فسحات الفلسفة وارتكاسات الخطاب

2022-06-10

صدر حديثاً عن دار «خواطر» في إسطنبول كتاب «فسحات الفلسفة وارتكاسات الخطاب» للكاتب والباحث السوري عمر كوش. يقع الكتاب في 168 صفحة، ويشتمل على ثمانية فصول.

في هذا الكتاب يقدم عمر كوش دراسة عن الاتجاهات الجديدة في الفلسفة، التي نشأت بدءاً من النصف الثاني من القرن العشرين المنصرم، وامتدّت معها الفسحات الفلسفية إلى مساحات أخرى في السؤال، وفي الفكر والتفكير، حيث شيّد الفلاسفة معماريات متعددة ومختلفة، طرحوا عليها مشكلات واستشكالات، وفق مركبات وحمولات متنوعة. ولم تكتف الفلسفة بإنزال المتعالي إلى الأرض، بل جعلت الأرض موطن الفلسفة، وصارت الجغرافيا الفلسفية تحدد فلسفة جديدة في شتى الأقاليم الإنسانية، فانفتحت على ساحة المختلف والمسكوت عن وعلى عالم المقامات والمحايثة والمواجدة.

يرتكز المؤلف إلى قراءة للفضاءات التي ولجت فيها السوسيولوجيا إلى عوالم جديدة عبر مداخل مختلفة في سعيها لتفكيك مداخل الواقع الاجتماعي والسياسي، وحلّ فيها عالم الممكنات محلّ عالم الأشياء، وصار المكان الاجتماعي يضاف إلى المكان الرمزي وعالم الممكنات والفاعلين الاجتماعيين. وتمتد القراءة إلى الكيفية التي طالت الفلسفة التواصل، وما يتصل بالسلوك الاتصالي، عبر نظرية نقدية تفكك النظرية، وتحاول إعادة بناء جديد للمشروعية والدولة والحداثة وسواها.

ويرى المؤلف أنه بقدر ما انفتحت الفلسفة لتدخل عوالم جديدة، فإن الخطاب المعاصر كان ينحو إلى الانغلاق والتخندق وراء مختلف دعوات التمايز وأطروحات النهايات. وكان التمركز منطلقه، والمشادات سبيلاً إلى تسيّده وتعاليه، فحلّ الصدام والصراع في مقولات حامليه الأقوياء، مقابل دعوات يائسة إلى الحوار والتفاهم من طرف حامليه الضعفاء.

وبقدر ما يتم الاهتمام بالمناحي والفسحات الجديدة في الفلسفة، فإن تناول الكتاب يمتد إلى ما شيّده عدد من الفلاسفة من معماريات تتصل بالتساؤل عن ماهية الفلسفة، وربط الفلسفة بالأرض والإقليم عند جيل دولوز، وما يتصل بمفاهيم الجيوفلسفي والمحايثة وسبر الفضاءات التي فتحها اشتغال بيير بورديو، وعلاقة الفلسفة بالسوسيولوجيا، واجتراحه مفاهيم حقول القوى والأمكنة الاجتماعية، ثم يتوقف المؤلف عند محطة المدرسة النقدية للفيلسوف الألماني يورغين هابرماس، واتخاذه التواصل والعقل التواصلي في مسعاه لإعادة البناء، أو التأسيس الجديد لنظرية التواصل.

ولا يغيب عن الكتاب سبر عوالم الآخر، التي ارتكزت على التقابل بين الذات والغير، ودعاوى وأطروحات التمايّز والاختلاف في الفلسفة، عربياً، لنتعرّف من خلال هذا التجوال على بعض المكونات التي أكسبت الفلسفة تفاصيل معرفية جديدة، والارتكاسات التي اعترت الخطاب المعاصر. ويطال السبر النقدي دعوات التأسيس لفلسفة عربية متميزة، وتركيزها على الذات والخصوصية والتربة المعرفية المغايرة، من خلال تناول التي دعوات أطلقها كل من طه عبد الرحمن، وأبو يعرب المرزوقي، وطيب تيزيني، مع تبيان إرهاصات الخطاب المعاصر ومآزقه وإشكالياته، والتركيز على المشادات التي يغذيها خطاب التمركز على الذات، ومحاولاً كشف محايثات التمركز، التي تصاغ ـ عادة ـ استناداً إلى نوع من التمثيل الذي تقدمه مختلف المرويات، بغية الكشف عن المقولات التضليلية التي تقبع خلف متخيل الصور النمطية، المرسومة والمشوشة، والتي تستهلك بلا حدود في سياقات، تهدف إلى تزكية خطاب الهوية، وخطاب الصدام والصراع.

ويرى كوش أن مسعاه في هذا الكتاب هو مسعى نقدي، ينطلق من كونية الهمّ الإنساني، وغايته رسم صورة جديدة للفكر، ومقام للتشييد المختلف، لا ينتفي فيه الآخر، ولا تنمحي فيه الذات، بل يؤكد على مختلف الحقوق وتحققاتها وفق التربة المعرفية المعنية، وعلى التفاعل والتبادل الإنساني، المفضي إلى دروب الخلق والتشييد لعالم جديد، رحب وواسع، وفضاء يشترك فيه الجميع.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي