«مسافة أمان».. اختلاطات لونية عابرة لجناس قابل للتأويل!..

2022-04-08

طلال مرتضى

منذ العتبة العليا «مسافة أمان» يتمهل، قارئ الكاتبة سوسن ديكو قبل الولوج إلى عمق حكايته، فالتروي لم يكن حالة مرتجلة بقدر ما هو فطرة لا إرادية تكتنزها الروح البشرية عندما تتلقى إشارات تنحو نحو فكرة الحذر.

فمنجز الكاتبة ديكو، ومنذ وهلة القراءة الأولى، يحدد لقارئه خط سيره قسراً، بجملة الدلالات المخبوءة داخل مفردتي (مسافة أمان) إذن هذا يفضي إلى أن المرور عبر هذا المنجز مشروط، فسلطة القارئ تنتهي بمحايثة الأشياء ومقاربتها من بعيد، دون العمل على فك دوالها بباقي الحواس، فالحكاية لم تتوقف عند تلك العتبة التحذيرية، بل ذهبت الكاتبة لتجسيدها لونياً، فهي فنانة تشكيلية تعي تماماً ما يدور في ذهن المرء الذي سيقتني كتابها، لهذا ابتدعت حاسة تالية لمحاصرة الكائن المتطفل (القارئ) الذي همّ في دخول عوالمها الداخلية، عندما جسدت فكرة «مسافة أمان» بالألوان، فالقارئ العليم يستطيع أن يستشف من معطى الألوان على الغلاف، بأنها ألوان حارة، وتبتعد مسافة وافية عن ألوان السكينة أو الرواق إن صح مقام القول، وهي ألوان تنحو إلى منحى التصحر والجفاف والقلق، وهو يوتر القارئ في لحظة عبور سريعة، بعد أن يكتشف بأنه اقتيد إلى مكان ما بطريقة الخطأ وإن كل شيء بين يديه يتبدى مقلوباً، فالكاتبة جعلت من السحب الصافية التي التقطت من نافذة طائرة أرضاً لـ»مسافة أمان» هذه وجعلت من سماء حكايتها فضاء متصحرا يثير الريبة..

من باب «يحق للشاعر ما لا يحق لغيره» ربما أرادت سوسن ديكو أن تضع قارئها في منتصف المعمعة التي تسكن هي في محور دوامتها، فلا يستطيع أحد أن ينكر عليها رؤيتها وبالطريقة التي ارتأت تجسيدها، بعد أن انقلبت موازين حياتها بفعل الحرب، لعلنا ومن كوة التنظير القرائي نجد أن فكرة سوسن ولدت بشكل خاطئ وأن تلك الولادة كانت أشبه بما يطلق عليه، الولادة من الخاصرة، أنا أجزم بأننا جميعا مخطئون وسوسن وحدها التي رأت الحياة بشكلها الصحيح..

«مسافة أمان» من الداخل لا يقارب ولو بشكل بسيط فكرته من الخارج، فالمنجز يحمل بين طياته عدداً من اللوحات الفنية، رسمتها الكاتبة ديكو في أوقات متباينة، يجانب كل عمل فني منها نصاً نثرياً، وبالمقاربة الفعلية بين كلمات النصوص وموضوعات اللوحات نجد أن المنحيين الكتابي والفني يتحدثان أو يشرحان بعضهما بعضاً، فدلالة الألوان التي، وكما قلت، غالباً ما تذهب نحو الفراغ أو الانزواء أو الصمت أو حتى الفقد، فهي ألوان قاسية ليس بحدتها فقط، بل بمعطاها، حيث يخيم البني الداكن أو الأصفر المحروق أو الرمادي المغشى، بشكل مفجع وحتى الأحمر حينما يوجد على أرض لوحة ما فهو لا يعبر عن حال لسمو العاطفة وارتقائها نحو مراتب العشق، بل يتبدى بثوب التردد والخوف والغضب، وهذا ينطبق تماماً على فكرة النصوص، التي أشي بأنها ليست إلا نصاً واحداً وطويلاً كتب على عدة مراحل زمنية، تم توزيعه على الصفحات، بعد أن فصلت حواشيه بعتبات داخلية تفضي ملامحها البيانية إلى هالات الفراغ، التي تدور في محورها أفكار الكتاب، أنين الألم، روح متعبة، حنين المسافات، همسات الشوق، ألم الرجاء، مطر الشوق، ومثلها أخريات..

أن يتسلق هذا الصباح إلى صوتك

فيتدلى كنجمة تضيء اغترابي..

تعزف لحناً للحياة..

أو يكتبني شعراً بأبسط

الكلمات..

لهو أول وآخر مسافة

أمان بيننا.

الكلمات دائما تنسل من تحت معطف الكلام، بغض النظر عما يحال لتجنيسها كتابياً، لكنها تبقى انعكاسا لظل روح قائلها/ كاتبها.. لهذا قد يتقبل القارئ كلمات الكاتبة ديكو على فطريتها، دون أن يذهب لفكرة تجنيسها الإبداعي، فسقفها العالي يتوقف عند حد (البوح) وهذا السقف يحد من سلطة النقد عليه.. قدمت انفعالاتها بمعطى الألوان، أكثر من تمكنها من تقديم مقاربات كتابية تحاكي أفكار اللوحات، فالقارئ الذي يستطيع فك شيفرات ألوانها، يمكنه الوصول بيسر إلى مكمن أكواد حروفها المتناثرة على مد «مسافة أمان:

ضمني إليك كطفلة

حالمة..

فدونك لا حلم يكتمل..

حتى «في ألف ليلة وليلة» بحثت عنك

ولم أجدك..

أنا التي كتبتك اسمك

بالحكايات..

ورويت سيرتك من ماء قصصي..

كنت اعرف أنك لن تعود..

لكنني لا أعرف لمّا ابتكرتك بطل حكاياتي!

«مسافة أمان» صادر عن دار الاتحاد العربي المصرية 2022.

كاتب سوري









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي