الردع أولا.. الاستفادة من دروس العقوبات على روسيا لتطبيقها على الصين

د ب أ – الأمة برس
2022-05-05

الرئيسان الصيني والروسي (أ ف ب)

واشنطن - فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها سلسلة من العقوبات الاقتصادية المنسقة على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا. وتعتبر هذه أكثر العقوبات التي تستهدف اقتصادا كبيرا شمولا منذ أكثر من 70 عاما.وكان ترتيب هذا الاقتصاد هو الحادي عشر في العالم. وقد أثار استخدام هذه العقوبات تساؤلات في العواصم الغربية وبكين حول ما يمكن أن تحققه عقوبات مماثلة إذا استهدفت ثاني أكبر اقتصاد، أي الصين، خاصة أثناء أزمة بشأن تايوان.

و يقول جيراد دي بيبو أحد أكبر زملاء برنامج الاقتصاديات بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن هناك تساؤلا بنفس القدر من الأهمية وهو ما إذا كانت واشنطن وحلفاؤها سوف يستخدمون عقوبات مماثلة ضد الصين، بما في ذلك اعتبارها سلاحا للردع . ويبدو أن الاجابة على هذا التساؤل هي بالنفي بناء على التصرفات والتفضيلات الغربية أثناء أزمة أوكرانيا.

ويضيف دي بيبو في تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيحية والدولية أن العقوبات التي تستهدف روسيا تشمل الماليات، والواردات، والصادرات والسفر، والأفراد.

وفي سياق الصين، يتركز النقاش حول ما سوف تحققه العقوبات المالية المماثلة بالنسبة للصين وقطاعات المال والتجارة العالمية. ولا شك أن حظر استفادة البنوك الصينية الكبرى من شبكة سويفت، أو قطع صلاتها المصرفية المراسلة بالدولار الأمريكي، أو تجميد إحتياطي العملات الأجنبية الخاصة بالبنك المركزي سوف يتسبب في عرقلة واسعة النطاق.

ويقول دي بيبو الذي انضم إلى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بعد العمل 11عاما في أجهزة المخابرات الأمريكية في مجال الاقتصاد إن السيناريوهات تعتبر معقدة، ولكن القليل من المقارنات بين الصين وروسيا تعطينا فكرة عن مدى التأثير الكبير الذي سيكون لمثل هذه العقوبات إذا استهدفت بكين.

ففي عام 2021 كان إجمالي الناتج المحلي للصين أكبر ثلاث مرات تقريبا من إجمالي الناتج المحلي الروسي، وكان بالبنوك الصينية أرصدة تزيد 30 مرة عما كان لدى البنوك الروسية. فالصين هي أكبر اقتصاد تجاري في العالم، والدولة المصدرة الأولى للسلع المصنعة وبفارق كبير للغاية.

ورغم ثقل الصين الاقتصادي، فإنها تواصل الاعتماد على الدولار الأمريكي بالنسبة لمعظم معاملاتها المالية الدولية، مما يجعلها عرضة للتأثر بالعقوبات المالية الأمريكية، خاصة إذا ما تم فرض هذه العقوبات بالتعاون مع اقتصاديات متقدمة أخرى- كما هو الحال بالنسبة للعقوبات المفروضة على روسيا.

ويقول دي بيبو إن مسار العقوبات الفعلية على روسيا يوفر بعض الرؤى المفيدة فيما يتعلق بفرض مثل هذه العقوبات على الصين، فقد سارت العقوبات على روسيا وفق تسلسل ثلاثة أهداف هي: الردع، وزعزعة الاستقرار،والإذلال.

وإذا ما قارنا الظروف الاستراتيجية التي تواجهها أوكرانيا حاليا بما قد تواجهه تايوان في حالة التعرض لتصرفات صينية لفرض التوحيد بالقوة مع تايوان، سوف نجد أن هدفي العقوبات – زعزعة الاستقرار والإذلال- يعتمدان في جانب كبير على قدرة أوكرانيا على مواصلة عملياتها العسكرية في ظل خطوط اتصالات أرضية تربطها مباشرة بالغرب. ومهارة وشجاعة القوات الاوكرانية واضحة، لكن قدرتها على مواجهة القوات الروسية تعتمد أيضا على تدفق مستمر للأسلحة والذخائر الخارجية.

وفي حالة أي أعمال عسكرية صينية واسعة النطاق ضد تايوان، سوف تكون أي تدفقات غربية مماثلة للمساعدات العسكرية وغير العسكرية لتايوان أمرا أكثر صعوبة - وربما مستحيلا- حيث سوف تسعى القوات البحرية والجوية الصينية لفرض حصار على الجزيرة حتى وإن كان ذلك لا يرقى لمستوى غزو برمائي واسع النطاق.

ومن المحتمل التزام القادة الصينيين، ربما أكثر من بوتين، بتحقيق أهدافهم العسكرية بمجرد اشتراك قواتهم في القتال. وليس من المرجح أن تأمر بكين بأعمال عسكرية ضد تايوان إذا ما رأت أن العقوبات، بما في ذلك قيود الصادرات، ستقوض قدرتها على مواصلة العمليات. كما أن بكين سوف تتعلم من أخطاء روسيا.

ويمكن القول إن أي استراتيجية غربية مماثلة لفرض العقوبات على المعتدي وإعادة إمداد الطرف المقاوم بما يحتاجه- لمحاربة المعتدي وحده- لن تكون ذات جدوى في أي سيناريو خاص بتايوان. وعلى هذا الأساس فإن هدفي العقوبات- زعزعة الاستقرار والإذلال- سيكون تصور تحقيقهما ضئيلا ما لم يعتقد القادة الغربيون أن الجهد الحربي الصيني سوف ينهار من العقوبات وحدها، وهو أمر غير محتمل.

ولذلك فإن الهدف الثالث وهو الردع الاقتصادي هو المعقول. وهذا هو الهدف الذي فشلت العقوبات بوضوح في تحقيقه ضد روسيا.وعلى أية حال، فإنه إذا ما فشل الردع الاقتصادي في أي أزمة، فإن هناك احتمال مشاركة القوات الأمريكية بصورة مباشرة في حالة وقوع هجوم صيني ضد تايوان. ولأسباب سياسية، قد تفرض واشنطن عقوبات لزعزعة الاستقرار أو الإذلال بغض النظر عن فرص نجاحها. ولكن في ذلك السيناريو، قد يكون التأثير المباشر للعقوبات الصارمة ضد الصين أقل أهمية اقتصاديا من الاضطرابات الفعلية للتجارة البحرية الآسيوية ومسار الحرب نفسه.

وعموما، يتعين على صانعي السياسات عدم الرضا عن الذات أو الاقتناع أكثر من اللازم بالردع الاقتصادي. وينبغي على القادة الغربيين عدم خداع أنفسهم بالاعتقاد بأن الردع الاقتصادي بديل عن الردع العسكري الموثوق به.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي