تحليل: ماضي روسيا التعيس يضيق الخناق على مستقبلها

د ب أ- الأمة برس
2022-05-28

هناك أمر واحد مؤكد. وهو أن أي نموذج للمستقبل يجب أن يكون بعد عهد بوتين (أ ف ب)

واشنطن: يرى الكاتب السياسي الروسي أندريه كوليسنكوف أن العديد من مجموعات الخبراء والنشطاء المختلفة ، وبعضها ما زال في روسيا والبعض الآخر متواجد في الخارج بالفعل، تعكف بكل جد واجتهاد على كتابة أبحاث مفاهيمية حول روسيا المستقبل.

ويوضح كوليسنكوف أن هذا أمر منطقي : إذ أن الرغبة في فهم دقيق لما ينبغي أن تتجه إليه روسيا والسيناريوهات التي سيتعين عليها المرور خلالها لتحقيق ذلك هي دائما ما تكون أقوى خلال فترات الأزمات أو- كما هو الحال الآن- الانهيار التام لكل شىء.

ويقول كوليسنكوف الزميل البارز في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في مقال نشره موقع المؤسسة إن شحذ الرؤى المتعلقة بالمستقبل يعد شكلا من أشكال العلاج النفسي، ومحاولة لإضفاء الأمر الواقع على حالة كارثية تماما، لأن المواطنين حريصون على الخروج من هذه الحالة ووضع السيناريوهات التي تضمن أنه لن ينتهي بهم الحال مطلقا بالوقوع فريسة لنفس الكابوس مرة أخرى.

كما أنها محاولة لفهم السبب في أن أي تجارب تتعلق بالتحديث ورؤى المستقبل تنتهي دائما بصورة سيئة. وفي كتابه عام 1994 بعنوان" الدولة والتطور"، وصف السياسي الإصلاحي الروسي يجور جيدار هذه السمة في التاريخ الروسي على النحو التالي:"إن التحرك من أي نقطة معينة، بعد أي دورة من دورات التاريخ دائما ما ينتهي بنفس الطريقة: عند قدم عرش نفس الديكتاتورية السياسية والاقتصادية القديمة لدولة/شرقية/".

ويشير كوليسنكوف إلى أن المرة الأخيرة التي أخذت فيها السلطات الروسية خطة تحديث بصورة جادة كانت في عهد الرئيس دميتري ميدفيديف. وشملت الوثائق التي أعدها معهد التنمية المعاصرة بناء على طلب ميدفيديف" صورة غد مرغوب فيه"، وكذلك خططا ملموسة وكتيبات جذابة عن جلسات عمل للعصف الذهني. ومع ذلك لم يتم رسميا قبول أي من تلك الخطط من جانب السلطات، حتى في تلك الأوقات غير العصيبة نسبيا.

ويقول كوليسنكوف إنه إذا نظرنا إلى الوراء، سنرى أن هناك عدة أمور واضحة . فروسيا كانت وسوف تظل دولة أزمات دائمة وحروب دائمة. فقد كانت هناك في بادىء الأمر حروب الشيشان، ثم في عهد ميدفيديف الحرب مع جورجيا، بينما كان التحفيز الأساسي للتفكير في المستقبل هو الأزمات الاقتصادية في أعوام 1998 و 2008-2009. ويبدو أنه تم مراعاة هذه العوامل، وكان هناك دافع قوي لبناء مستقبل لروسيا خال من الحروب والأزمات.

ويروي كوليسنكوف أنه قرب نهاية فترة رئاسة ميدفيديف الأولى، وفي مطلع عام 2011، وضع معهد التنمية المعاصرة، هذه المرة بمبادرة منه وليس بأي طلب من الكرملين، وثيقة أخرى اعتبرت بديهيا كوصية، ومحاولة في اللحظات الأخيرة لتزويد ميدفيديف ببرنامج لفترة رئاسة ثانية. ويقول كوليسنكوف إنه نظرا لمشاركته في وضع هذه الوثيقة يمكنه القول أنه حتى أثناء كتابة البرنامج ، كان هناك للأسف شعور بأنه لن تكون هناك فترة رئاسة ثانية لميدفيديف. وعلى أية حال، فإنه اعتمادا على ما كتبه الرئيس السابق ميدفيديف وقاله مؤخرا، لم يقرأ ما تضمنته وثيقة معهد التنمية المعاصرة بدقة بالغة.

ويضيف كوليسنكوف أنه ومعه البروفيسور اليكسندر روتسوف بذلا جهدا كبيرا لوضع مواد الوثيقة. ورأينا أن هناك خياران فقط هما التحديث أو نهاية كل شىء – وكنا على حق. وشملت فصول الوثيقة" التحديث كخلاص قومي" و" الجانب الإنساني للتحديث كإعادة تقييم للقيم" حاولا فيهما حماية روسيا من نفس الأيدولوجية التي أدت إلى" العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا. وكانت هناك فصول أخرى بعنوان " الدفاع والأمن:وضع الجيش، والشرطة، والخدمات الخاصة في خدمة الشعب" و" السياسة الخارجية: روسيا في دائرة أصدقاء".

ويرى كوليسنكوف أن كل هذا قد يبدو أمرا مثاليا الآن، ولكن رفض تلك المثالية هو الذي أدى إلى الكارثة الحالية.

ويؤكد أن روسيا تعيسة في مستقبلها لأنها تعيسة بالنسبة لماضيها . فحكامها يصيغون أي سياسة عامة لماضي روسيا يتصادف أنها تناسبهم. وهذا يعني أنهم يبنون المستقبل بالاستعانة بمخططات من الماضي. ويبدو الآن أن روسيا في عهد بوتين عادت إلى زمن سحيق.

فصورة المستقبل تبدأ بصورة الماضي. فإذا كان أبطال الدولة هم من القادة العسكريين ورموز الدولة مثل الديكتاتور جوزيف ستالين وقائد شرطته السرية لافرنتي بيريا، والموالين له، حينئذ فإن مثل هذا الماضي سوف يسفر عن روسيا مستقبلية قريبة للغاية لروسيا في عهد بوتين اليوم.

أما إذا كان أبطال الدولة هم أولئك الذي خرجوا إلى ميدان بوشكين بموسكو في عام 1965 للاحتجاج على الاعتقالات التي طالت الكاتبين المنشقين أندريه سينيا فسكي و يولي دانيال، وإلى الميدان الأحمر في عام 1968 للاحتجاج على غزو تشيكوسلوفاكيا، حينئذ يكون مستقبل روسيا مختلفا.

وهناك أمر واحد مؤكد. وهو أن أي نموذج للمستقبل يجب أن يكون بعد عهد بوتين. فمستقبل روسيا في عهد بوتين أصبح مبتورا. ومن الواضح تماما الآن أنه لا يمكن أن يبدأ التغيير والتحديث إلا بعد بوتين.

ويرى كوليسنكوف أن البعض قد يقول إن الرئيس الذي سيأتي بعد بوتين يمكن أن يكون أسوا منه. لكن تاريخ روسيا يظهر أنه كقاعدة، فإنه في أعقاب رحيل رئيس سلطوي فظ، يبدأ من يخلفه في المنصب على الفور( وهو من أتباعه) في التنافس على تحرير النظام، تماما كما فعل جورج مالينكوف، وبيريا، وخروشوف في أعقاب وفاة ستالين.

وفي بعض الأحيان، خلال مجرى التاريخ، من المفيد ترك الأمور تتطور بصورة طبيعية ، إذ ربما في هذه الحالة لن تنزلق البلاد إلى كارثة مبكرة.والآن، إذا ما استفدنا من الماضي، يبدو أنه كان من الأفضل كثيرا لروسيا لو أصبح رئيس الوزراء السابق يفجيني بريماكوف، على سبيل المثال، رئيسا بدلا من بوتين. وذلك ليس لأنه كان بوجه خاص مديرا أو مفكرا جيدا، وأكثر من ذلك فإنه تم المبالغة كثيرا في صفاته. ولكن روسيا في عهده أو عهد من بعده لم تكن لتنزلق إلى الكارثة الوطنية التي يشار إليها بـ" العملية العسكرية الخاصة".

ويختتم كوليسنكوف مقاله بالقول إن التحديث السلطوي في روسيا أمر مستحيل . ولكن المستقبل ما بعد بوتين، سيكون التحديث الطبيعي ممكنا، اعتمادا على التطور الديمقراطي وتناوب السلطة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي