"الشعب يريد" .. أسئلة حول الشعبوية والديمقراطية

2022-06-07

إذا كانت الديمقراطية هي احتواء للمطالب الثورية، فإنّ الشعبوية بالمقابل يمكنُ تأويلها على أنّها ثأر لتلك الرغبات. فمع تراجع نسب المشاركة بالانتخابات وانعدام الثقة بالسلطات المنتخبة، تصاعدت وتيرة المطالبة بتعميق الديمقراطية بمعنى تعزيز المشاركة الشعبية. هذه التناقضات هي موضوع كتاب حمل عنوان "الشعب يريد: حين تأكل الديمقراطية نفسها" الصادر مؤخّراً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" (280 صفحة) للباحث أيمن البو غانمي.

يناقش الكتاب مسألة تمكن تسميتها بـ "دمقرطة الديمقراطية"، ويعرض للأساليب الإجرائية المتخذة في سبيل ذلك مثل: "الانتخابات الأولية في داخل الأحزاب، واعتماد النسبية في الأنظمة الانتخابية، والاستفتاء، والمبادرات الشعبية في التشريع، وسحب الوكالة النيابية". مع ذلك فإنّ النتائج لم تكن بالإيجابية، إن لم نقُل إنّها قد ولّدت مشاكل مقابلة.

فعلى مستوى اقتسام السلطات تبرز إشكالية إن كان الرئيس يعبّر عن عموم الشعب، أم عن ناخبيه وحسب، فإذا كانت الدولة، بوصفها تعبيراً عن مختلف عناصر الشعب، تتطلّب قمّة جامعة، فالأفضل ألّا تكون منتخبة وأن تكون صلاحياتها رمزية.

كذلك الأمر لو نظرنا إلى المسألة في ظل غياب المَلكية الوراثية، حيث يمكن التأليف بين الرمزية الجامعة من جهة، والانتخاب من جهة أخرى. عليه، فإنّ صاحب السلطة يحتاج إلى الحسم، وكثيراً ما تكون قراراته لصالح طرف دون الآخر، بمعنى أنّ الرئيس غير مؤهّل لتمثيل التنوع كاملاً في المجتمع.

بالانتقال إلى مستوى آخر وهو سيادة الشعب، يُحاجج الكتاب في عدّة نماذج عن الحكم، فبريطانيا بما هي المرجعية الكبرى لمبدأ الديمقراطية التمثيلية، فإن ألمانيا بالمقابل  هي المصدر الأكبر لقواعد المنافسة السياسية؛ بحكم أنّها تجمع بين مزايا الأنظمة الانتخابية النسبية، والأنظمة الأغلبية.

وعن تشاكُل الديمقراطية مع الطبقة الوسطى في المجتمع، يذهب الباحث إلى اعتبار هذه الطبقة الدعامة التاريخية للديمقراطيات، لكن بحكم الطابع العولمي المهيمن على العالم اليوم فإنّ اختلالاً قد حدث لا بين رؤوس الأموال الكبرى وباقي الفئات الاجتماعية فقط، بل بينها وبين الدول، وهذه هي المعادلة الصفرية التي تفرضها العولمة، حيث تضطرّ الدول لاسترضاء القوى الاستثمارية الكبرى وسوى ذلك تعرّض اقتصادها إلى الخطر.

في هذه السياقات العالمية إذن تجري عمليات "الدمقرطة" الأمر الذي يدفع أكثر صوب الشعبوية، والابتعاد عن الوسط وتفكيك الأحزاب القوية لصالح مشهديات صغيرة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي