ملاحظات على ترجمة كتاب «اكتشافات نينوى وبابل» لهنري لايارد

2022-03-18

قيس كاظم الجنابي

ترجم محمد حسن علاوي كتابي للآثاري والرحالة البريطاني أوستن هنري لايارد، الذي بدأ رحلاته عام 1848، ودونها عام 1853، وأصدرها في نيويورك عام 1853، بعنوان «اكتشافات نينوى وبابل» كما ترجم للمؤلف ذاته كراساً بعنوان «محكمة نينوى في مكتبة كريستال بالاس» وصدر الكتابان عن دار المأمون في وزارة الثقافة والسياحة والآثار، الأول عام 2019، والثاني عام 2021، ويعد الكتاب الأول من كتب الرحلات والتنقيبات البريطانية المهمة في بلاد الرافدين؛ وثمة كتاب للمؤلف عنوانه «مكتشفات أطلال نينوى وبابل، مع رحلات إلى أرمينيا وكردستان والصحراء: أوستن هنري لايارد، ترجمة شيرين إيبش وأحمد إيبش، هيئة أبو ظبي للثقافة والسياحة 2012. وأعتقد أنه الكتاب ذاته، وقد اطلعت عليه سابقاً، ولهذا لم يقدم المترجم عنه أي إشارة، حتى لا يعرف القارئ العراقي بذلك أو المسؤول العراقي في وزارة الثقافة.

الترجمة

بداية لا يهمني اسم المترجم ولا كم ترجم من الكتب، وإنما تهمني ترجمته، وضبطه للنص وتعليقاته على الترجمة وشروحاته التخصصية، خصوصاً التعريف بالمدن والقصبات والشخصيات والقبائل، لا كما تصرف المترجم في ترجمة هذا الكتاب المهم والحيوي في تاريخ العراق وحضاراته، فقد تصرف المترجم وكأنه عارف بكل شيء، مع أنه لا يمتلك معرفة بموضوع الكتاب، كالكلمات الريفية والبدوية، ولا الدقة في ترجمة الأسماء والمصطلحات، فوقع نتيجة ذلك في الكثير من الهفوات. فلم يضمّن الكتاب مقدمة وافية عن سيرة المؤلف، ولم يعرض الكتاب على لجنة أو مراجع كفوء ومتخصص في علم الآثار، لبيان تلك الهفوات وتوحيد الأسماء.

لقد جاءت كلمة الناشر (دار المأمون) خجولة ومختصرة دلالة على جهله بالموضوع، أما كلمة المترجم فتركزت حول المؤلف (لايارد 1817-1894) إذ قال عنه: «يواصل لايارد في هذا الكتاب الذي يقع في ستة وعشرين فصلاً عرض عمليات التنقيب واكتشافه آثاراً مهمة»(اكتشافات نينوى وبابل: أوستن هنري لايارد، ترجمة محمد حسن علاوي، دار المأمون، مطابع دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد، 2019) ولم يذكر لنا ما هي مصنفات لايارد وما الذي ترجم منها وما لم يترجم! وإنما زادنا إبهاماً، كما هي مقدمة المؤلف التي يقول فيها: «منذ نشر أول عمل لي في اكتشافات نينوى وتقدماً كبيراً قد أحرز في فك رموز الكتابة المسمارية». وكان يمكن الاطلاع على كتاب (الطريق إلى نينوى: نورا كوبي، ترجمة سلسل محمد العاني دار المأمون، بغداد 1998).

وعلى الرغم من تركيز المؤلف على (نينوى) في تنقيباته، إلا أنه اهتم اهتماماً واضحاً بالآثار التي شاهدها قرب بحيرة (وان) ومناطق دير الزور في أعالي الفرات، مع أنه زار بابل والكثير من الأمكنة، لأن آثار نينوى متأخرة ولها صلة بالتوراة وأنبياء اليهود، خاصة النبي يونس (يوحنا) ومن هنا جاء إلحاحه على الكثير من الموضوعات لمقارنتها بالكتاب المقدس.

أخطاء بالجملة

نجد الاضطراب في الكثير من ترجمات الأسماء والأمكنة التي نقلها عن الكاتب ولم يستطع فهمها وترجمتها بصورة مضبوطة، كما في (خلاث) بالثاء المثلثة، وأحياناً بالمثناة، ودعاها أولاً قرية، ثم مدينة، ثم دعاها (خيلات). ولم يبد المترجم أي ملاحظة، إذ قال المصنف: «كانت مدينة خيلات القديمة عاصمة محافظة بيزنوني الأرمنية وقد خضعت لسلطة المسلمين في وقت مبكر في القرن التاسع عشر». مع أنه قال عنها في أول الأمر إنها قرية: «يبدو المنظر الأول الذي يشاهده المسافر من فوق قرية خلاث، لبحيرة وان التي تنحدر باتجاه التلال جميلاً للغاية». ثم وصفها أيضاً بأنها مدينة لقوله: «ساقتنا أقدامنا إلى حدائق مدينة خلاث العريقة التي فيها المآذن والأضرحة المدببة البارزة فوق الأشجار».

ومع أن لايارد آثاري إلا أن أهدافه الدينية واضحة، وغالباً ما يهمل المترجم الالتباسات وتعدد الصفات وازدواجية لفظ الأسماء، كما في لفظ مدينة (بيتليس) والتي ذكرها بـ(بتلس) ثم يستمر على الشاكلة الأخيرة؛ وهذا يتكرر في ما بعد في الكثير من الأسماء والمدن، فهو مرة يذكر (تل أعفر) ومرة (تلعفر) ويسمي الجمل (الذلول) بالموحدة (الدلول) بالدال غير المنقوطة، فلعله اعتقد أنه اشتق من الدلالة أو الدليل، والصواب هو مشتق من تذليل المسافات، كما يقول البدوي.

وكذلك فعل مع اسم (سحيم) وهو اسم شاعر عربي من الأغربة، فذكره (سحمان، سحيمن) وكذلك ترجم (مجول) بـ(مجيول) وبطبيعة الحال لا يميز أسلوب التصغير عند بعض الناس، لهذا ورد سحيم وسحمان وسحيمن ومجول ومجيول.

ويترجم اسم (طرادة) الزورق الصغير في جنوب العراق بـ (التيرادا) وكأنه لم يسمع بها، وترجم اسم (سمير أميس) الملكة العراقية إلى (سميرة أميس) وترجم عشيرة (الغزالات) إلى (الغزايل) وترجم (هيرودت) المؤرخ والرحالة مرة إلى (هيرودتس) وترجم المجلبية (أي الدار المقلوبة) كما يقول عامة الناس إلى (تل مجلب، وتل مقلوب والكلبية والمقلوبة والمجلوب. كما ترجم (برس) بـ (ببلوس، برس النمرود، معبد بيلوس. وترجم اسم الرحالة اليهودي الذي زار بغداد في العهد العباسي بنيامين التطيلي بـ(بنيامين توديلا). والمنتفق والمنتفج في صفحة واحدة، وترجم لملوم بـ(اللمولود) وهم تجمع قبلي معروف في العراق على طريق، وترجم تنجيد الخاص بالقماش إلى تنجيب لعلاقته باليشماغ، وترجم كعيشيش، وهو اسم بدوي إلى (جيشيش) والسباهية بـ (السباهيليك) وهو نمط من الجند العثماني، وترجم الفقة بـ(القوفة). كما ترجم (قرقيسيا) إلى (كركيسيا) وكأنه يترجم للقارئ الغربي، كما توجد الكثير من الترجمات الركيكة.

ولو اطلع على كتاب طه باقر «مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة» وكتبه الأخرى، وما كتبه نائل حنون وسامي سعيد الأحمد وفاضل عبد الواحد، وفي ما يخص المرحلة العثمانية، ما كتبه عباس العزاوي، وعماد عبد السلام رؤوف لتجاوز الكثير من الاختلاطات. ووفقاً للتصورات السابقة فإني أرجح أن هذا الكتاب قد ترجم من قبل أكثر من شخص، ولم يراجع مراجعة وافية من قبل متخصص ولا من قبل المترجم الذي وضع اسمه عليه، أو أن المترجم ترجمه ترجمة فورية آلية، من خلال الوسائل الإلكترونية المتاحة، واكتفى بمراجعة عامة غير علمية، ولم يكلف نفسه العناء لإحالته إلى متخصص بالآثار لكي يرجعه، أو بالرحلات الأوروبية أو بالتاريخ العثماني، أو بالتاريخ في أضعف الإيمان، وهذا ما أربك قراءة الكتاب، في حين لا ينطبق هذا الوصف بشكل تام على كتابه (محكمة نينوى).

لقد حرصت أن تكون هذه الملاحظات حول الارتباك في نص الكاتب ومسايرة المترجم له دون تقصٍ أو تمحيص، قبل الولوج إلى أهمية الكتاب حتى يمكن ملاحظة بعض الهفوات التي تعرقل تلقي وفهم النص المترجم، وكان الأجدى بالذي وضع اسمه على غلاف الكتاب بصفة مراجع الترجمة سعد جواد عوض أن يتلافى ذلك، وكذلك الحال مع المراجعة اللغوية عهود عبد الواحد عبد الصاحب والمدير العام ساطع راجي وغيرهم من فريق العمل والمتابعة أن يخفف من هذا الارتباك.

أهمية الكتاب

للكتاب أهمية سياسية واقتصادية واجتماعية، وفي وصف طبيعة النظام السياسي في العهد العثماني، وفي بيان أهم اقتصاديات البلدان التي مر فيها الباحث، ومنها عادات وتقاليد وأزياء المجتمعات البدوية التي زارها، وكذلك حال الأقليات والديانات في تركيا والعراق، كالأكراد والإيزدية والصابئة والجماعات المسيحية المتعددة المنتشرة في الموصل، وبعض المدن العراقية، فضلاً عن الأرمن في ماردين وبحيرة وان، وقد لقي الإيزدية اهتماماً كبيراً من لدنه، فقد عايشهم وسكن بالقرب منهم، وشارك في احتفالاتهم واطلع على الكثير من أسرار ديانتهم، خصوصاً أنه زارهم وهم يتعرضون إلى هجمات مؤسفة أدت إلى هجرة الكثير منهم، كما جاء في كتاب «الحملات والفتاوى على الكرد الإيزدية في العصر العثماني» داود مراد الختالي، دار سبيريز، دهوك 2010.

كما يشير إلى علاقة الإيزدية والمسيحية بأنهم «يؤمنون بأن المسيح سيأتي ليحكم العالم لكن بعد ذلك سيظهر الشيخ عدي الذي سيعطيه ولاية، خاصة على الذين يتحدثون اللغة الكردية بما في ذلك الإيزدية». في إشارة إلى علاقة المخلص (المسيح) بالديانة الإيزدية، وهي الوريثة للديانة الزرادشتية.

وبالإضافة إلى ذلك اهتم بالقبائل العربية وغير العربية، فأشار إلى قبيلة (اللّر) أو (الرستان) وهم أقرب إلى الكرد (الفيلية) مع (اللان) الذين هاجروا قسراً أو اختياراً منذ أزمنة متأخرة إلى العراق من بلدان تقع على حدود الصين، أو حدود أذربيجان مع فارس، فخالطت لغتهم الفارسية شوائب من لغات أخرى، وقد استطاع واحد من قادة اللّر الاستيلاء على بغداد، وهو (أبو القاسم اللّري) فضرب البغداديون به المثل فقالوا (عبالك أبو القاسم لّر) نسبة إلى شقوته وعدوه من أشقياء بغداد. كما شكّل الأسر البابلي لليهود عقدة مهمة لدى لايارد، كما في شرحه لتماثيل تحتوي على صور ونقوش وتخطيطات عن حال الأسرى، وقد سرد ذلك على عشرة أرقام، بيّن فيها الألوان والحيوانات والصور، في لوحات آشورية شهيرة، وهو يفعل ذلك من خلال دمج تصوره وقراءته للقطع الأثرية، ووصفه للأمكنة والمجموعات البشرية، بحيث يدمج عمل التنقيب مع نزعته نحو توثيق رحلته، وحياته اليومية، وأحياناً يعود نحو تواريخ قديمة كفتح العراق وتاريخ قبيلة طيء واعتزازها بزعيمها حاتم الطائي، كما أنه زود الكتاب بعدد من التخطيطات التي تصور الأواني والأشخاص بعد رسمها بدقة، كما قارن بين الآثار العراقية والمصرية بوصفهما منبع الحضارات في الشرق. وقد توصل الكاتب إلى وجود علاقة بين الثور الآشوري في اتجاهين معاكسين، مع صليب من مالطا (يرمز للشمس) والنجوم السبعة، فاستنتج وجود دلالة ترمز إلى عبادة الآشوريين لنجوم في أن الرموز الأخرى مستخدمة أثناء تقديم القرابين والاحتفالات المقدسة.

وسبب الاعتقاد بوجود صلات بين العراق ومصر هو وجود توابيت من الطين المفخور قريبة من توابيت المصريين واليهود في مصر، تتركز حول عقيدة الإنسان الآشوري حول الموت. ولعلها كانت بتأثير احتلال الآشوريين لمصر وأورشليم، لأن العقيدة الدينية لدى العراقيين حول الموت تتعلق بالفجيعة وعدم العودة إلى الحياة أو الفردوس؛ بينما يعتقد المصريون بأن الإنسان سيعود ليجد بالقرب منه أوانيه وحاجاته مدفونة معه، ومن هنا ولدت فكرة الأهرامات. كما أن المترجم ترجم بعض النصوص عن ملحمة جلجامش ولم يعد إلى ترجماتها المعروفة إلى العربية كترجمة طه باقر ونائل حنون وسامي سعيد الأحمد وسهيل نجم وعبد الغفار مكاوي وفراس السواح.. وغيرهم.

كاتب عراقي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي