هل تفتح المفاوضات الجادة نافذة للخلافات بين أوكرانيا وداعميها لصالح روسيا؟

د ب أ- الأمة برس
2022-04-08

من المرجح أن بوتين يرى أن هناك حاجة أولا إلى استعادة صورة روسيا وقواتها المسلحة وتحسين موقفها التفاوضي (أ ف ب)

واشنطن: بعد انتهاء عدة جولات من المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا حول إنهاء الحرب بينهما، دون تحقق نتائج ملموسة حتى الآن لحلحلة الأزمة التي يتردد صداها في العالم كله، بات التساؤل الذي يطرح نفسه هو إلى أي مدى يتفاوض الجانبان بجدية؟

ويقول المحلل الأكاديمي الأمريكي الدكتور بول بيلار في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية إن النظام الروسي بقيادة فلاديمير بوتين ربما لا يكون مستعدا بعد للدخول في مفاوضات بطريقة جادة ونزيهة بما فيه الكفاية لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

ومن المرجح أن بوتين يرى أن هناك حاجة أولا إلى استعادة صورة روسيا وقواتها المسلحة وتحسين موقفها التفاوضي من خلال تسجيل بعض النجاحات العسكرية الأكثر وضوحا، ربما بتحقيق مكاسب إقليمية إضافية في شرق أوكرانيا. لكن نوعا من الاتفاق المتفاوض عليه سيكون في نهاية المطاف السبيل الوحيد للوصول بالحرب والمعاناة التي تسببت فيها إلى نهاية.

ويضيف بيلار الذي عمل سابقا لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وهو الآن زميل أول غير مقيم في مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون ، بالإضافة إلى دوره كزميل أقدم غير مقيم في مركز الأمن والاستخبارات في معهد بروكينجز للقرن الحادي والعشرين، إن أي من الطرفين لا يستطيع التوصل إلى مثل هذا الاستنتاج من خلال الوسائل العسكرية وحدها.

ويوضح بيلار أن روسيا أثبتت بالفعل عجزها عن تأمين أهدافها العسكرية الأساسية. وعلى الرغم من أن المقاومة الأوكرانية دفعت بعض المراقبين إلى إعلانها "منتصرة" في بعض النواحي، إلا أنها غير قادرة عسكريا على طرد القوات الروسية من الأراضي المتنازع عليها أو حتى من جميع الأراضي التي استولت عليها روسيا منذ بدء الحرب الحالية في شباط/فبراير الماضي.

ويضيف أنه كلما اقتربت المفاوضات الجادة، سوف تصبح الخلافات بين الأوكرانيين وأنصارهم الأجانب حول شروط السلام التي ينبغي اعتبارها مقبولة واضحة بشكل متزايد وسوف تفسد الوحدة الدولية التي تحققت حتى الآن في الوقوف في وجه العدوان الروسي. وقد تفاقم الافتقار إلى الإجماع الذي كان موجودا بالفعل بين مؤيدي أوكرانيا فيما يتعلق ببعض القضايا المتنازع عليها بين روسيا وأوكرانيا بسبب الحرب نفسها والطريقة التي أدار بها الجيش الروسي هذه الحرب.

وسيكون من الصعب صياغة بيان بسيط ومتفق عليه لهدف الجانب الأوكراني في هذه الحرب. وبعض التصريحات الأكثر بساطة الصادرة عن أوكرانيا نفسها تتحدث عن إنقاذ أرواح وسبل عيش الأوكرانيين ومنعهم من العيش في ظل ديكتاتورية روسية. وفي أماكن أخرى من الغرب، لم يكن هناك نقص في التصريحات القصوى بأن روسيا "يجب أن تُهزم" وأن أوكرانيا "يجب أن تنتصر". وإن الفظائع التي اتضح أمرها في المناطق التي انسحبت منها القوات الروسية سوف تغذي المزيد من التفكير الذي يذهب لأبعاد قصوى.

ومن المحتمل أن يكون الافتقار إلى توافق في الآراء بشأن الأهداف مصحوبا بعدم توافق في الآراء بشأن ما يمكن تحقيقه عسكريا. وتتراوح الأهداف العسكرية الأوكرانية التي يمكن تصورها ما بين ما يكاد يكون من المؤكد أنه بعيد المنال (مثل استعادة شبه جزيرة القرم) وما أثبت الأوكرانيون بالفعل أنه في متناول اليد (مثل استعادة بعض المناطق التي تحتلها روسيا بالقرب من كييف).

ويقول بيلار إن قبول شروط سلام محددة هو مسألة ترجع أولا وقبل كل شيء للأوكرانيين للاتفاق عليها فيما بينهم. فقد أظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مهارات قيادية أسطورية الآن في إلهام المقاومة الوطنية ضد الروس، لكن مهاراته السياسية ستختبر بشدة في تبني موقف نحو سلام تفاوضي من شأنه أن يثير غضب المواطنين الذين يعتقدون أنه لن ينهي حربا مدمرة للغاية في وقت قريب بما فيه الكفاية أو الأوكرانيين الآخرين الذين يعتقدون أنه يتنازل كثيرا لنظام روسي مكروه. وقد يواجه غضبا من كليهما.

ولا ينبغي للولايات المتحدة وغيرها من المؤيدين الخارجيين أن يحاولوا إدارة هذا النقاش بين الأوكرانيين. ومع ذلك، يجب أن يكون المؤيدون على دراية بمجموعة وجهات النظر داخل أوكرانيا، والضغوط الداخلية التي سيتعرض لها زيلينسكي.

وسيمتد الاختلاف في الآراء حول شروط السلام المقبولة إلى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. وقد تركز معظم الاهتمام حتى الآن فيما يتصل بوجهات النظر المختلفة عبر الأطلسي بشأن الأزمة الأوكرانية على درجات مختلفة من التسامح مع العقوبات المفروضة على روسيا، وخاصة في ضوء الاعتماد الأوروبي على الطاقة المستوردة. لكن وجهات النظر المختلفة حول كيفية إنهاء الصراع سوف تنبع أيضا من الصراع الذي ينظر إليه على أنه أكثر من مجرد حرب بين روسيا وأوكرانيا.

وقد تنطوي أغلب هذه المفاهيم على التمسك بشروط سلام أفضل، في ظل خطر إطالة أمد الحرب، أكثر مما قد يفضله معظم المفكرين في كييف.

ومن غير المرجح أن تؤدي أي تسوية سلمية يمكن تصورها إلى إعادة السيطرة الأوكرانية على جميع الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك دونباس وشبه جزيرة القرم حتى لو استمر الأوكرانيون على مدى الأسابيع القليلة المقبلة في القتال بنفس القدر من الفعالية التي أبدوها حتى الآن. ومن المؤكد أن زيلينسكي يدرك ذلك، لكنه يحتاج أيضا إلى تجنب الخطوة المؤلمة سياسيا، وربما الانتحارية سياسيا، المتمثلة في التنازل رسميا عن الأراضي في مواجهة العدوان الروسي.

ويقول بيلار في ختام تقريره إن أحد الموضوعات التي بدت في الكثير من التعليقات حول الحرب هو أن أي نوع من السلام الذي سيتم التوصل إليه يجب أن يضمن بطريقة أو بأخرى عدم انتهاك روسيا لأي اتفاق سلام وألا تقدم على غزو أوكرانيا مرة أخرى في المستقبل. وبالنظر إلى الانتكاسات العسكرية والتكاليف الهائلة التي تكبدتها روسيا في هذه الحرب، والدروس التي تحملها هذه التجربة لأي صانع قرار روسي حالي أو مستقبلي، فإن عتبة غزو روسيا لأوكرانيا مرة أخرى أصبحت الآن أعلى بكثير مما كانت عليه قبل شهرين.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي