«الثقافة القومية والإبداع».. الوعي والأيديولوجيا في الأدب المصري

2022-05-09

محمد عبد الرحيم

ضمن سلسلة (كتابات نقدية) التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة في القاهرة، صدر كتاب بعنوان «انعكاس الثقافة القومية على الإبداع» للباحث والكاتب المصري الراحل طلعت رضوان (1942 ـ 2021). وهي مجموعة من المقالات التي تتناول أعمالاً أدبية يرى الكاتب أنها تقع تحت دائرة بحثه. هذه المقالات بدورها نشرها رضوان متفرقة في موقع (الحوار المتمدن) عام 2016، بعنوان (انعكاس الثقافة القومية والدين على الأدب)، وهو ما تؤكده المقدمة التي كتبها رضوان تصديراً للكتاب»… وفي الدراسات التي يضمها هذا الكتاب بعض النماذج من كتابات إبداعية تجلّى فيها دور الدين ودور الموروث الشعبي، وكيف انعكس هذا الدور على الشخصيات في بعديه الروحي والمادي». ربما آثر الناشر ـ التابع للدولة ـ السلامة، فحذف كلمة (الدين) من العنوان.

من ناحية أخرى نجد أن ما تم جمعه في الكتاب انتخبه الرجل، حيث لا يضم بعض الأعمال التي تعرّض لها في مقالات الموقع ــ كأعمال لعبد الحكيم قاسم وخيري شلبي ـ وربما أضاف إليها بعد ذلك، أو نشره بمكان آخر، قبل أن يضمها الكتاب. ومن المعروف عن الكاتب الراحل موقفه الحاد من انقلاب يوليو/تموز 1952، وكذا الغزو العربي لمصر، الذي غيّر وجهها دون رجعة.

أصداء السيرة الذاتية

يبدأ الكاتب بمقطع من مقاطع «أصداء السيرة الذاتية» لنجيب محفوظ، الذي يقول.. «يا صديقي في عز النصر والرخاء، كثيراً ما بكيت الكرامة الضائعة». ويرى الكاتب أن المقطع يحيل إلى الفترة التي حاولت فيها الميديا الناصرية إقناع المصريين بـ(النصر والرخاء)، لكن حتى مَن اقتنع بهذا الزيف، فإنه لم يمنع عنهم الشعور بـ(الكرامة الضائعة). كذلك يستعرض رضوان موقفاً آخر بعنوان (الخلود) وفيه يُحادث (أبو الهول) عبد ربه التائه قائلاً..»كنتُ سيد الوجود، ألم تر تمثالي العظيم؟ ومع شروق كل شمس أبكي أيامي الضائعة وبلداني الذاهبة وآلهتي الغائبة». ويرصد الكاتب المفارقة بين فحوى كلمات أبو الهول وعنوان المقطع/الخلود، ويرى أن محفوظ يقصد محاولة التواصل مع هذه الحضارة، هذا التوصل وحده هو سبب الخلود.

شهرزاد جنيف

«شهرزاد على بحيرة جنيف» رواية للكاتب المصري جميل عطية إبراهيم، صدرت في 2006. وهي سرد خيالي عن استحضار شخصية شهرزاد، ولكن في زمننا الحالي. ومن خلال الشخصيات الرئيسية يدور صراع ثقافي وحضاري، فها هو الملياردير العربي (الأمير متراس) يريد التخلص من الفتاة/شهرزاد. وبالتالي التخلص من الخيال والحكاية.. الذاكرة. فيعلق الرواي قائلاً.. «شهرزاد هي التي حلّقت بنا في آفاق بعيدة قبل الأقمار الصناعية. وفي آواخر الأيام يلحقها أذى من رجل براميل النفط». فالثري العربي لا يستخدم أمواله في خدمة شعبه، ولكن على هوى رغباته، فهو يحلم بالتمثيل في فيلم أمريكي، فيذهب إلى الأمريكيين ويقم لهم أمواله لإنتاج فيلم، بشرط أن يعمل فيه ممثلاً، وبعد الموافقة يشترطون أنه سيظهر لدقائق لا أكثر، فيوافق بالطبع. فيرى الراوي أنه.. «مهما بلغ ثراء الرجل فهو صعلوك في دهاليز شركات النفط العابرة للقارات، وفي النهاية هو كومبارس في مجال النفط، كومبارس على الشاشة، لا فرق». ويرى رضوان أن الرواية تجسد الفارق الحضاري بين الأمير العربي والراوي المصري، فالأول لا يدرك التناقض بين تمسّكه بتراثه الغيبي، والتظاهر بالاهتمام بالعلم، بينما الآخر يدرك ما في تراثه من غيبيات، ويتعامل معها في إطار تجاوزها للعقل. في الوقت نفسه لا ينكر الراوي الفارق بينه وبين الإنسان الأوروبي، فهو يتفهمه ويعيه ويُقر به.. «الفرق بين نجع البطوطة موطن طفولتي وبين جنيف، كالفرق بين السماء والأرض».

الباب المفتوح

وهو عنوان الرواية الشهيرة للطيفة الزيات، التي صدرت عام 1960، وتحوّلت إلى فيلم سينمائي بطولة فاتن حمامة وإخراج هنري بركات عام 1963. ويُثير طلعت رضوان الكثير من الأسئلة اللافتة والمشروعة عن الرواية ومؤلفتها، والسياق الذي كُتبَت فيه. تذكر الزيات في روايتها أن بطلتها (ليلى) لم تشعر بالقوة والكرامة، إلا بعدما استمعت إلى خطاب عبد الناصر. فهل كانت تجهل الزيات وقتها مدى ديكتاتورية حُكم عبد الناصر، حتى تستمد بطلتها القوة والكرامة من أحد خطاباته؟! ويستمر رضوان في تساؤلاته.. هل نغفر لليلى جهلها بالحقائق نتيجة التعتيم الإعلامي الناصري، الذي زيّف الحقائق؟ وإذا انتفى الخطاب وانتفت حرب 1956، فهل كانت ليلى ستخط مصيرها بعيداً لما كان مقرراً لها. فهل كانت الشخصية تنتظر مثل هذا الخطاب حتى تتحرر من كل قيودها؟ خاصة أنها مدمنة قراءة كما وصفتها الكاتبة؟ أم أن كل منهما تتخفى وراء الأخرى، الزيات نفسها التي لم تستطع التخلص من زوجها الثاني (رشاد رشدي) إلا عام 1965!!

للرجل بالطبع كل الحق في إثارة هذه التساؤلات، ربما تكون مناسبة لإعادة النظر ولو بشكل من أشكال (الحياد) لطبيعة فكر لطيفة الزيات وإنتاجها الأدبي، وفق سياق إنتاج هذه الأعمال، بعيداً عن التهليل النقدي المعهود، وتعمّد إخفاء الحقائق.









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي