اللعبة التدوينية في قصص «قرار أخرس» للتونسية حبيبة محرزي

2022-04-01

علي لفتة سعيد

في النصوص التي تكبتها المرأة عن المرأة، تشعر بأن هناك عالما مخفيا يمكن أن تراه أو تشعر به على الأقل.. وهو الأمر الذي يجعلنا نقول إن الكثير من كتابات المرأة عن الحياة يكون بطلها رجلا، هي أقل إبداعا، أو أنها تتحدث عن الخارج دون الغوص في الحالة النفسية أو الدواخل، مما ينعكس على عدم الترقّب لما سيأتي، أو لمس ما هو مخفي، ورغم أن ما نقوله ليس شيئا قارا، أو أنه رأي عام لكن النسبة الأعم يقع تحت هذا التوصيف.

استنطاق الحكاية

هذه المقدمة نسوقها ونحن نقرأ مجموعة «قرار أخرس» للقاصة التونسية حبيبة محرزي، التي أرادت ليس عملية الدفاع عن المرأة أو الانتصار لها، بل أرادتها قصصا تبحث عن جوّانيات الشخوص، وتقشير الحالات التي تحتاج إلى عمليات إماطة الأثر، وما تراكم عليها، لكي تكون أكثر قربا ومشاهدة من قبل المتلقّي. هذه المجموعة التي يبدو عنوانها وكأنه محاولة استنطاق صارخة.. فرغم أن العنوان العام هو عنوان لقصّة من القصص، اختارته بعناية ليكون محورا وشاملا ومستوعبا للعبتها القصصية، بأفكارها مرّة وطريقة سردها مرّة أخرى، ما جعل العنوان يكون إطارا عاما للقصص الكلية، رغم أن الأمر في الزمن الراهن صار العنوان في القصص والشعر، لا يعتمد على نصّ محدّد بقدر ما يكون جامعا لها، خاصة تلك المجاميع التي تمشي على سكّة حديدٍ واحدة، أو تتناول جانبا محدّدا من جوانب الحياة، لكن على عدّة مرايا. فالقرار الذي يتّخذ يحتاج إلى إعلان، والإعلان يحتاج إلى صوت، والصوت يحتاج إلى جرأة ـ ولهذا فإن اللعبة بدأت من العنوان الكلي، ليتوزّع إلى العناوين الفرعة، لتتبيّن لها معاناة المرأة حتى في قرارها، الذي سيكون أخرسَ، وهو الفعل الأول للمستوى التأويلي في لعبة ممارسة المستويات السردية في هذه المجموعة كبنية كتابية لا تبتعد عن تنوّع الحكايات في القصص، كعمودٍ فقري للعبة التدوينية.. فهي أيّ القاصة هنا اهتمّت كثيرا بالدخول إلى عالم المرأة ومعاناتها، حتى لو كانت الشخصية التي تقود الحدث والحكاية، رجلا.. وكذلك محاولة فرش هذه المعاناة أمام المتلقي، ولهذا فإن اللعبة تبدأ من عنوان القصة الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالحكاية، رغم إنها تريد له الارتباط بطريقة السرد للوصول إلى المستوى القصدي.. ويمكن ملامسة الأمر من خلال المستوى الإخباري، الذي يلعب لعبته التدوينية، لذا يكون الارتكاز على قوّة الفعل الذي يرسم الجملة القصصية في أغلب القصص، التي تبدأ بفعل الإخبار من خلال المستوى التصويري، لتنتقل مباشرة إلى الفعل القائم على المستوى الإخباري.. أي أنها تخبر المتلقّي بما حصل، ومن ثم تقوم بالدخول إلى المستوى التحليلي، حتى تصل إلى ذروة الانفعال في تفعيل الصراع والفعل الدرامي للفكرة.. فهناك تصاعد للحدث، وهناك تقشير للمعاناة، وهناك إخبار عن مدلول القصد، وبالتالي فإن الأفكار تتجمع لأنها تريد توصيل فكرتها عبر عملية قفز الفعل المتناوب والمختلف.. فالفعل هنا لا يعني أن جملها فعلية بقدر ما هو فعل متناوب يأخذ دور الراوي أو الأصح الراوية المنيب عن الساردة.. بمعنى إن اللعبة تنتقل ما بين الفعل كقوّة سرد، والإخبار كلعبة قص، والتصوير كلعبة سرد (قاعة الانتظار مكتظَّة.. الجوّ خانق.. أرقب باب غرفة العمليات.. أشعر باختناق.. أغادر القاعة، لم تعد تسعني، أذرع الرواق جيئة وذهابا.. باب غرفة العمليَّات يرمقني، يتشفَّى فيَّ، يرفض التحرُّك.. العملية) من قصة «شرف».

طرق السرد

هذه اللعبة جعلت المتن السردي في القصص يتفاعل مع الصورة المرسومة في الذهن، كأنها تنقل المستوى التصويري إلى المستوى السينمائي، فهي تبحث عن تفاعل الصراع، وبالتالي تفاعل العنصر الدرامي، والانتقال في لعبتها بين المستويات التي ذكرناها تؤدّي بها إلى مخاتلة السرد بطريقة من تريد للمتلقيّ أن يبقى معها.. فهي لا تأخذ الحكاية وتترك السرد، ولا تريد للغة وفعلها أن يكون هو المسيطر. فالقصة تحمل مكوّنات الفكرة، مثلما تحمل عناصر السرد، وهنا تكمن فاعلية اللعبة القصصية، التي تختلف عن فاعليات بقية الأنواع السردية، لأنها تعتمد على الضربة الموحية واللعبة التي ترتديها. (جلست وفي عينيها توجُّس، وفي حركاتها ريبة، استرقت إليها النَّظر، كانت جميلة جدا، عيناها تتفحَّصان الوجوه، وكأنَّها تخشى أمرا ما، رنَّ هاتفها، نظرت إلى الرَّقم ولم تردّ، تركته يرنُّ تحت نظراتها الفزعة، لم أتمالك نفسي وأنا أكاد أسمع وجيب صدرها هنا في كياني، سألتها: ما بك؟ لماذا أنت متوتِّرة؟ مِمَّ تخافين؟) من قصة «في المزاد».

إن طريقة السرد، سواء التي اعتمدت على ضمير الغائب، إلا إن ضمير المتكلّم يتناوب معها والعكس صحيح أيضا، في محاولة لاستنطاق الفعل، ليكّون الصورة الكلية التي تقرّب القصد من وراء الحكاية. فهي تبدأ دوما بفرش العنصر العام، ثم تقوم بتفعيل المستوى الإخباري، لتقوده إلى المستوى التحليلي، فتصعد القوّة إلى ذروتها في العنصر الدرامي للحكاية.. فالقصص عبارة عن حكاية اجتماعية.. صورة لمعاناة.. استلال هامش القاع لتبويب الفعل العام لقاع المجتمع.. المرأة المسلوبة.. المقموعة، المقتولة، وإن كانت ناقلة العلاقات الاجتماعية، ولهذا فإن طريقة السرد اتّخذت لعبة مفادها، أن الحكاية قد تكون مطروقة لكن، التدوين قد ينقذها من هامشية الحكاية، فتعطي مفعول التصاعد وأهميته، وهي بهذا جعلت من القصص عبارة مناورة تقود إلى عدّة أطراف.. الأول: طرف الحكاية وقصديتها.. والثاني: اللعبة التدوينية في مناورة الزمن عبر المكان المحدد، الذي قد يكون حافلة أو شقة أو شارعا.. والثالث: نقل الهامش إلى المركز ليكون مرئيا.. والرابع: المقدرة على رسم الصورة من خلال اللغة وفعلها وتناوبه في فعل القص.

كاتب عراقي









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي