
خاص - الأمة برس - تؤكد عالمة الرياضيات الأمريكية آنا ناغورني أن الحاويات "الكانتيرات" تعتبر من أهم الاختراعات في العالم، وفي غيابها لن يكون هناك سلاسل إمداد Supply Chains أو عمليات شحن بحري والذي يعول عليه بنسبة 90 % في شحن البضائع التي يتم تداولها في العالم بأكمله.
ويعيش العالم بأكمله في الوقت الراهن أزمة تضخم اقتصادية لم يشهد لها مثيل منذ سنوات بعيدة ربما من أواخر القرن الماضي، فالسلع غائبة والطلب عليها كبير والأسعار مرتفعة.
ويمكن تفكيك المشكلة الاقتصادية الراهنة التي يعيشها العالم في الوقت الراهن بالعوة إلى بدايات جائحة كورونا عام 2019م عندما كانت السفن البحرية المحملة بالحاويات تغادر موانئ الصين وتقصد الموانئ العالمية الأخرى ثم تقوم بتفريغ تلك الحاويات من على متنها لكنها نظرا لعدم وجود طلب على بضائع من تلك الدول نظرا للحجر الذي فرضته الجائحة وسبب ركودا اقتصاديا كبيرا، ونظرا لذلك كانت تترك الحاويات في تلك الموانئ وتعود فارغة من الحمولات، ومع الوقت تراكمت تلك الحاويات القادمة من الصين أو غيرها في أنحاء مختلفة من الموانئ العالمية وأهمها موانئ أمريكا الشمالية مثل ميناء لوس أنجلوس وغيرها في الولايات الأخرى.
وبدأت ملامح المشكلة تتضح أكثر حين ذهبت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية إلى سحب كل احتياطاتها النقدية من بنوكها الفيدرالية فيما سمي بعملية "حزم الإنقاذ المالية" التي أرادت الحكومة بها إنعاش الاقتصاد الأمريكي ودعم أفراد الشعب وتحريك العجلة الاقتصادية التي كانت قد توقفت تماما، وبعد أن بدأت الحياة تدب من جديد في شرايين المشهد الاقتصادي الأمريكي بدأ الطلب على السلع المستوردة من الصين وغيرها من الدول الصناعية لولا أن المشكلة التي واجهتها هذه الدول الصناعية هي ما أسميته هنا "أزمة الحاويات" أو "أزمة سلاسل الإمداد" فجميع حاوياتها في موانئ أمريكا وأنحاء متفرقة من موانئ العالم.
وهنا تحديدا بدأت العملات الصعبة تفقد قيمتها الشرائية تماما وعلى وجه التحديد الدولار الأمريكي حيث أن أزمة سلاسل الإمداد قد تسببت في ارتفاع أسعار المواد الخام بالنسبة لمصانع الدول التي تستورد منها الولايات المتحدة بضائعها وأسعار الشحن خضعت للمزادات وارتفعت ما أضطر معظم شركات الشحن إلى إيقاف تقديم خدماتها وبعضها فضل الإغلاق تماما فأدى ذلك كما أسلفت إلى زيادة أخرى في أسعار البضائع بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الخام لدى المصانع خصوصا وتلك المواد يتم استيرادها عبر سلاسل الإمداد البحرية ومع مظاهر التعافي وعودة الحياة في دول العالم زاد الطلب على السلع الغائبة وارتفعت الأسعار أيضا في نفس الوقت وفقدت العملات الصعبة قيمتها الشرائية فما كان يتم شرائه منذ عام بمبلغ ألف دولار مثلا لا يمكن الحصول إلا على ربعه بالمبلغ ذاته في الربع الأخير من عام 2021م.
ولعل الأزمة التي تسببت فيها سلاسل الإمداد بسبب جائحة كورونا وتهاون شركات الشحن في إيلاء أهمية لتراكم حاويات النقل البحرية في موانئ العالم، ستضاعف أكثر فأكثر من مظاهر التضخم الاقتصادي التي يعيشها العالم وستشمل رويدا رويدا كل السلع بما فيها وقود السيارات والمحركات ومشتقات النفط؛ وفي حال لم يتم تفادي الأمر بحلول ذكية كاستخدام بدائل أسرع لسلاسل الإمداد البحرية مثل الطائرات الضخمة المتخصصة في الشحن ونقل البضائع أو غير ذلك من البدائل الممكنة، مثل هندسة وإعادة برمجة عمليات الشحن في الموانئ العالمية بتنسيق عالمي بينها، والعمل بدوام كامل فيها تخفيفا للضغط الحاصل لعمليات نقل السفن للبضائع منها، حتى تتلاشى الأزمة الحاصلة وتختفي مظاهر التضخم شيئا فشيئا مثلما بدأت.