للدفاع عن الديمقراطيات.. صعود اليابان وألمانيا عسكريا لن يهدد أحدا

د ب أ- الأمة برس
2022-05-07

يواجه المستشار الألماني شولتس ضغوطا ليس فقط من جانب المعارضة المحافظة وإنما من جانب شريكه في الائتلاف الحاكم حزب الخضر لإرسال أسلحة ثقيلة إلى أوكرانيا (أ ف ب)

برلين: تتزايد المؤشرات على تحولات واضحة في العقيدة العسكرية والسياسية لكل من ألمانيا واليابان بعد عقود من الالتزام بمبدأ "الدولة غير العسكرية"، وبخاصة مع تصاعد التهديدات الإقليمية القريبة من حدود الدولتين حيث تتزايد تحركات الصين وكوريا الشمالية بالقرب من اليابان، والتحركات الروسية بالقرب من ألمانيا.

وجاءت جولة المستشار الألماني الجديد أولف شولتس في آسيا في أواخر الشهر الماضي، لتكشف عن نمط جديد من التفكير الألماني، حيث خلت الجولة من زيارة الصين أكبر شريك تجاري لألمانيا في آسيا، وركزت على اليابان وذلك لسبب منطقي.

ويقول الكاتب الهولندي أيان بوروما  في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إن ألمانيا واليابان قوتي معسكر المحور أثناء الحرب العالمية الثانية، تسعيان الآن إلى تعزيز تعاونهما العسكري. وقد أرسلت ألمانيا فرقاطة إلى اليابان في العام الماضي للمشاركة في تدريب عسكري بحري مشترك. كما تعهدت الدولتان بزيادة إنفاقهما العسكري.

 وحتى وقت قريب، كانت مثل هذه التحركات الألمانية واليابانية تثير قلق الكثيرين، على الأقل في البلدين، حيث مازال ماضيهما الحربي الأليم يطاردهما. ولكن التطورات الأخيرة قلصت قوة معارضة توجه ألمانيا واليابان نحو تعزيز قدراتهما العسكرية.

وكانت ألمانيا واليابان قد خرجتا من هزيمتهما العسكرية المدمرة في الحرب العالمية الثانية بميول قوية نحو السياسات السلمية. والتزم أغلب اليابانيين بالدستور الذي وضعه الأمريكيون لبلادهم في ذلك الوقت والذي  رسم حدود استخدام القوة العسكرية. ولم يكن تشكيل أول قوة عسكرية رسمية لليابان بعد الحرب العالمية الثانية عام 1954 باسم  قوات الدفاع الذاتي التزاما بالدستور لكن فرضته الضرورة وبخاصة من جانب الولايات المتحدة. في المقابل اختارت ألمانيا لنفسها التحول إلى دولة مسالمة تمتلك اقتصادا قويا وقاعدة صناعية مدنية صلبة وبخاصة في صناعة السيارات، وتركت الجوانب العسكرية للآخرين. 

 وعلى عكس سلفه شينزو آبي الذي دعا منذ سنوات إلى إعادة كتابة الدستور الياباني، لا ينتمي رئيس الوزراء الياباني الحالي فوميو كيشيدا إلى الجناح المتشدد في الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم. كما أنه ليس واحدا من القوميين الذين يعتبرون الدستور السلمي لليابان إهانة من المحتلين الأجانب للبلاد، ولا يريد أن يشعر أطفال المدارس بالفخر "بحرب تحرير" اليابان في آسيا.  ومقارنة برئيس الوزراء السابق آبي، يمكن القول إن كيشيدا من الحمائم.

الأكثر غرابة هو الموقف الجديد من جانب كازو شي زعيم الحزب الشيوعي الياباني الذي يشغل 10 مقاعد في مجلس النواب. حيث يرى حزب شي من الناحية الرسمية أن قوات الدفاع الذاتي غير دستورية ويجب حلها. ولكن في الشهر الماضي تغير الموقف وقال شي إنه يجب نشر واستخدام جنود قوات الدفاع الذاتي إذا تعرضت سيادة اليابان للتهديد.

وبالمثل يواجه المستشار الألماني شولتس ضغوطا ليس فقط من جانب المعارضة المحافظة وإنما من جانب شريكه في الائتلاف الحاكم حزب الخضر لإرسال أسلحة ثقيلة إلى أوكرانيا التي تتعرض للغزو الروسي. ورغم أن حزب الخضر كان تاريخيا من دعاة السلم، فإنه الآن يضغط بقوة من أجل تقديم مساعدات عسكرية للدفاع عن الديمقراطية الأوروبية في أوكرانيا.

وأمام حشد من الناس وصفوه بأنه "مروج للحروب" قال روبرت هابيك نائب المستشار الألماني  متحديا الحشد إنه "عندما يدافع الناس عن حياتهم وديمقراطيتهم  وحريتهم، على ألمانيا وحزب الخضر أيضا  الاستعداد للتعامل مع الواقع. والواقع أننا نتعامل مع أحد المعتدين" في إشارة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا.

والآن أصبح الاختلاف عن سنوات الحرب الباردة واضحا. ففي ذلك الوقت كان الصقور في ألمانيا واليابان من بين أحزاب اليمين. وكانت مناهضة الشيوعية وليس الديمقراطية الليبرالية هي همهم الرئيسي. وكان العسكريون اليابانيون حريصون على مراجعة كتب التاريخ المدرسية التي تتحدث عن الفظائع اليابانية أثناء الحرب. وكان هدفهم هو إحياء الروح الوطنية وزيادة تقديس الإمبراطور إلى جانب تغيير الدستور.

معنى هذا أن جهود دعم القدرات العسكرية كان يقوم بها أشخاص خطأ لسبب خطأ. وكان لدى الكثيرين من اليابانيين والألمان حساسية تجاه استخدام القوات المسلحة، وبخاصة  بسبب الخوف من إحياء النزعة العسكرية للبلاد.

لوضع الأمثل هو أن  تلعب ألمانيا واليابان أدوارا رئيسية  في الدفاع عن الديمقراطيات في أوروبا وآسيا (أ ف ب)

واليوم تعتبر الشخصيات التي تطالب بتعزيز الجانب العسكري، أقل إثارة للقلق. فلا أحد  يشعر بالقلق من أن تؤدي ضغوط حزب الخضر لدعم الحرية والديمقراطية في أوكرانيا إلى إحياء النزعة التوسعية لألمانيا، على سبيل المثال. في المقابل فإن اليمين المتطرف الأكثر إثارة للقلق يدعم الرئيس الروسي بوتين. كما انه من الصعب على اليابان رفض الدفاع عن تايوان الآن، التي تعتبر نموذجا للديمقراطية وليس للديكتاتورية العسكرية.

الوضع الأمثل هو أن تلعب ألمانيا واليابان أدوارا رئيسية  في الدفاع عن الديمقراطيات في أوروبا وآسيا. وهناك أسباب لاستبعاد حدوث ذلك في وقت قريب.

ورغم أن التايوانيين يمكن أن يرحبوا باليابان الأقوى، في حين سيتردد  بعض الآسيويين  في الثقة في اليابانيين، فإن الأوروبيين أقل قلقا من تنامي قوة ألمانيا التي تعلن باستمرار تكفيرها عن ماضيها الدموي.

لكن على الألمان واليابانيين أن يثقوا في أنفسهم  لتحمل قدرا أكبر من مسؤولية أمنهم وأمن حلفائهم. وقد أصبح هذا الأمر ضاغطا بسبب ممارسات إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب واحتمالات عودته للحكم في انتخابات 2024، وبالتالي سيكون من الصعب الوثوق في واشنطن. 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي