تحليل: بقاء بوتين في السلطة مهما كانت نتيجة الحرب وراء عدم انشقاق الكثيرين

د ب أ- الأمة برس
2022-05-26

 بقاء بوتين في السلطة مهما كانت نتيجة الحرب وراء عدم انشقاق الكثيرين (أ ف ب)

برلين: عندما قرر بوريس بونداريف الدبلوماسي الروسي في مقر الأمم المتحدة الأوروبي بجنيف الاستقالة من عمله في وزارة الخارجية الروسية احتجاجا على غزو أوكرانيا، تصور البعض أنه بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا، ستتوالى الانشقاقات من جانب كبار مسؤولي نظام حكمه. لكن الواقع عكس ذلك بنسبة كبيرة. فرغم الفشل النسبي للغزو حتى الآن، فإن عددا قليلا للغاية من كبار المسؤولين الروس هم الذين انشقوا عن النظام، ما يعني أن مؤسسة الحكم الروسية ليست على وشك الانهيار من الداخل.

ويقول الكاتب الروسي ليونيد بيرشيدسكي في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إن الشخصيات البارزة من حقبة بوتين، يرون أن فوائد البقاء ضمن النظام أكبر من الانشقاق عنه.

 وحتى الان  فإن بونداريف وهو دبلوماسي متخصص  في قضايا نزع السلاح، هو أعلى موظف يعلن انشقاقه في وزارة الخارجية . فلم يعلن اي من نواب الوزير ولا السفراء  الهروب من السفينة، رغم تخلي وزير الخارجية سيرجي لافروف عن الوسائل الدبلوماسية والانضمام إلى جهود الدعاية الحربية، مدعيا أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يهودي ويمكن أن يصبح نازيا مثل أودولف هتلر. ورغم ذلك احتاج بونداريف إلى نحو ثلاثة شهور منذ بداية الحرب، وثلاثة أسابيع منذ تصريحات لافروف المعادية للسامية، لكي يعلن استقالته ويوجه انتقادات خفيفة إلى وزير الخارجية الروسي حيث قال إنه "يدلي باستمرار ببيانات متناقضة".

ولكن هل هناك شخصيات بارزة أخرى انشقت؟ بالفعل هناك أناتولي تشوبياس الموظف المدني لسنوات طويلة والذي استقال بهدوء من منصبه غير المهم كممثل خاص للرئيس بوتين لشؤون التنمية المستدامة، وغادر روسيا  دون أي كلام عن الحرب. وهناك عدد من الإعلاميين ومسؤولي التلفزيون الرسمي الذين رفضوا الحرب، مثل مارينا أوفسيانيكوفا التي قفزت أمام كاميرا القناة الأولى من التلفزيون الرسمي الروسي لتعرض لافتة رافضة للحرب.   

 ويقول ليونيد بيرشيدسكي الكاتب المقيم في برلين إن عددا قليلا من رجال الأعمال الروس أعلنوا انشقاقهم بسبب الحرب، مشيرا إلى أن قصة إيجور فولوبييف أحد نواب رئيس مصرف جازبروم بنك الروسي الذي يقدم خدماته المالية لمستوردي الغاز الطبيعي الروسي، هي الأبرز في هذا السياق، حيث لم يكتف فولوبييف الأوكراني الأصل بالاستقالة وإنما فر إلى أوكرانيا وانضم إلى قوات الدفاع عن الأرض ضد القوات الروسية.

لكن إذا ما نظر المراقب إلى قوائم المنشقين بحثا عن اسماء وزراء أو سفراء او مسؤولين إعلاميين كبار أو جنرالات أو رجال أعمال، سيصاب بالإحباط لأنه لن يجد منهم أحدا تقريبا.

 ويرى بيرشيدسكي أنه إذا لم تكن الفئران الكبيرة تفر، فهذا يعني أن السفينة لا تغرق، على الأقل من وجهة نظر الفئران. ويدرك كبار المسؤولين والضباط والمديرين ورؤساء الشركات عوائد الاستمرار في خدمة بوتين والمخاطر المرتبطة بإعلانهم رفضهم لقراراته. يقول تينكوف على سبيل المثال إنه أجبر على بيع حصته في البنك الروسي الذي كان أساس ثروته بعد أن أعلن معارضته للحرب، وأعلن البنك قرار حذف اسم تينكوف الذي يحمله حاليا.  في المقابل  غادرت الشركات الأجنبية روسيا وتم تأميم أصولها أو منحها للمستثمرين الموالين لبوتين.  فوضع روسيا اليوم كدولة مارقة يتيح نوعا من الفرص للانتهازيين وصائدي الصفقات.

فعلى مدى نحو عقدين من الزمان قام نظام بوتين بتغذية وتسمين رجاله. ومن غير الواضع ما الذي يمكن أن يكسبه جنرال أو وزير من إدانة "العملية العسكرية الخاصة" وهو الاسم الرسمي الروسي للحرب في أوكرانيا. وحتى الكوادر الصغيرة في نظام الحكم الذين حاولوا  خلال الشهور الأخيرة الانفصال عن بوتين يواجهون الرفض من جانب مجتمع المهاجرين الروس في الخارج. فالمنشقون الروس الذين يعيشون في ألمانيا أعربوا عن رفضهم لقرار مجموعة  أكسيل سبرنجر الإعلامية الألمانية العملاقة تعيين أوفسيانيكوفا لتغطية ملفي روسيا وأوكرانيا. ويقول هؤلاء المنشقون لماذا تتم مكافأة واحدة من أفراد فريق الدعاية الروسي الرسمي، في حين يوجد الكثيرين من الصحفيين الروس الشرفاء الذين لم يعملوا أبدا في آلة دعاية بوتين ويكافحون للعثور على وظيفة جيدة في أوروبا؟

ويقول بيرشيدسكي إن الأمر لا يحتاج إلى ذكاء كبير لكي يدرك المرء أنه حتى إذا وجد المنشقون ترحيبا وحصلوا على مكافأة فإن أحدا لن يحمل لهم مشاعر دافئة، وأن أي تشجيع لهم هو مجرد محاولة لجعل الانشقاق جذابا بهدف إضعاف نظام الحكم في الدولة الأم. وبمجرد أن يتحقق هذا الغرض سيجد هؤلاء المنشقون صعوبة في ضمان حياة كريمة لهم في دول المنفى. كما أن نظام بوتين يتعامل بقسوة هائلة مع المنشقين فيتم حذف اسمائهم من السجلات الرسمية ومصادرة ممتلكاتهم بل وملاحقة أصدقائهم وأقاربهم.

لذلك فحتى هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم وصف الليبراليين في النخبة الروسية والذين لا يؤيدون الكثير من الممارسات الاستعمارية للرئيس بوتين، فضلوا خيار "ننتظر لنرى" ولم يعلنوا رفضهم للحرب في أوكرانيا، خاصة وأنه لا يوجد ما يشير إلى أن الحرب الحالية أيا كانت نتيجتها يمكن أن تتطيح ببوتين من السلطة.

 أخيرا فإن غياب الأصوات المعارضة للحرب والسياسيات العدوانية التي يمارسها بوتين ضد جيرانه، داخل المؤسسة الحاكمة ليس أمرا إيجابيا يدعو إلى السعادة بالنسبة لبوتين. فضعف العاطفة المخلصة الذي خلقه الرئيس الروسي في النخبة، والحسابات الباردة في مواجهة ظروف استثنائية مخزية يشير إلى  تدهور القيمة الإنسانية والفكرية للنخبة الروسية. إذن فروسيا بقيادة هذه النخب وتحت حكم بوتين أو بعد رحيله مصيرها الحتمي هو التباطؤ والخسارة.

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي