حمزة مصطفى أبو توهة... أن تحقِّق كُتب التراث في غزّة

2022-04-03

أبدى الباحث الفلسطيني، حمزة مصطفى أبو توهة، اهتماماً مبكّراً بمخطوطات التراث، التي لا توازي ضخامة مادّتها إلّا نُدرة الاهتمام بها، وقد حقّق إلى اليوم أحد عشر مخطوطاً. هنا حديثٌ معه حول عمله.

ما الظروف التي تعتقد أنّها هيّأت لك الانخراط في مجال التحقيق؟

- نشأتي في بيئة مليئة بالكتب - ولا سيما مكتبة والدي - دفعتْني إلى الاحتكاك بها من قريب، في وقت مبكّر من عُمري، حينما كنت في الإعدادية. وعند تكرار رؤيتي مصطلحَ "دراسة وتحقيق" على أغلفة الكتب، دفعني الفضول إلى التفكير في هذا المصطلح الغريب عليّ، فبحثت على الإنترنت حول "التحقيق"، واهتديت إلى أنّ هذه الكتب المطبوعة تحت هذا التصنيف هي في الأصل لعُلماء قدماء، قام أحد المعاصرين بالوقوف على نسخها المخطوطة القديمة، وإخراجها من حيّز المخطوط إلى حيّز المطبوع. ثم بعد تمكُّني في عِلم التحقيق، ومن قبله في عِلم النحو، بدأت التنقيب عن كتب مخطوطة لم ترَ النور، فكان أوّل عهدي بمخطوط عملت عليه كتابُ "البهجة الوفيّة" للإمام بدر الدين الغزّي. كنت حينها في الثانوية العامّة.

كيف تختار ما تحقّقه؟

ضخامة التراث المخطوط، وقلّة العناية الموجّهة إليه، تدفعان إلى اعتماد بعض المعايير التي تحكمني في اختيار المخطوط الذي سأوجّه العناية إليه. من هذه المعايير القيمة العِلمية للمخطوط: كأن يُكمِلَ هذا المخطوط شيئاً ناقصاً في تراثنا، أو يستدرِك على سابق، أو يصحّح خطأً، أو يشرحَ مبهَمًا. ومن هذه المعايير القيمة التراثية للمخطوط؛ فقيمته تزداد كلّما كان ممثِّلاً لثقافة عصره، وكلّما كثرتْ إشارة العلماء والمختصّين إلى أهميته. تُضاف إلى هذين المعيارين شُهرة المؤلّف، التي تزيد من قيمة المخطوط.

ما الصعوبات التي تواجهك كمحقّق، سواء لناحية الحصول على المخطوطات أو الظروف الشخصية الملائمة خلال عملية التحقيق؟

الصعوبات التي تواجهني في التحقيق كثيرة جدّاً، منها: أنّ كثيراً من المخطوطات يحتاج إلى شراء، وجهودي في التحقيق فرديّة، فكثير من المخطوطات يحتاج إلى دعم خارجي لتحصيلها، وهذا ما لم يقع لي، فكلُّ ما اشتريته من المخطوطات كان على حسابي الشخصي، سواء بالاستدانة أو ببيع ممتلكات خاصّة... ومن هذه الصعوبات عدم التفرُّغ للتحقيق، بل يجب عليَّ امتهان بعض الأعمال لأحصِّل قُوْت يومي وأسرتي، ومنها قلّة الإمكانات التي أعتمد عليها، ابتداءً من "اللابتوب" ذي المواصفات الضعيفة، وانتهاءً بعدم توافر بعض الأشياء أصلاً، كالجهاز اللوحي (الآيباد)، وكذلك المشكلة العامّة المتمثلة في ندرة توافر التيّار الكهربائي في غزّة!

هل هناك ما يجب إعادة تحقيقه من كتب التراث النحويّ؟

لا شكّ في أنّ الباحثين المحقّقين لكتب النحو تختلف مستوياتهم، سواء في معرفتهم بالتحقيق وأصوله من حيث أنه عِلم نَظريّ، أو من حيث تمكّنهم وقدراتهم العِلمية في الفن الذي يحقّقون فيه، أي النحو. وهذان الأمران جعلا الكتب المحقّقة مختلفة في صورتها المطبوعة بين كتاب وقع تحت يد خبير في التحقيق والفن، فخرج بحلّة قشيبة تسرّ المؤلّف وأهل ذلك الفنّ، وبين كتاب وقع تحت يد مَن أخلّ بأحد هذين الأمرين، فخرج الكتاب على صورة لا تُرتضى. إعادةُ تحقيق مخطوط مطبوع ليس باباً مفتوحاً لأيّ شخص شاء، أو كيف شاء، أو متى شاء، بل يجب أن يجتمع على المطبوع بعض الأمور التي تسوِّغ لِمَن أراد إعادة تحقيقه أن يفعل ذلك من غير مؤاخذة ولا ملامة.

ما أبرز هذه المسوِّغات؟

من أهمّ المسوِّغات: نشْرُ المخطوط من غير تقديمه بدراسة تضمّ تعريفاً بالكتاب ومنهجَ المؤلّف فيه وقيمته وما يتعلّق بذلك من مكمِّلات؛ ونشْرُ المخطوط ناقصاً منه بعض الأبواب أو الفصول أو الصفحات أو العبارات أو الكلمات التي تؤثّر في مضمونه؛ أو، عكْسُ ذلك، نشْرُ المخطوط مزيداً فيه عبارات أو كلمات ليس ممّا وضعها المؤلف ابتداءً؛ أو نَشْر المخطوط من غير خدمة متْنه والتعليق عليه بتعليقاتٍ تتطلّبُها عبارات الكتاب وألفاظه ومصطلحاته.

ومن المسوِّغات أيضاً نشْرُ المخطوط في زمن قديم لم تكن متوافرةً فيه مراجعُ ومصادر اعتَمد عليها المؤلّف، ما من شأنه أن يُعين على إخراج المخطوط بحُلّةٍ أكثر صحّةً ودقّة، ومنها نشْرُ المخطوط ممتلئاً بالتصحيفات والتحريفات والأخطاء التي تخلّ بحقيقة الكتاب، وكذلك نشر المخطوط اعتماداً على نُسخ متأخّرة، سقيمة، ثم ظهور نُسخ أتمّ وأصحّ وأكثر تأثيراً في عملية التحقيق.

ما واقع تحقيق المخطوطات في فلسطين، وهل ثمّة تعاون بينك وبين مؤسسات فلسطينية أو عربية؟

- لا يَظهر أنّ لدى أهل الشأن والاختصاص بالتراث جهوداً مؤسّساتية رسمية إلّا على استحياء، بل كلّ ذلك - على قلّته - جهود فردية. أمّا التعاون بيني وبين مؤسّسات خارجية، فلا يوجد منه شيء؛ لأنّ جهودي في التحقيق فرديّة، كما أسلفتُ، إذ لستُ متفرغّاً له، ولا أمتهنه عملاً رسميّاً.

بطاقة

باحث ومحقّق في مخطوطات التراث، من مواليد عام 1995 في غزّة. يعمل أستاذاً للّغة العربية. من تحقيقاته: "البهجة الوفيّة" لبدر الدين الغزّي، و"الوفيّة باختصار الألفيّة" (الغلاف) لجلال الدين السيوطي، "و"حاشية ابن هشام الكُبرى على ألفيّة ابن مالك" لابن هشام الأنصاري، و"الكوكب المنير في شرح الألفية الشطير" للمواهبيّ، و"القصيدة العجيبة والمفردة الغريبة ذات الأسئلة المُفحمة والمعاني المحُكَمة" لابن الخشّاب.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي