
تضمّن التقرير الذي وضعته "منظمة الشفافية العالمية" حول انتشار الفساد في دول العالم، بعد إجراء مسح حقوقي لـ180 دولة، عدة دول عربية على قائمة أكثر الدول فسادا على مستوى العالم. جاءت الصومال على رأس هذه القائمة للعام الثاني على التوالي بسبب الحروب الداخلية التي تخوضها، وغياب الاستقرار فيها. كما جاءت السودان والعراق ضمن التقرير نفسه وللأسباب نفسها. أما بعض الدول العربية والإسلامية الأخرى، فقد جاءت ضمن التقرير لأسباب أخرى تمثلت في غياب الشفافية وعدم الاستقرار السياسي، وانتشار الرشوة والمحسوبية، ووجود خلل في المنظومة القانونية بها.
وضع التقرير معظم دول الشرق الأوسط في مرتبة متدنية بخصوص مستوى الشفافية، فيما حصلت ثلاث دول هي قطر والإمارات وإسرائيل على درجات تؤكد ارتفاع نسبة الشفافية فيها. فيما تراجعت مصر وسورية ولبنان في هذه القائمة، لتقترب من مستوى السودان والصومال اللتين تصدرتا القائمة.
وكان هذا التقرير قد تم إعلانه بعد المؤتمر الدولي الثالث لمكافحة الفساد الذي نظمته الأمم المتحدة مؤخرا، وحضره ممثلو عدد من الدول، وكذلك المنظمات الحقوقية. إلا أن البعد الرسمي هو الذي سيطر على المؤتمر، بعد أن رفضت معظم الدول قيام المنظمات الحقوقية والمؤسسات الأهلية بإعداد تقارير عن الفساد في دولها، ونشرها هذه التقارير بشكل مفصل، وتم الاتفاق على نشر نتائج التقارير فقط دون التفاصيل.
كان المؤتمر الذي عقد في الدوحة وحضره حوالي 1050 شخصية رسمية من وزراء عدل وقانونيين، وغيرهم ممن ينتمون إلى الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، قد شهد احتجاجات من قبل مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية بسبب إلغاء كلمة هذه المؤسسات في المؤتمر. ما يعني تهميشها واستبعادها من فعالياته، وقصر المناقشات والمباحثات والجهود المبذولة في مواجهة ومحاربة الفساد على الجهات الرسمية المنتمية للحكومات.
علما بأن الانتقادات التي وجهها تقرير منظمة الشفافية الدولية إلى الدول الأكثر فسادا، تنصب على القطاعات الحكومية، وعلى أداء الأنظمة المحلية. وبالتالي يصبح من المستحيل أن تدين الشخصيات أو المنظمات الحكومية دولَها أمام المجتمع الدولي، بل من المؤكد أنها ستعمل على تحسين صورتها، ما يطعن في مصداقية المؤتمر، ويجعله معرضا للتزييف والتزوير وفقا لما تراه الحكومات التي تحاول جاهدة أن تحمي سمعتها وتظهر بشكل جيد.
من ضمن أسباب انتشار الفساد في الدول العربية والشرق أوسطية، بخلاف الحروب وعدم الاستقرار السياسي، الفساد الحكومي ممثلا في فساد الإدارة وانتشار الرشوة والمحسوبية، وسرية المصارف. ما يجعلها بعيدة تماما عن تحقيق القدر المطلوب من الشفافية. وإن كانت العراق وأفغانستان والصومال والسودان وقعوا ضمن الدول الأكثر فسادا، بسبب الحروب وعدم الاستقرار السياسي، فإن دولا أخرى مثل مصر وسورية اقترب تقييمها كثيرا من تلك الدول برغم عدم معاناتها من الحروب. إذ تنتشر في تلك الدول أنواع أخرى من الفساد، يتمثل في فساد الإدارة، وتفشي الرشوة خصوصا الرشاوى بالمبالغ الصغيرة، والتي تتم بشكل يومي ولا يسعى الناس إلى كشفها أو محاربتها أو الإبلاغ عنها؛ لعدم ثقتهم بالأنظمة، وسعيهم إلى إنهاء مصالحهم بأية طريقة دون النظر إلى مشروعيتها من عدمها، أو التفكير في البحث عن حقوقهم.
بالطبع قوبل هذا التقرير بنوع من التحفظ والاعتراض من الدول التي أدانها، نظرا لما يمثله من سبة في حقها واتهامات موجهة لها. خصوصا أنه يستند إلى تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة بشأن مكافحة الفساد، وربما يتم الاعتماد على هذا التقرير في توجيه اللوم إلى بعض الدول أو فرض إجراءات معينة عليها تساعدها في مكافحة الفساد وتحسين معدل الشفافية.
مع العلم أن نسب الفساد المرصودة متركزة في القطاع العام وداخل الأوساط السياسية. وهو ما يعني أن المنظمة التي أخذت على عاتقها محاربة الفساد، من المؤكد أنها استعانت بمؤسسات المجتمع المدني، نظرا لما تعانيه معظم الدول العربية من غياب الشفافية في المعاملات العامة، وعدم إتاحة المعلومات، ما يضطر المؤسسات الأهلية إلى العودة للوقائع من خلال وسائل الإعلام المختلفة إلى جانب مصادر أخرى قليلة تتيح المعلومات.
ربما يترك التقرير وراءه بعض الأسئلة الملتبسة، حول مدى استعانته بالمنظمات الأهلية التي عادة ما تكون أكثر مصداقية في معالجة هذه التقارير لعدم التزامها بتجميل صورة حكومات بلادها، وإمكانية أن تكون المنظمة اعتمدت على المصادر الرسمية، ما يعني غياب جزء من الحقيقة. وربما يثير التقرير إشكاليات أخرى، حول إمكانية مجاملته لدول بعينها، ووضعها في مرتبة متقدمة من التمتع بالشفافية، مثل قطر التي استضافت عاصمتها الدوحة المؤتمر في دورته الأخيرة منذ عدة أيام قليلة.
ولكنه في النهاية تقرير يعطي صورة مبسطة عن حقائق ربما تكون غائبة أو مخفية في بعض الدول العربية والإسلامية، بخصوص تفشي مظاهر الفساد، وربطت بين تفشي هذه المظاهر وبين تقدم الدول وتحقيقها لمعدلات مرتفعة في التنمية.