسية، هناك خطر في أن تصبح – مثل حرب الشمال التي خاضها بطرس الأكبر- حربا طويلة مريرة ذات عواقب وخيمة للنظام الأمني في أوروبا.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي