آخر الكهنة الروس يقفون ضد الحروب

أ ف ب-الامة برس
2022-05-01

 تمثال للينين في وسط بلدة كوستروما في روسيا في 24 نيسان/ابريل 2022 (ا ف ب)

موسكو: يؤكد الأب غيورغي إديلشتين البالغ التاسعة والثمانين وهو من الكهنة الأرثوذكس الروس القلائل الذين يعارضون الحرب في أوكرانيا،  أنه لا يمل من النقاش الجيد ويشير وهو جالس أمام مجموعة من الإيقونات، إلى كرسي فارغ  أمامه قائلا "أود أن يكون أمامي واحد أو اثنان من خصومي".

وردا على السؤال لماذا هو واحد من الكهنة الأرثوذكس القلائل في روسيا الذين يعارضون الهجوم على أوكرانيا؟ يأتي رد الكاهن المسن ذو اللحية البيضاءبلا تردد وإن بصوت مرتعش.

يقول "أخشى أن أكون كاهنا سيئا لأنني لم أقف دائما ضد كل الحروب. لكنني أقف دائما ضد الحروب العدوانية، والغزو".

وفي حديث لوكالة فرانس برس في منزله في قرية نوفو-بيلي كامين التي تقع على ضفاف نهر فولغا وتبعد ست ساعات بالسيارة عن موسكو، يؤكد الأب إديلشتين أن "أوكرانيا مستقلة، فليفعلوا ما يشاؤون".

منذ هجوم 24 شباط/فبراير، وقف قلة من رجال الدين في الكنيسة الروسية التي يبلغ عدد أتباعها 150 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، ضد حملة الكرملين العسكرية.

بل بالعكس، ضاعف رئيسها البطريرك كيريل العظات المؤدية للهجوم الروسي داعيا إلى "الالتفاف" حول السلطة لدحر "أعداء" الوحدة التاريخية بين روسيا وأوكرانيا.

ومنذ تعيينه في 2009، يؤيد كيريل تحالفا مطلقا مع نظام فلاديمير بوتين باسم قيم محافظة في وجه دول غربية غير مؤمنة برأيه.

والكنيسة الأرثوذكسية الروسية الحالية تحكمها سلطة هرمية جدا وكانت تخضع لسيطرة الاستخبارات في حقبة الاتحاد السوفياتي. وهي لم تشجع يوما النقد لكن ما زال فيها بعض الخارجين عن خطها.

- "أياد ملوثة بالدماء" -

في 25 شباط/فبراير وقع الأب إديلشتين رسالة كتبها أحد أصدقائه هو الأب يوان بوردين ونُشرت على الموقع الإلكتروني لأبرشيتهما في قرية كارابانوفو في منطقة كوستروما.

وقالت الرسالة التي حذفت بعد نشرها إن "دماء الأوكرانيين لا تلوث فقط أيدي القادة والجنود الروس الذين ينفذون الأوامر، بل والذين يدعمون هذه الحرب أو يلزمون الصمت".

دان رئيس أبرشية كوستروما المطران فيرابونت هذا التدخل وأشار إلى أن الكاهنين هما رجلا الدين الوحيدان اللذان اعترضا على الغزو، في المنطقة التي تضم 160 كاهنا.

لكن الاحتجاج لم يتوقف عند هذا الحد. ففي السادس من آذار/مارس خلال قداس تحدث الأب بوردين بشكل سلبي عن النزاع.

في اليوم نفسه تم استدعاؤه واستجوابه في مركز الشرطة. في العاشر من آذار/مارس فرضت عليه غرامة قدرها 35 ألف روبل (440 يورو) بتهمة "تشويه سمعة" الجيش وهي جريمة جديدة يعاقب عليها القانون بالسجن ثلاث سنوات في حالة تكرار المخالفة.

وفي المحاكمة شهد أربعة أشخاص ضده.

وقالت سيدة من الرعية بحسب نسخة من الملف اطلعت عليها وكالة فرانس برس "خلال القداس ، أخبرنا الأب بوردين (...) أنه سيصلي من أجل أوكرانيا".

- "شيطاني" -

يعبر الكاهن بوردين (50 عاما) باستمرار عن معارضته الهجوم الروسي. وقال لوكالة فرانس برس من منزله بالقرب من كوستروما "وصية +لا تقتل+ بالنسبة لي غير مشروطة تماما مثل الوصايا الأخرى".

واضاف أن قلة من الكهنة الأرثوذكس الروس ينتقدون النزاع لأن كثيرين لديهم يتأثرون ب"الدعاية" و"ليسوا على درجة عالية من التعلم". يضاف إلى ذلك الخوف من عقوبات أو إجراءات قانونية.

وقال يوان بوردين إن الشرطة جاءت لالتقاط صور لمنزله وسيارته.

وأوضح الأب غيروغي إديلشتين من كنيسة صغيرة بُنيت بالقرب من منزله أن "الأب بوردين أكثر شجاعة مني".

اعتنق إديلشتين الذي ولد لأب يهودي وأم كاثوليكية بولندية، في 1955 الأرثوذكسية على أمل، انتهى بخيبة، في الإفلات من قبضة النظام السوفياتي. وهاجر أحد نجليه يولي يوعيل إلى إسرائيل حيث اتبع مسيرة سياسية مهمة.

وقال إن "قادة كنيستنا ما زالوا خاضعين للنظام الشيوعي"، مؤكداً أن بطريركية موسكو أعيد إحياؤها في 1943 على يد رجل "شيطاني" هو ستالين.

لكن الكاهنين لا يقدمان نفسيهما كمعارضين. وباسم وحدة الكنيسة الروسية التي شهدت انقسامات رهيبة في تاريخها، لا يدعوان إلى عصيان البطريرك.

ويقول يوان بوردين إنه "إذا ارتكب شخص خطيئة، فهو يضر نفسه لكنه لا يضر بالكنيسة بأكملها".

مع ذلك، في بداية نيسان/ابريل انسحب من الخدمة الفعلية ويفكر في مستقبله داخل الكنيسة أو خارجها.

وبورودين من عائلة متدينة لكنه رُسم في 2015  بعد عمله كصحافي. وهو حريص على احترام "قناعاته الراسخة".

وقال "إذا تحدثت في هذه الكنيسة مع فرض رقابة على نفسي، وإذا توقفت عن القول إن الخطيئة هي خطيئة وأن إراقة الدماء غير مسموح بها، فعندئذ شيئا فشيئا ، لن أعود راعيا".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي