
بوشعيب الساوري
«خواطر ومشاهدات مقيم ـ مواطن» للكاتب المغربي الراحل عزيز رزنارة، الصادر عن دار كلفن للنشر (2021) هو أول إصدار للكاتب الذي كان في الأصل عبارة عن مجموعة من المقالات المنشورة في بعض الجرائد والمواقع الإلكترونية، وهي مجموعة من الخواطر والتأملات التي عنّت للكاتب من خلال مشاهداته وما كان يعيشه من تجارب حياتية ومهنية في تدبير الشأن الثقافي كمسؤول عن مجموعة من الفعاليات الثقافية، بعيداً عن وطنه المغرب الذي لا يغيب قط عنه، ومتابعته بعين ناقدة لسلوكات بعض المغاربة والعرب المقيمين في دولة الإمارات العربية، حيث كان يقيم ويعمل من خلال إشرافه على مجموعة من الفعاليات والأنشطة الثقافية.
تتوزع مقالات الكتاب على 395 صفحة من القطع المتوسط. يبدو لنا أن الخيط الناظم بين هذه المقالات الكثيرة هو ثيمة الحنين، الذي كان بمثابة آلية مقاومة لتجنب التغييرات، وكان أيضا ملاذا، يحتمي به الكاتب مما يعتري معيشه وما يجري حوله من تحولات متسارعة بدت له أنها تهدّد كل ما هو أصيل حسب قناعات الكاتب، في زمن سيادة التقنية، وتطال سلوكات الإنسان وقيمه، وتقوده إلى عزلة وسط جماعته الصغيرة، بل ترميه في غربة قاسية، إن كان وفياً للقيم الإنسانية النبيلة التي تقاوم تشوهات «الزمن الرديء» بتوصيف الكاتب، وتواجه النسيان، وهو ما جعله يحفّز ذاكرة الكاتب ويشعلها، وبالتالي فهذا الحنين يشتغل حينما بدأ الكاتب يدرك التغييرات اللافتة التي تجري حوله في سلوكات الناس وأذواقهم، التي تجعل الكاتب يشعر بالغربة والعزلة، أي يتم تشغيل الحنين من خلال تجارب سلبية، فيعمل هنا كآلية لإصلاح الحالة المزاجية للكاتب للتعامل مع هذه التحولات السلبية.
غالبا ما يكون الحنين عاطفة إيجابية خاصة، مرتبطة بالذاكرة التي تنشّطها، تفاعلاً مع الحالة النفسية التي يعيشها الكاتب، في علاقته مع ما يجري حوله في «الزمن الرديء» وهو ما يجعل الحنين شعورا بالضياع، يعبّر، بشكل صريح، عن نوع من الأسف على ما يراه من سلوكات ومواقف لدى الأشخاص الذين يتعامل معهم التي تسبب له عدم الارتياح والقلق والمعاناة في حاضره، وتهدد ثقافته ومعها هويته، وتولّد لديه مخاوف على مُستقبله؛ فيحتمي بالحنين الذي يشده إلى ماضيه عله يريحه ويحل أزمته مع حاضره، ويحافظ على هويته عبر الرغبة في استعادة ما كان قبل التغيير، بل يصير الحنين، عند عزيز رزنارة، ممارسة ثقافة وتماهيا مع هوية صارت معرضة للتشويه، ويسعى إلى استعادتها واستمراريتها من خلال ممارستها، من خلال إدراك وجود صلة بين ماضي وحاضر ومستقبل الكاتب، على الرغم من التغييرات الحتمية على مدار الحياة، فلا يكتفي بالشعور بالحنين، بل يحوله إلى ممارسة تمجّد ممارسات وسلوكات وقيم وأشياء من الماضي الحضاري للكاتب، في مجالات متنوعة مثل الموسيقى (عبْر الحرص على الاستماع إلى سيدة الطرب العربي أم كلثوم) والأسماء (من خلال تمجيد الأسماء المغربية الأصيلة والدعوة إلى الحفاظ عليها) والأطعمة (بتفضيل الأكلات المغربية أمام الأكلات السريعة وكل المحاولات الفاشلة في تقليدها).
هكذا يبدو أن حاضر الكاتب بتحولاته المتسارعة، وما يطاله من فقدان لكثير من القيم، لم يكن يقدم تجارب إيجابية مثل ماضيه، لذلك استخدم الحنين لمقاومة التغيير الذي يبدو له مهددا وللتأقلم ووضع نغمة أكثر إيجابية لحياته، بل حوله إلى ممارسة.
كاتب مغربي