عروض بوتين العسكرية لا يمكنها إخفاء فشله في تحقيق النصر

د ب أ- الأمة برس
2022-05-10

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ ف ب)

واشنطن: يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجد في الاحتفال القومي بذكرى الانتصار على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية "يوم النصر" فرصة لتغطية فشل حملته العسكرية ضد أوكرانيا بعد حوالي شهرين ونصف الشهر من إطلاقها.

وترى الكاتبة الأمريكية كلارا فيريرا ماركيز في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء أن حجم العرض العسكري الذي نظمته روسيا في "الميدان الأحمر" بقلب العاصمة موسكو بحضور بوتين أمس الاثنين كان مبالغا فيه حتى بالنسبة لدولة اعتادت عسكرة الاحتفال بذكرى النصر في الحرب العالمية.

ومع تعثر الجيش الروسي في أوكرانيا الآن، تركز آلة الدعاية الروسية على استعادة ذكريات الانتصارات الماضية، وهي العملية التي بلغت ذروتها في احتفال "يوم النصر". وأثارت هذه المبالغة في حجم العرض العسكري تكهنات قوية خارج البلاد بأن الرئيس بوتين يستعد لتدشين مرحلة أشد عنفا ودمويا في حربه ضد أوكرانيا.

لكن ماركيز ترى أن الخطاب القصير الذي ألقاه بوتين أثناء الاحتفال لم يدعم هذه التكهنات، والتي لا تتناسب مع حقائق الصراع على الأرض، وإنما أظهر حدود قوة بوتين. فالرجل استغل الخطاب لإعادة التذكير بأمجاد الحقبة السوفيتية والترويج لفكرة أن روسيا اضطرت لشن عمليتها العسكرية ضد أوكرانيا نتيجة استفزازات الغرب. والحقيقة أنه حتى الحكام المستبدين لا يستطيعون حشد أي أمة من أجل حرب يطلقون عليها "عملية عسكرية خاصة" دون تكلفة غير مرغوبة. كما لا يمكنهم تحويل الهزيمة إلى نجاح بسهولة.

 ورغم أن "يوم النصر" الذي يوافق ذكر إعلان الحلفاء في الحرب العالمية الثانية الاستسلام غير المشروط من أجل ألمانيا، يحظى بشعبية واسعة في روسيا نظرا لآن أفرادا من عائلات الأغلبية الساحقة من الروس شاركوا في تلك الحرب، فإن هذا اليوم الذي يكون عطلة رسمية في روسيا،  أصبح أكثر أهمية في عهد بوتين، في إطار مساعي الرئيس الروسي لاستعادة المجد السوفيتي وتعزيز مشاعر الفخر القومي.

المفارقة أن بوتين الذي قفز على "الحرب الوطنية العظمى" وهو الاسم الروسي للحرب العالمية الثانية استخدم لغة نازية وفاشية لتبربر غزوه لأوكرانيا، بغض النظر عن أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي يهودي أو أن الحرب العالمية أدت إلى تدمير أراضي بلاده وقتلت ما بين 5 و6 ملايين شخص من مواطني روسيا. والأساطير تطغى على الموقف الروسي الراهن إلى الدرجة التي جعلت وزير الخارجية سيرجي لافروف يقول إن أدولف هتلر "فيه دم يهودي"، وهو ما أغضب إسرائيل  وأجبر الكرملين على الاعتذار لها في موقف نادر من جانبه.

 ومن الطبيعي بالنسبة للرئيس الروسي باعتباره مؤرخا هاويا ومغرما بالرمزية، أن يستغل احتفالات يوم النصر المليئة بالأبهة والعظمة لكي يعلن انتصاره. لكن إعلان الانتصار في أي حرب يحتاج إلى تحديد دقيق لنتائج نهاية العملية وهو أمر مازال غامضا وصعبا بالنسبة لموسكو، التي تغير أهدافها المعلنة من الحرب باستمرار.

وكما قال بن نوبل الأستاذ في جامعة "لندن كوليدج"  فإن وجود أهداف مرنة للحرب مفيد بالنسبة للكرملين، لكنه يعرقل محاولات النخبة الحاكمة من أجل إقناع الداخل باستمرار دعم الحرب خاصة في ظل تزايد الأسئلة المحيطة بها، عندما انسحبت القوات الروسية من محيط العاصمة الأوكرانية كييف وأعادت تركيز جهودها على شرق أوكرانيا. كما خلقت موسكو أفكارا عديدة حول ماهية النجاح في الحرب وهو ما يجعل من الصعب الوصول إلى اتفاق بشأن الهدف النهائي دون إثارة غضب بعض الأصوات المرتفعة على الأقل.   

 النقطة المحرجة الأخرى بالنسبة لبوتين هي أن روسيا لا تحقق انتصارات على الأرض.  بالطبع فالحرب لم تنته، ولم تتمكن روسيا من هزيمة أوكرانيا حتى الآن. لكن في الوقت نفسه فإنها مازالت عاجزة عن الاستيلاء على ميناء ماريوبول  جنوب أوكرانيا رغم الهجوم المستمر عليه منذ بداية الحرب. فالقوات الروسية دخلت صراعا  أضر بسمعة روسيا العسكرية، واستنزف  قدراتها القتالية، وتضرر الاقتصاد الروسي على خلفية العقوبات الغربية على موسكو.

ورغم استمرار صادرات النفط الروسي ودعم البنك المركزي للعملية العسكرية، فإن إيرادات البلاد المالية ليست ضعيفة والروبل مازال صامدا في وجه الضغوط الدولية. لكن الخروج الكبير للمواطنين الروس العاديين من البلاد يكشف الكثير عن الواقع على الأرض. فخلال آذار/مارس الماضي غادر روسيا ما بين 50 ألف و70 ألف متخصص في تكنولوجيا المعلومات وهناك توقعات بوصول الرقم خلال الشهر الماضي إلى 100 ألف. وفي مواجهة هذه المشكلة لجأ بوتين إلى تقديم الكثير من المغريات لهذه الفئة الحيوية بدءا من الإعفاءات الضريبية وحتى إمكانية الإعفاء من التجنيد الإجباري.

ويمكن أن يحتشد الروس حول علم بلادهم وأن يعانوا بعض الشيء مع ما تحاول حكومتهم تصويره بأنه قتال ضد المعتدين الغربيين، مع استخدام خطاب يوم الاثنين  لترسيخ هذه الرواية. لكن الأمر لم يتوقف عن هذا الحد، وإنما تجاوزه من أجل تصوير الموقف الراهن باعتباره انتصارا، ومواصلة الإدعاء.

لذلك لماذا لا يستجيب بوتين لأصوات الصقور في حكومته ويعلن دخول بلاده الحرب رسميا وإعلان التعبئة العامة؟ هناك مؤشرات على التحرك في هذا الاتجاه، وربما يكون حتميا. ولكن تغيير اسم "العملية العسكرية الخاصة" إلى حرب شاملة يعني ببساطة القبول بتكلفة مادية وبشرية أكبر. كما يعني الاعتراف بأن العقوبات الدولية التي تم فرضها على روسيا ستبقى لوقت طويل، وهو أمر لا يريد الكرملين الاعتراف به حتى الآن.  

وتقول ناركيز في ختام تقريرها إنه كان في مقدور بوتين أن يفعل كل ما كان متوقعا منه أمس الاثنين ، والحديث عن خياراته القليلة للمستقبل، لكنه أصر على أن يحيط نفسه بالقنابل والمسرح العسكري والكلاشيهات التي تؤكد أنه مازال يعيش في الماضي.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي