طُرقٌ بألواحٍ خشبيّة في النهار

2022-03-23

زينغ مين

الرغبةُ أَسَدٌ

في جسدي فمٌ كبيرٌ ومُشْرَعٌ،

كأنه أسدٌ مُزمجِرٌ يَحُثُّ الخَطْوَ نحو رأسِ الجسرِ

فوقَ النهرِ،

يَرْقُبُ الاضطراباتِ أسفلَه

والسفينةَ العابرةَ بهدوءٍ خلال الجسر.

يَسمع زئيرَ الزمنِ،

يَلتفتُ، ينظرُ إليّ، يَخطو عائداً إلى قفص جسدي.

ذلك الأسدُ شَعرُه الذهبيُّ يُشبه ضوءَ الشّمسِ،

ذلك الفيل نَهِيمُه كأنه ضَربُ الطُبول،

حيوية الزهرات تعود إلى جسدي،

يأخذني الأسد إلى رأس الجسر،

هناك، حيث أمضي إلى مكان اللقاء.

■ ■ ■

سِرٌّ ما

السماءُ كأنها كتلةُ جليدٍ مذابةٌ

عندما تتلاشى الغيومُ الرماديةُ وتهرب.

الغيومُ الرماديةُ كأنها أشرعةُ بحرٍ عاصفٍ،

كَسِربِ طيرٍ يتدحرج في الريح والغيوم، يسقطُ.

أمام هذه النافذة، زاويةٌ من السماء الزرقاء كانت أُضحيةً،

كأنّني لمحتُها لأوّل مرّة من كهفِ ثلجٍ منحوتٍ،

الماء المنساب الذي انتظرَ هناك كثيراً.

سماءٌ تشبه المرآة لها ظلالُ الربيع،

شجرةٌ طويلةٌ لم تذرف أوراقَها.

على قمّتها، كآبةُ الشتاء المتطاول يبدو كَطيرٍ يرفع جناحيه.

كلُّ شيءٍ، بدءاً من الجوقة الغوغائية، أخيراً يَمُدُّ يدَه بقطعةٍ موسيقية.

هناك، حيث يفتح شابٌ النافذة، كأنه يرى بُرجاً أبيضَ يتلألأ في الأحلام.

يرفع كلّ روحه، لكنّه ليس معنا.

إنّه فقط يستمع: في البحار القصِّية، والجبال، وفي أعماق الثرى.

■ ■ ■

الخيول

هذا الجسمُ المَهيبُ، عندما يقف ثابتاً في البرّية،

لا شيء سوى الريحِ والأعشابِ الطويلةِ،

في البدءِ يكبحُ جماحَ قَدمَيه،

ويَحتقرُ عُلُوّ السماواتِ فوقَه.

في السابق كان صارِماً كسهمٍ،

يرتدي شَعْرَ رأسِه، يركُلُ حوافرَه الأمامية،

يندفعُ للأمام كأنه ماءٌ متفجّر.

لكنْ في هذا العالمِ الوَعِر،

تبقى البطولة أمثولة تامةً حدَّ الإفراط.

طريقٌ لا نهايةَ لهُ يمتدُّ تحت أقدامِه،

يخطو نحو طُرقٍ ذاتِ ألواحٍ خشبيةٍ في النهار، يأكل الأسى،

بينما الشفقُ مرةً أُخرى يَنساقُ نحو أضيقِ نقطةٍ في سوقِ الشارع.

ربما عَرَفَ أنّ فارسَه المُمتطى ظهرُه

قد تَحمّل وخزاتِ مهمازٍ أقسى في الحياة،

لذا، يرفعُ الخيلُ رقبته ولا يتأوّه أبداً،

حاملاً حِملاً مفرطاً، مُتقدّماً للأمام بصمت.

وبالتدريج، فَقَدَ شكلُه جمالَه القديم،

أمّا وقفتُه الأنيقةُ، فقد تهالكت يوماً بعد يوم.

ربّما في يومٍ ما، سيسقطُ فجأةً على جانبِ الطريقِ،

مُلقياً حِمله وفارسَه المعذّب.

ممّا تبقّى من هيكله،

لا يمكننا أن نَجِدَ أثراً للبطولة،

فالأبطالُ عامَذاك قد صُيِّروا قدّيسين،

بينما الخيلُ قد مشى دربَ الحياةِ العسيرْ.

بطاقة

شاعرة وباحثة صينية، من مواليد بكين عام 1920. هي من الشعراء التسعة الحداثيين الذين أسّسوا تيّاراً عُرف بـ"الأوراق التسع". حصلت على إجازة في الفلسفة من "جامعة ساوث ويست يونايتد" (1943) وماجستير في الأدب والفلسفة من "جامعة بروان" في الولايات المتّحدة (1952)، قبل أن تعود إلى الصين عام 1955 لتدرِّس في "جامعة بكين العادية" بين 1960 و2006. لها العديد من الدواوين الشعرية، إضافة إلى أربعة كتب مقالاتٍ نقدية عن الفلسفة الغربية وعن الشعرية المقارنة. تتميّز أعمالها الأولى بغنائيتها وفلسفتها وواقعيتها الاجتماعية. على الرغم من كونها شاعرةً حداثية، إلّا أنه يُحسب لها الجمع بين الأساليب الشعرية التقليدية والحداثية. رحلت مطلع العام الجاري عن مئة وسنتَين.

ترجمة: مصعب أبو توهة







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي