جيهان تحب السفر: إسبانيا قصة للقلب وليست للنشر

2022-03-08

عاطف محمد عبد المجيد

هذا الكتاب ليس لمن يخاف، بل هو لكل جسور مغامر يحب السفر، ويركب الهواء، ويعشق الاكتشاف، ويستمتع بالدهشة، ولكل من في قلبه مكان واسع للحب والضحك والبهجة.

هذا ما تقوله جيهان الغرباوي في مقدمتها لكتابها «جيهان تحب السفر» الصادر حديثًا عن دار غراب للنشر والتوزيع في القاهرة، وتصنفه كاتبته ضمن أدب الرحلات الساخر، وفيه لا تدعو الغرباوي القارئ لأن يقرأ كتابها، بل تدعوه ليحلق في السماء، ويذهب معها لزيارة الدنيا، من جزر هاواي إلى شنغهاي إلى بلاد تأكل اللحم حافا! الغرباوي التي ترى أن كتابها هذا يحقق حلم كل شاب في بلدها، تاركا بلده ليسافر، تطالب قارئها بأن يذهب معها ليعرف ما لم يعرفه من الأطلس، وما لم يقله له فيسبوك.

هنا اتبعت الغرباوي نصيحة وتوجيهات السيد ماوتسي تونغ الرئيس الصيني الأسبق، الذي حكم الصين لزمن كان من أهم مراحل تطورها ونموها السياسي عبر التاريخ، وفي الوقت نفسه الفيلسوف الحكيم والشاعر الكبير الذي قال في بيت شعر له: لا تعتبر نفسك بطلًا ولا محظوظًا، طالما أنك لم تصل بعد ولم تصعد سور الصين العظيم. لقد استجابت لتوجيهاته وأقسمت برحمته أن تصل وأن تصعد سور الصين لتضع هذا الإنجاز وهذه البطولة في سيرتها الذاتية.

من خلال زيارتها للصين خرجت علينا الكاتبة تقول، إن الحياة هناك تتغير والأفكار تتبدل والعقول تنفتح على العالم، وتتنفس نسيم الحرية الشفاف، بعد عقود طويلة من الاختناق وعتمة الانغلاق، وحين زارت شنغهاي كتبت قائلة إن كلمة شنغهاي تعني حرفيّا ما فوق البحر، لكنك فيها تستطيع بسهولة أن تحلق فوق السحاب، بأجنحة منطلقة في أجوائها التي تفيض سعادة وحركة وفرحا وحرية، تحرص على الحياة وتتجاسر على العشق وتتألق شبابا وبهاءً.

اضطهاد الفوضى

جيهان الغرباوي التي جعلت من كتابها هذا طائرة تحملنا على متنها لتجوب بنا العديد من بلدان ومدن العالم، مازجة في كتابها هذا ما بين فصحى الكلام وعاميته، مائلة ناحية الأسلوب الكتابي الساخر والفكاهي، تتنقل بنا من بلد إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى، ترافقنا دهشة الاكتشاف الأولى، ومتعة الإنصات إلى حكّاءة تطاوعها لغة الحكي بشكل كبير، منتظرين منها ما هو أكثر إدهاشا ومتعة. تضطهد الفوضى وتتحدى الصخب وتخاصم البدانة وتتحامل على سرعة السيارات في الشوارع، وهي مدينة فائقة النظافة، تسابق فيها أيدي الكناسين أوراق الشجر الخريفية الحمراء، التي يبعثرها الهواء أو تعبث بها الرياح، فتنثرها دونما اكتراث على الأرصفة والطرقات. ومتحدثة عن خلاصة رحلتها إلى الصين تدعو قارئها للذهاب إليها قائلة: في الصين أعاجيب كثيرة تستحق أن تراها وتجربها بنفسك. حاول ألا تفوّت الفرصة، وإن استطعت «تعإلى بالعجَل»!

وعن رحلتها إلى إيران تصور لنا الكاتبة هذا المشهد قائلة: هذه الابتسامات التي تعلو الوجوه والشباب الذي يضحك ويتجول بحرية الآن، لم يكن لهم وجود قبل الأحداث، التي أشعرت النظام الحاكم بأن الشعب على وشك الانفجار، فأطلق الحريات الشخصية، واضطر للتراجع ولو نسبيا عن الإجراءات القمعية المتشددة التي كان يفرضها قهرا على الناس، وعلى أسلوب حياتهم. وحين تتجه طائرة الغرباوي ناحية إثيوبيا نجدها تقول إن ركوب الطيران الإثيوبي محنة كبيرة، سواء خطوطا داخلية أو خارجية، فأنت إن لم تفقد فيه حقائبك فقدت يومك تفتيشا وانتظارا، وجائز جدا أن تفقد الطائرة نفسها بسبب فوضى حجز التذاكر ومواعيد الإقلاع، مضيفة أن إثيوبيا بلد لا يحب الإعلام ولا يرحب بالصحافيين.

فرق شاسع

وعن الانفصال الذي فرق بين شمال السودان وجنوبه تكتب المؤلفة قائلة، إن الطرفين يشعران الآن بالخسارة الفادحة، لكن بعد فوات الأوان، فلا هما يستطيعان العودة، ولا أحدهما يستطيع الاستمرار دون الآخر، وساخرة تقول إن الملحمة في السودان ليست بمعنى الحرب، ولا علاقة لها بالأعمال الوطنية الجبارة، بل هي مطعم اللحوم الشعبي في السوق!

وعن زيارتها لدولة كينيا تخبرنا الكاتبة أن الفرق الشاسع هناك بين الأثرياء والفقراء، وانعدام العدالة الاجتماعية جعل المشي في شوارع نيروبي العاصمة خطرا على السياح والدبلوماسيين والضيوف الأجانب، وأسرع شيء أن تتعرض للسرقة والقتل، خاصة مع انتشار العصابات الصومالية في أنحاء المدينة وأطرافها. هنا أيضا تقول الغرباوي، إنها كتبت عن كل البلاد التي سافرت إليها بمجرد عودتها إلى مصر إلا إسبانيا، ربما، تقول، لأنها أحبتها أكثر من أي مكان آخر، وشعرت بأنها علاقة عاطفية خاصة وقصة للقلب وليست للنشر، وتفاصيل مفرحة حصريّا في الذاكرة. في برشلونة، تقول الغرباوي، كل النساء رشيقات أنيقات، لهن عيون عربية سوداء وشعر أسود وملامح يسهل أن تشعر معها بالدفء والمودة.

كما تصف الغرباوي الفاتيكان أصغر دول العالم من حيث المساحة والسكان قائلة، إن تاريخها أحدث من تاريخ إنشاء المتحف المصري، ومساحتها أصغر من حديقة المنتزه في الإسكندرية، وسكانها أقل من عدد النزلاء في فندق مطل على نيل القاهرة.

هنا وفي كتابها الذي تقول فيه عن نفسها إنها «طول عمرها نعنوشة وفرفوشة وتحب النزاهة، وتدلع روحها ومتستخسرش في نفسها حاجة خاصة لما تسافر بره» تأخذنا جيهان الغرباوي لنسافر معها كذلك إلى الأردن، إلى تركيا، إلى إيطاليا، إلى الإمارات، إلى سوريا وغيرها من البلدان والمدن التي وطأتها قدماها وانبهرت عيناها بما رأته فيها من بشر وحجر، ثم كان حصيلة هذه الرحلات والترحالات هذا الكتاب السهل الخفيف المسلي والمليء بالمعلومات المفيدة، لكل من سيفكر في زيارة إحدى هذه البلدان في المستقبل القريب رغم أنف فيروس كورونا.

كاتب مصري









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي