على بعد خطواتٍ من المِلح

2022-03-26

ماركو مونارو

ملاكٌ على حبل الغسيل

حان وقتُ العشاء

وطنينٌ يشتعل بأصوات البشر

لونُ الجدران المُسمَرّ يَغمقّ ويَفهو

مع هبوب الريح وهطول المطر

ملاكٌ على النافذة

يناديني ليجفّ، على حبل الغسيل.

■ ■ ■

إدغام

شفافيةُ الجذرِ ذاتُها

تدغم بحركة واحدة خاطفة

شَفرةُ مِقصلةٍ مخضّبةٍ بالدماء

برأس متدحرجة داخل السلّة

وسيّافٍ تنظر إليه وينظر إليها.

■ ■ ■

ولكنْ

ولكن كيف لا تراني؟ أنا هنا.

قشرُ البطيخ هذا

المحفور والمزروع على العمود في الحديقة

لتخويف الأطفال.

يلتهب داخلي وميضُ شمعة

هل تراني؟ هذا أنا

ذو القناع المشوّه.

في ليلة صيف هادرة

اقترِبْ منّي. والآن اضربني.

■ ■ ■

دوّامات سريعة

I رمّانة مفتوحة

كان هذا عاماً طويلاً طول سنّ الأربعين

الذي نبلغه على مضض وبافتتان

بين دوّامات: الصيف - والإجازات

وتفكير في البيت

وأطفال يكبرون

وعمْرٍ كنا فيه نحن أيضاً

غضّين ومتهيّئين للندوبِ

والأمراض والحمّى والركض الكثير.

 (في السهل يذبل الخشخاش مُنهكاً)

 كما في حوضٍ أو في بحيرة استحممنا داخلها،

وهذا العام سنشاهدها من موطن "أخيل" الذي لنا

بمنعرجاته واخضرار زيتونه وصفصافه،

المُسنّ والضائع

فوق صورة تخرج من قبرها

مسجّلاً على ظهرها،

"كما في الأيام السعيدة لتريبلينكا"*.

 (سماء شاسعة مرصّعة بالنجوم ستطلّ علينا)

 وسيبدو وكأنّه عامٌ  آخر

أطول من الحياة بأسرها،

كظلٍّ، كلحظةٍ، كدمٍ،

كرمحٍ

أصاب هدفه وغدا النورُ بعدَه أعمى.

 (رمّانة مفتوحة،

مفلوقة بين اليدين والأرض)

(* "الأيام السعيدة لتريبلينكا"، وردت هذه العبارة في كتاب "تلك الظلمات" جيتا سيريني، حيث نُشرت صور من معسكر إبادة تريبلينكا (Treblinka): من بينها "الرافعة التي تمّ استخدامها لنقل الجثث من الحفر إلى الشوايات" للمصوّر كورت فرانز. حملت تلك الصفحة عبارة "أيّام سعيدة").

■ ■ ■

مسيرٌ يعقب مسيراً، وبينهما قرون

مسيرٌ يعقب مسيراً، وبينهما قرون

غدت أشجارَ صنوبر وزيتون

على ظهر عُصور جيولوجية

كلُّ شيءٍ باقٍ على حاله، كدربٍ هو لك،

تبلغه... لكنّه لا يفصل شيئاً عن شيء، هو هكذا على الدوام،

يحتضن كلّ شيء بارتباك معْزةٍ

وتواضع بغلة. إلى الأمام!

خلفَك أرضُ اللقالق...

الملأى ببيضٍ ناصع

وأطفال تعيدهم إلى المنازل،

وفي الأسفل بحرٌ هو أبُ الوحوش

يُراقبك بصمته الجليل

وتيّارات وتصدّعات بلا عيون

وأمامك: هذا الدرب اللامتناهي.

■ ■ ■

كنت على برج الجرس (نشيد)

كنتُ على برج الجرس وكنت أنادي

زُرقة تهزم زُرقة، وغيمات تتوالى،

يشتدّ ابيضاضها في السماء

أفردُ رايتي في وجه الريح

راية زرقاء أتت من ساريات البلديّات

بل قبل ذلك

من الإسطبلات

من مخازن الحبوب حيث كان الناس يحصدون

الوادي أيضاً

ومن طاحونة معلّقة فوق الماء.

كنت على برج الجرس وكنت أفكّر

زُرقة تهزم زُرقة، وغيمات وأسماك

تدخل عبر النوافذ

تومض من  شقوق النافذات

إلى جانب القمح والدقيق

عواميد الدار كانت تتعلّم من برد الحناجر القصيّة،

من الحجارة، من الدوّامات والسبخات

 كنت على برج الجرس وكنت أعتقد...

 ثم حلّ المساء

وفي الليل فُكّت الحبال

وانفصلت الفُلك عن الأرض

تمايلت الفوانيس

وغنّى عندليب الوادي

كنت على برج الجرس وكنت أقول

زرقة تهزم زرقة وغيمات

 (عندما استيقظت كنتُ في كافارزيري، ظُهراً على البحر).

■ ■ ■

زنبق الينابيع الكارستية

 مع هذا الضوء تنبع القصيدة

التي خرج العالم من رحمها

وأنا أكتبها على هذه الحافّة المقدونية

على الرمال

وأهديها

إلى زنبق الينابيع الكارستية

كبحّارٍ أخرس وسعيد

أَزهَر على بعد خطوات قليلة من الملح.

■ ■ ■

بيت الكاهن

(إلى عمّتي ليدا)

 تلك الساعات اللامتناهية في ساحة الروضة

خلف الكُرة

أو ذات ليلٍ

أو مطرٍ وضباب

وصمت ينادوننا منه بصوتهم الخفيض

أمواتُ المقبرة القديمة

خلفَ بيت الكاهن:

كلّها تذكرني بك

أو ذات زقاق فابيو فيلزي المرصوف بأحجار النهر والأعشاب،

ومصابيح شوارع تلقي أَضواءً تمتدّ على السلالم

عبرتِ أكثر الأزمنة روعةً

وأشدّ التواريخ اغتراباً

 عرفتُ ذلك من شكل ساقيك

الملتويتَيْن

من حنان وجهك

من طيبة عينيك

من الجنون

الذي كان يهزّ بضربات جافّة

صوتك العتيق

 رخام الكنيستَيْن المتصدّع

الشموع الذاوية

صوت الأجراس

تذكّرني بك

 شيءٌ لا نحسّه ولا نفهم معناه

إلّا في وقتٍ لاحق،

حين يرحل عنّا.

بطاقة

Marco Munaro شاعر ومؤلّف مسرحي إيطالي من مواليد كاستيلماسا عام 1960. حاصل على شهادة في الأدب الحديث من "جامعة بولونيا" (1984). نشر بين 1990 و2021 ثلاث عشرة مجموعة شعرية، كما ترجم عن الفرنسية أعمالاً لريمون كينو ورامبو وفيرجيل. أسّس عام 2003 جمعيّة ثقافية معنيّة بالشعر (Il Ponte del Sale)، ونُقلت نصوصه إلى عدد من اللغات كالإسبانية والبولندية والفنلندية والإنكليزية. القصائد المترجمة هنا مقتطفة من مجموعات: "خمسة أحجار صغيرة" (1993)، و"رماد" (2021)، و"مزهرية زرقاء للنرجس" (2001)، و"البحر الأيوني وبحار أخرى" (2003)، و"داخل الجسد الحيّ للريح" (2009)، و"بيرينس" (2014)، و"صدأ وذهب" (2020).

ترجمة عن الإيطالية: أمل بوشارب







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي