إيمّا كارينيني.. الشمس بوصفها موضوعاً فلسفياً

2022-03-06

هل نقول كلَّ شيءٍ عن الشمس عندما نصِفُها بأنّها النجم المحوريّ في مجموعتنا الشمسية، وعندما نذكر حجم قُطرها، وكتلتها، وطبيعتها الفيزيائية وتركيبها الكيميائي؟ قد يبدو وصفٌ كهذا كافياً بالنسبة إلى العديد من الحقول العِلمية، لكنّه يظلّ تعبيراً فقيراً جدّاً من وجهة نظر التجربة البشرية اليومية، الفردية أو الجماعية، والتي ترى في الشمس عدداً لا نهائياً من المعاني التي قد تبدو لها أكثر ملموسيةً وتعبيراً عن معناها من مجرّد تعريفها العِلمي.

وإن كانت الشمس، مثل كثيرٍ من عناصر الطبيعة، ثيمةً عزيزة على الأدب، وخصوصاً الشعر، فإنها لم تغب أيضاً عن تاريخ الفلسفة، وإن كانت المقاربات التي حضرت فيها، سواء في الفلسفة الإغريقية أو الفلسفة العربية الإسلامية الوسيطة، أقرب إلى خليطٍ من الميتافيزيقيا والعِلم والثيولوجيا.

في كتابها "الشمس: أساطير، تاريخ ومجتمعات"، الصادر حديثاً لدى منشورات "لو بومييه" في باريس، تأخذ الباحثة إيمّا كارينيني "موضوع" الشمس إلى آفاقٍ جديدة، وغير معتادة في الفلسفة، حيث تجعل منها موضوعاً لمقالةٍ فلسفية تبحث في دور الشمس في تجاربنا اليومية، وفي علاقتها بالتاريخ، والأدب، والحِكمة، وبالفكر قبل كلّ شيء.

أمام العديد من الكتب الفكرية التي تتناول الليل، وتُلاحِظ الربط الدائم للفكر بعناصر الوضوح والضوء واللمعان - وهي كلُّها عناصر ترتبط بالشمس - تأتي الباحثة الفرنسية لتدافع عن هذا التاريخ الطويل من الربط بين الأفكار والشمس، ليس فقط منذ ديكارت ومن ثمّ فلاسفة الأنوار، بل منذ "فجر" (مرّة أُخرى عنصرٌ مرتبط بالشمس) الفلسفة الإغريقية، حيث تربط كارينيني بين ولادة عددٍ من أهمّ الأفكار في تاريخ البشرية على ضفاف البحر الأبيض المتوسّط بحضور الشمس الكبير في المنطقة. بل إنها تسأل، على نحو غير معتاد في كُتب الفلسفة، عن الخصوصية الفكرية التي يمنحها ضوء المتوسّط.

في قراءةٍ تاريخية، تلاحظ المؤلّفة ارتباط التجارب البشرية منذ القِدَم بالشمس ووتيرتها وتقلُّباتها، بحضورها وغيابها، كما تلاحُظ تراجُع هذه الاعتمادية عليها منذ بدايات العصر الصناعي، ومن ثم اختراع الكهرباء، قبل أن تعود الشمس، وما تحمله معها من أسئلة طاقة وحرارة وبقاء للنوع البشري، لتصبح محور النقاشات العِلمية والأخلاقية والسياسية في العقود الأخيرة، مع تزايد ظاهرة الاحتباس الحراري.

على أن هذه القراءة التاريخية سرعان ما تترك الحيّز لأسئلة وأجوبة فلسفية تقدّمها الكاتبة، مقدّمة تحليلاتٍ فلسفية عن الشمس بوصفها شرطاً لخروج الفرد من ذاته نحو العالَم والآخرين (بينما يمثّل الليل لحظةَ انكفاءٍ على الذات)، وبوصفها الشرط الذي لا يمكن من دونه الحديث عن أشياء متمايزة، وعن ظواهر وأفعال، وعن إدراكٍ لهذه الأشياء والظواهر والأفعال، أي، بمعنى ما، لا يمكن من دونه أن يوجد فكرٌ أو فلسفة.

بعبارةٍ أُخرى، تقدّم المؤلّفة نظرةً إلى الشمس ترى فيها "مبدأً كونياً"، بل ربما المبدأ الأكثر كونية، إن كان في ضرورته لكلّ حضارة أو لكلّ فرد وكائن حيّ؛ كما تسجّل إيمّا كارينيني العديد من الأمثلة حول ارتباط مفاهيم فلسفية، ودينية، وتاريخية، مثل الحِكمة، والسعادة، والفضيلة، والصحوة، والأنوار، ارتباطاً أساسياً بالشمس، الضرورية للفكر بنفس القدر الذي تبقى فيه ضروريةً للحياة بمعناها البيولوجي.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي